قضايا وآراء

هل الحركات الإسلامية وحدها مهددة بـ"الإبادة"؟

بحري العرفاوي
المظلومون دائمًا هم العربُ والمسلمونَ، اشتدت الوطأة عليهم كما لمْ تشتدّ من قبلُ وأريدَ بهم كما أريدَ دائمًا سوءا، ولكنهم الآنَ أبصرُ بخيوط المؤامرة وبوجوه المتربصين..
المظلومون دائمًا هم العربُ والمسلمونَ، اشتدت الوطأة عليهم كما لمْ تشتدّ من قبلُ وأريدَ بهم كما أريدَ دائمًا سوءا، ولكنهم الآنَ أبصرُ بخيوط المؤامرة وبوجوه المتربصين..
بعض البيانات الصادرة عن أسماء بارزة في التيار الإسلامي (إخوان وإسلام سياسي)، توحي بوجود "تعديل" في الرؤية إلى طبيعة المعركة التي يجب علينا  خوضها، وحقيقة العدو الذي يجب علينا التصدي له في هذه المرحلة التي أصبح فيها الصراع مكشوفا بدون مساحيق ولا مرواغة ولا مجاملة.

لقد بات واضحا أن العدو الحقيقي للأمة هو التحالف الصهيو ـ أمريكي الذي لا يميز بين تيارات أو مذاهب أو جماعات طالما أنها تعبّر عن انتمائها لعقيدة الإسلام، فالإسلام عند هذا العدو لا يُنتج معتدلين ولا مدنيين ولا مؤمنين بالسلام أو بالإنساني الكوني أو بحوار الحضارات أو بمبدأ التعايش بين الشعوب والديانات، ولذلك ولذلك يرى وجوب إطلاق "وصمٍ" واحد على جميع المعتقدين بكون الإسلام مشروع حياة، وصمٌ ب "الارهابيين" ولا حلّ معهم إلا "الإبادة" بمعانيها المختلفة.

هذا الوضوح في خطاب التحالف الصهيوأمريكي، وما يتابعه العالم من ممارسات إبادية في أكثر من مكان، جعل عددا من المنتمين لحقل "الإسلام السياسي" بمختلف تعبيراته، يقفون وقفة تأمل لإعادة ترتيب الأولويات وليعيدوا طرح السؤال: هل الأولوية لمواجهة أعداء الخارج أم لمواجهة الأنظمة المستبدة"؟

بات واضحا أن العدو الحقيقي للأمة هو التحالف الصهيو ـ أمريكي الذي لا يميز بين تيارات أو مذاهب أو جماعات طالما أنها تعبّر عن انتمائها لعقيدة الإسلام، فالإسلام عند هذا العدو لا يُنتج معتدلين ولا مدنيين ولا مؤمنين بالسلام أو بالإنساني الكوني أو بحوار الحضارات أو بمبدأ التعايش بين الشعوب والديانات..
وهل الاعتماد على الخارج في "الإطاحة" بالأنظمة هو الأسلوب الأنجع لتحقيق الحرية ولضمان السيادة الوطنية؟ وهل هذا "الداعم" الخارجي هو مجرد فاعل خير؟ أم إنه يشتغل على العداوات بين الأنظمة والشعوب لتحقيق الاختراق وضمان التحكم في الجميع لصناعة بيئة قابلة للتوجيه ولاملاء السياسات والمواقف والمشاريع في مختلف المجالات وخاصة الثقافية والتربوية وحتى الدينية ناهيك عن الابتزاز المالي وعن نهب الثروات؟.

بعض تلك الأصوات "تأمل" أن يكف الجميع عن "التنافي" وعن "التتاهم" وعن تبديد طاقات الأمة والمجتمعات في صراعات هي ثانوية ـ رغم أهميتها ـ على حساب قضايا مصيرية تتجاوز اختلاف التقديرات السياسية الداخلية ، إلى كونها معارك وجود حقيقية يرتبط بها وجود مجتمعاتنا وأمتنا وجودا ماديا وحضاريا ومعنويا ودينيا وثقافيا، إنهم يخططون لإبادتنا بل إنهم شرعوا في التنفيذ بكل عنجهية واستكبار.

هذه الفكرة، فكرة تقديم معركة الوجود على معارك التقديرات السياسية، بدأت تتضح أكثر وتمتد أبعد وتنضج أعمق، في انتظار أن تتحول إلى قناعة لدى صُناع القرار والماسكين بأدوات "ضبط" المشهد حتى يكون مُهيّئا لتشكّل معمار وطني في كل دلالاته وأبعاده ، أبعد من السياسة وما بعد الديمقراطية وليس أقل من السيادة الوطنية.

لقد اتضحت ملامح المعركة لدى الأعداء، وها هم يُعاملوننا بناء على وضوحها، فكيف لم تتضح بعد لدى نخبنا ونحن نتابع ما يُفعَل بأمتنا وكيف يُعامَل "قادة" دولنا وكيف يتم تحريض بعضنا على بعض حتى صارات العداوات بيننا ذات عناوين شتى وتعبيرات كثيفة؟.

واهم من يعتقد أن التحالف الصهيو ـ أمريكي لا يستهدف إلا الإسلاميين لكونهم إسلاميين، إنه يستهدف كل أنصار الحرية مهما كانت منطلقاتهم الفلسفية أو الدينية، فعقيدة الحرية ونزوع التحرر هما سببان كافيان لارتعاب هذا العدو فلا يطمئن لأي بلد أو جماعة أو أفراد طالما كانت الحرية عقيدتهم وطالما كان شوق التحرر يسكنهم ويُفيم في خطابهم وأدبهم وبرامجهم التربوية وتعاليمهم الدينية وشعاراتهم السياسية.

يعرفُ أعداءُ أمتنا أن العقيدة الإسلامية عقيدة إنسانية ومجاهدة ، يعرفون ما تُرسخهُ في معتنقيها من عزم وعزة وبسالة واصطبار، يعرفون أنها ما ترسّخت في مجموعة إلا آخت بينهم وجعلت منهم جسدًا منسجمًا ومتعاضدًا، لذلك يخشونها ولذلك لم يتوقفوا عن ابتداع أساليب تجفيف منابعها وتشريد أتباعها ، نعرف ما الذي حدث للعقائديين أفرادًا أو مجموعات من إيذاء في الأبدان والأرزاق والأعناق على أيدي الأقرباء والبُعداء ، خصوم العقيدة الإسلامية لهم من الإمكانات المادية ومن  العِصيّ وفخاخ القوانين وتقليعات التأويل ما يكفي لتجريب الأساليب وتمديد الألاعيب وصرف طاقات الأمة وأوقاتها في نهش نفسها وفي الدّوران حول العمود حتى الإختناق!

يريد الأعداء "صناعة" حالةٍ توصَف "إسلامية" تكون ساذجة ومنهزمة يسهل استيعابها في "الديانة الابراهيمية" بما هي قاعدة "عقدية" للتطبيع لا فقط مع الكيان الغاصب وإنما مع الرؤية الاستعمارية الجديدة بكل تفاصيلها الثقافية والسلوكية والقيمية، بعد أن فشلوا في استدراج حركات إسلامية إلى دائرة التطبيع حين أغروها بديمقراطية توصلهم إلى السلطة ولا تُمَكنهم من الدولة، تلك الحركات اضطرتها التجارب الدامية مع أنظمة سياسية إلى "الاستعانة" بمن ظنوهم أنصارا لحقوق الإنسان وللديمقراطية كأنما نسوا جرائمهم في أفغانستان وفي العراق وفي كل الحروب الظالمة على أمتنا.

مُصطلحات الحداثة والعقلانية والمدنية والتجديد، يُشهرها "مثقفون" كما السواطير يهوون بها على مصطلحات القاموس الديني يُحَرّضون على المُتدينين وعلى ينابيع العقيدة ، "مثقفون" يشتغلون كاسحات ثقافية يُمهدون الطريق لمشاريع الغزو ولأنظمة الإستبداد ـ يقبضون من الداخل ومن الخارج ـ ولا يترددون في استعمال مصطلحات المواطنة والحرية وحقوق الإنسان! يَرفعون العنوان ويضربون البنيان!!! ولا غرابة أن تستمع لهؤلاء اليوم يسبقون العقائديين في "تمجيد" المقاومة ، وفي ذات الوقت يحرصون على تسميم مائها إذ يَسِمون أبطالها بما لا ينسجم مع مُقتضيات الحداثة والمدنية!! لقد ظل أولئك عبرَ التاريخ يُريدون من العقائديين أن يُقاوموا ثمّ... يُسلّموا!! يُسلمون حصادهم إلى القاعدين من أصحاب النظريات الطافحة! يودّون أن ينتصر هؤلاء ثم يُعدَمون أو ينتحرون! لم يعد العقائديون اليوم يقبلون بأن يكونوا وقودَ مواقد يتحلق حولها السفهاءُ والمساومون، لن يقبلوا بصبّ دَمهم خارج مسار تاريخ انتصار الأمة.

لقد اتضحت ملامح المعركة لدى الأعداء، وها هم يُعاملوننا بناء على وضوحها، فكيف لم تتضح بعد لدى نخبنا ونحن نتابع ما يُفعَل بأمتنا وكيف يُعامَل "قادة" دولنا وكيف يتم تحريض بعضنا على بعض حتى صارات العداوات بيننا ذات عناوين شتى وتعبيرات كثيفة؟.
لن يجلسَ السّفهاءُ في مراقي الشهداء، يُدركُ الأعداءُ وحلفاؤهم أن العقائديين تعلموا من تاريخ الصراع ما يكفي لتحصين دمائهم وإكرام شهدائهم، لذلك هُم مرتعبون ومستعجلون على خوض معارك متعددة الساحات ومتنوعة الأدوات، يضربون في الكتاب وفي الجغرافيا وفي الرموز التاريخية والدينية وحتى في حليب الأطفال ولعبهم.

هذه الأمة أعلى من أن تنحني وأعمقُ من أن يغيضَ ماؤها أو تموت سنابلها أو يفنى ناسُها  "كزرْع أخرجَ شطأه فآزره فاستغلظ  فاستوى على سوقه  يُعجبُ الزرّاعَ ليغيظ بهمُ الكُفار" يخشى صُناعُ الخراب ماءَ الحياة يدفق من مفاصل التاريخ، يعرفون أنهم لم يُحسنوا صُنعا ويخشون تناسل الأولاد المنتقمين، لذلك يستميتون في تحشيد المُخرّبين وفي إرسال دُخان التضليل وتوريط الشَّعر في العجين يتمنون أن تضرب الأمة يمينها بيسارها ورأسَها بركبتيها فلا تقومُ ولا تستجمعُ قوًى ولا تستعيدُ وعْيًا ولا تتأملُ ملامحَ عدوّها ولا تصْحُو من سُبات وأوهام، يتعجبون أنها لم تمت ! وأنها كلما ضُربت اشتدّ عُودُها وكلما استشهدَ شاهدٌ هاجت من دمه حشودُ الغاضبين، العقائديون يتناسلون في كل أرْض وطأها القاتلون.

 أنفقَ المتآمرون أموالهم ثم كانت وبالاً عليهم ثم يُغلبون بإذن الله، أنفقوا أموالهم في مشاريع تجريف المشاتل الوطنية وفي تجفيف ينابيع العقيدة وشلّ أعصاب الشباب ودمغ الأدمغة والإيقاع بين الأهل وأهلهم ثم يجدُون قاعًا صفصفا أو سرابًا بقيعة!!

"عقيدة الحرية" المُسْتجمعة من معاني القرآن الكريم حول الإنسان والحياة هي التي تنتفض اليوم على صُناع الموت ومُبدعي الخراب، الفلسفات البارقة ُ باهتة ومرتبكة تتوسل الجلادين بصوت رخوٍ وتدعو الضحايا إلى ضبط النفس حفاظا على أرْواح المغدورين !!

"التحرّر" نداء الفطرة الإنسانية وليسَ مجرد مطلب أمة أو ديانة لذلك تنجذبُ جموعٌ وجماعاتٌ من مختلف مواضع الوجع الإنساني نحو القضايا العادلة ونحو نداءات المظلومين.

المظلومون دائمًا هم العربُ والمسلمونَ، اشتدت الوطأة عليهم كما لمْ تشتدّ من قبلُ وأريدَ بهم كما أريدَ دائمًا سوءا، ولكنهم الآنَ أبصرُ بخيوط المؤامرة وبوجوه المتربصين وهم اليوم أغزرُ دمًا وأوسَعُ مدًى وأطوَلُ يدًا، ولهم في الحق أنصارٌ كثيرون يسوقهم الله برحمته إلى مواطن الصراع ينتصرون لنداء الحياة كما لو أنهمُ الشموعُ ينسابُ شعاعها في شعاع الشمس.

تلك روحُ الإسلام تقاوم من أجل الحياة، وسينقشعُ دُخان المعركة على وجه للحياة جميلة وعلى قامة للمُقاومين عالية.
التعليقات (0)

خبر عاجل