لا
يُخفي الاسرائيليون مخاوفهم من تبعات قرار احتلال قطاع غزة، ليس فقط باعتباره مجرد
خطوة أخرى في حرب مستمرة منذ قرابة عامين، بل إن تبعاته المتوقعة تكاد تكون أكبر
من ذلك، من حيث تكثيف المقاطعة الدولية للاحتلال، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتضرر
الخدمات المقدمة للجمهور، وكلها ليست سوى نتائج غير مباشرة لتحمل مسؤولية مليوني
غزّي، وبالتالي فإن هذا القرار، الذي سيُموّل من دافعي الضرائب الإسرائيليين
المنهكين أصلاً، تم اتخاذه دون إجراء نقاش استراتيجي ومهني وشفاف مع الرأي العام.
اظهار أخبار متعلقة
البروفيسورة
كارنيت بلوغ، الزميلة البارزة في معهد الديمقراطية، ورئيسة الجمعية الاقتصادية،
ومحافظة البنك المركزي السابقة، والبروفيسور يعقوب فرانكل، الحائز على جائزة
الدولة في الاقتصاد، ورئيس معهد الاقتصاد العالمي بجامعة تل أبيب، ومحافظ البنك المركزي
السابق، نشرا مقالا مشتركا حول ما "تواجهه "الدولة" حاليًا من
تحديات وجودية على نطاق لم تعهده من قبل، حيث جميع مجالات الحياة باتت مهددة، فيما
تتزايد درجة عزلة الاحتلال الدولية، ويتفاقم الانقسام الداخلي، ويتعمق التمزيق الاجتماعي
من الداخل".
مبالغ مالية ضخمة
وأضافا
في ورقة بحثية نشرتها
صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أنه "على هذه الخلفية، لا يُعد احتلال قطاع غزة وسكانه البالغ عددهم
2.2 مليون نسمة "مجرد" خطوة أخرى في حرب طويلة ودموية؛ بل قد يكون نقطة
تحول ذات عواقب وخيمة على الإسرائيليين، وعلى تضامنهم وتماسكهم الاجتماعي، وعلى يهود
الشتات أيضا، بجانب التكلفة الباهظة للمخاطرة بأرواح الجنود والرهائن، مما يتطلب
التقييم الشامل والتقدير الاقتصادي المتين لعواقب احتلال القطاع تحليلًا شاملًا
للعلاقات المتبادلة".
وأشارا
إلى أنه "رغم الأهمية الجوهرية للعواقب الاقتصادية لاحتلال القطاع، ولكن على
ما يبدو فأن النقاش لدى صانعي القرار قرروا تجاهلها، رغم أن سيطرته المباشرة عليه بأكمله،
سيجعله مُلزما بتحمّل، جزئيًا على الأقل، تكلفة إعادة إعمار القطاع، وتوفير
الخدمات الأساسية لسكّانه، ووفقًا لتقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد
الأوروبي، تُقدّر تكلفة إعادة إعمار مبانيه وبنيته التحتية واقتصاده بـ53 مليار
دولار، أي 180 مليار شيكل، وهو مبلغ ضخم".
وأوضحا
أنه "خلال الأشهر الستة الماضية، شن الاحتلال عملية "عربات جدعون"،
ازداد الضرر والدمار في غزة بشكل ملحوظ، مما سيجعل المبلغ أكبر، وفي ضوء المعارضة
الدولية للسيطرة على غزة، من المنطقي افتراض أن جزءًا على الأقل من تكلفة إعادة
إعمار الأنقاض سيقع على عاتق دافعي الضرائب الإسرائيليين، وهذا عبء غير مسبوق على
الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يتحمل بالفعل العبء الثقيل للحرب على مدى عامين، وهذه
ليست سوى البداية".
التكاليف المرتفعة المتزايدة
وأكدا
أنه "سيتعين على الاحتلال أيضاً تحمل التكاليف المستمرة لتقديم الخدمات
المدنية لسكان غزة في جميع المجالات، بما فيها إمدادات الغذاء والخدمات الصحية
والتعليم والتوظيف والرعاية الاجتماعية والبنية التحتية وغيرها، لأن الحدّ الأدنى
المقدر للتكلفة السنوية هو عشرة مليارات شيكل سنويًا، وسيتطلب البقاء المطول في
القطاع إنشاء إدارة عسكرية ومدنية، قدرت المؤسسة العسكرية تكلفتها السنوية سابقًا
بأكثر من 20 مليار شيكل، يُضاف إليها تكلفة تعبئة قوات احتياطية كبيرة، ووسائل
الحرب القوية المستخدمة في الاحتلال، وهذه نفقات هائلة لمرة واحدة، إضافة لنفقات
سنوية عالية، تضاف للميزانية العسكرية الضخمة بالفعل".
وأضافا
أن "العبء الأكبر على قطاع الأعمال وصناعة التكنولوجيا الفائقة سيكون هائلاً،
سواء بسبب التعبئة المكثفة للعمالة الماهرة، التي تُعد ركيزة الاقتصاد الإسرائيلي،
وبسبب التداعيات الدولية، من حيث إلغاء الاتفاقيات التجارية، والقيود المفروضة على
الصادرات للاحتلال، وستؤدي لارتفاع الأسعار، والقيود المفروضة على وارداته، كما
ستؤدي العقوبات لإبعاد المستثمرين الأجانب، ومن المتوقع أن يؤدي كل هذا لزيادة
علاوة المخاطر على الإسرائيليين، والمزيد من الضرر للتصنيف الائتماني للاحتلال،
وزيادة أسعار الفائدة".
اظهار أخبار متعلقة
وأشارا
أن "جزءً مهماً من التكلفة الاقتصادية للحرب واحتلال غزة تتمثل بالتكلفة
الباهظة للعزلة إسرائيل المتزايدة، بعد أن كانت وجهة مفضلة للمستثمرين والسياح
والعلماء والتعاون بين المؤسسات الأكاديمية والثقافية والرياضية، ونموذجًا
للابتكار والبحث والتطوير والتكنولوجيا؛ واستعدت لزيادة في معدل الهجرة إليها؛ ورفعت
الهيئات الدولية تصنيف اقتصادها باستمرار، لكن الانقلاب القانوني بجانب الحرب،
تهدد بتغيير كل ذلك".
وضربا
على ذلك مثالًا "بإعلان صندوق الثروة النرويجي، أكبر صندوق ثروة في العالم،
أنه باع حصصه في جزء كبير من 61 شركة إسرائيلية استثمر فيها، وأنه يُراجع حصصه في
الشركات الإسرائيلية المتبقية التي استثمر فيها، وهناك خطر أن تحذو صناديق
استثمارية أخرى حذوه، كما تتزايد الدعوات في أوروبا والولايات المتحدة لفرض مقاطعة
علمية وأكاديمية على الاحتلال".
وأوضحا
أن "كل ذلك سيُلحق الضرر بالتعاون والتمويل، لاسيما في مجال البحث العلمي
الذي يُعدّ أساسيًا في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، وسيُلحق الضرر بالتكنولوجيا
المتقدمة ضررًا بالغًا بالاقتصاد بأكمله، نظرًا لكونها محرك نموه في السنوات الأخيرة،
ومسؤولة عن أكثر من نصف صادرات الاحتلال، وربع عائدات الضرائب المباشرة".
المقاطعة التجارية والعلمية
وأضافا
أن "المقاطعة العلمية "الصامتة" قائمة بالفعل، حيث يواجه الباحثون
الإسرائيليون صعوبة في التعاون مع زملائهم في الخارج، ويزداد صعوبة استقطاب
الأساتذة الزائرين، وجمع أموال الأبحاث، كما تقلّصت برامج التبادل الطلابي، كما نشهد
بالفعل مقاطعات في مجالات الثقافة والرياضة، وكل هذا يُفاقم عزلة دولة الاحتلال،
ويُؤجج تصاعد معاداته حول العالم".
وأوضحا
أن "هذه الظواهر تثير قلقًا بالغًا، لكنها للأسف لا تحظى بالاهتمام الكافي من
الاحتلال، ويتوقع أن يكون لهذا السيناريو الكابوسي، الذي يضرب الاقتصاد الإسرائيلي
من جهات مُختلفة، عواقب وخيمة على الجمهور، وسيعني زيادة في الديون والفوائد عليه،
وانخفاضًا في النمو الاقتصادي، وزيادة في تكلفة المعيشة، وضررًا جسيمًا بمستوى
المعيشة، كما سيزداد العبء الضريبي، وسيثقل كاهل الجمهور الذي يتحمل العبء
الاقتصادي الرئيسي".
وحذرا
أن "الكثير من الاسرائيليين في مثل هذه الظروف الصعبة تنتظرهم بدائل عمل
جذابة في الخارج، ويزداد خطر هجرة الأدمغة والإضرار بالهجرة لدولة الاحتلال من
الشتات، وانخفاض في ميزانية التعليم يتم التعبير عنه في تقليل ساعات الدراسة،
والانتظار الذي لا ينتهي للعلاج الطبي والفحوصات في المستشفيات، ونقص الاستثمار في
البنية التحتية والطرق".
وأضافا
أنه "في ضوء التكاليف الباهظة، من الصعب فهم كيف لا يوجد نقاش استراتيجي معمق
ومهني، يتضمن عملًا اقتصاديًا شاملاً، وعرض البيانات على الجمهور، ولذلك يجب تذكّر
أن دولة الاحتلال لم تبدأ بعد بتمويل جزء كبير من نفقات الحرب، وهذا حتى قبل
احتلال غزة، مع أن الاعتبار الاقتصادي يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من القرار
السياسي والأمني، وفي غيابه، قد تكون النتيجة ضررًا جسيمًا بالقوة الاقتصادية
لدولة الاحتلال".