سياسة عربية

هل تنجح خطة حكومة سلام في لبنان بإعادة النازحين السوريين؟

الأمم المتحدة: 24 في المائة من مجمل النازحين السوريين في لبنان يبدون استعداداً فعلياً للعودة - أكس
الأمم المتحدة: 24 في المائة من مجمل النازحين السوريين في لبنان يبدون استعداداً فعلياً للعودة - أكس
بعد سنوات من الخلافات بين المسؤولين اللبنانيين وشركاء لبنان الدوليين بشأن ملف النزوح السوري، أقرّت حكومة الرئيس نواف سلام أخيراً ولأول مرّة خطة لعودة هؤلاء اللاجئين إلى بلدهم وبدعم دولي.

وبالرغم من أن الخطة الحكومة قد لا تلبّي مطالب بعض الأطراف اللبنانية الداعية لإعادة جميع النازحين السوريين فوراً، فإن هذه الخطة واعدة، ومن المرجّح أن تأتي بنتائج ملموسة إذا التزمت بها السلطات اللبنانية.

مركز القرن الدولي الأمريكي المختص بالبحوث والسياسات، أجرى تحققًا بشأن خطة الحكومة اللبنانية لإعادة النازحين السوريين، بهدف تقييمها ومعرفة مدى فرص نجاحها، وقد استخلص المحلل المتخصص في شؤون لبنان وسوريا سام هيلر من أن الخطة يُمكن أن تؤمن عودة قسم معتبر من السوريين النازحين في لبنان، حتى وإن كانت بعض العوامل خارج سيطرة لبنان – منها الوضع المضطرب في سوريا وتراجع التمويل الدولي للمساعدات في كلٍ من لبنان وسوريا – وهو ما قد يضع حداً لعدد العائدين على المدى القريب.



خطة الحكومة لإعادة السوريين
حكومة الرئيس سلام أطلقت خطتها بداية شهر تموز/يوليو، حين بدأت مديرية الأمن العام اللبناني والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحملة إعلامية حول تسهيلات جديدة لسوريين راغبين في العودة إلى بلدهم، منها تقديم منحة مالية بـ100 دولار لكل فرد عائد وإعفاءات عند الحدود اللبنانية-السورية من أي رسوم أو غرامات متعلقة بمخالفة الشخص العائد لشروط الإقامة في لبنان ومن دون إصدار بلاغات منع دخول مستقبلًا بحقه.

اظهار أخبار متعلقة


 ولكي يستفيد السوري الراغب في العودة من هذه التسهيلات، عليه أن يتواصل أولاً مع مفوضية اللاجئين، التي وبعد التحقق من طوعية العودة، تسجّل بدورها هذا الشخص في برنامج العودة وتُصدر له وثيقة خاصة يُبرزها على الحدود، والتي على إثرها تغلق المفوضية ملف العائد وتشطبه من قوائم المفوضية في لبنان، وذلك بتنسيق وتواصل مع الأمن العام اللبناني.

وتشتمل الخطة على نمطَين للعودة، وهما: العودة "المنظّمة" والعودة "المنظّمة ذاتياً"، حيث يعود السوريون في الحالة الأولى بقوافل ترتّبها المنظمة الدولية للهجرة أما في الحالة الثانية، فيقوم السوريون أنفسهم بترتيب عودتهم، ما قد يعطيهم مرونة أكثر في التوقيت وبعض الجوانب اللوجستية.
وقد انطلقت أول قافلة عودة "منظّمة" في أواخر شهر تموز/يوليو على متنها 71 شخصاً، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن تلك القافلة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من عدد العائدين، إذ يفضّل، وفقاً لمفوضية اللاجئين، 97 بالمئة من الذين تواصلوا مع المفوضية أن ينتقلوا ضمن عودة "منظمة ذاتياً"، وقدّمت المفوضية بالفعل مِنَحاً مالية لما يقارب 1,500 شخص سُجّلوا في برنامج العودة.

وبحسب آخر إحصائيات للمفوضية، أبدى، حتى الآن نحو 72 ألف سوري اهتمامهم بالمشاركة في برنامج العودة، وقد صرّحت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد أن الحكومة تستهدف عودة ما بين 200 ألف و400 ألف نازح إلى سوريا عبر الخطة الحكومية للعودة.

ومن أكثر ما يميّز خطة الحكومة عن محاولات سابقة لإيجاد صيغة لإعادة السوريين النازحين في لبنان، أنها تتمتع هذه المرة بدعم دولي، حيث التزمت الحكومة في خطتها ببعض الضوابط والمبادئ الناظمة والمتماشية مع القانون الدولي والاحترام لحقوق السوريين، ما سمح للمنظمات الدولية والجهات المانحة بأن تدعم الخطة، بطرق منها الرعاية للمنح المالية ولوسائل النقل.

ولتلك الالتزامات لدى الحكومة اللبنانية أهمية في تأمين تعاون نظيرتها السورية، التي من دون مشاركتها لا يمكن أن تنجح أي خطة للعودة، فقد أكدت لي مي برازي المستشارة للاجئين واللاجئات في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، أن الحكومة في دمشق حريصة على أن تكون أي حركة عودة مرتّبة وطوعية وتتم بطريقة تحفظ كرامة المواطنين السوريين العائدين، قائلة:" لا نريد أن نراهم يُذلون من جديد، ذهبت تلك الأيام".

تحديات تعيق من تدفق العائدين
تواجه خطة الحكومة تحديات عديدة، معظمها خارج أيدي الحكومة، وقد تحدّ من إقبال السوريين في لبنان على العودة خلال الفترة المقبلة، فإن ما سيحسم قرار العودة أو عدمها لدى أغلب اللاجئين السوريين هو، في المقام الأول، الظروف في سوريا، والتي لا تزال عسيرة جداً، ورغم التخلص من دكتاتورية الأسد، ستبقى سوريا مكتئبة اقتصادياً ومدمّرة مادياً بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب الطاحنة، علاوة على ذلك، الوضع الأمني في سوريا ليس مستقراً بعد، وهو ما لا يطمئن سوريين نزحوا أصلاً نتيجة حرب وعنف، وما زالوا مترددين في العودة إلى بلد مستقبله مجهول.

كما أن تراجع التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية قد يؤثر سلباً على العودة، فمن جهة، قد يدفع توقف الدعم الدولي لللاجئين السوريين في لبنان بعضهم للعودة إلى بلدهم، إلى أن يتراجع، من جهة ثانية، مستوى التمويل للاستجابة الإنسانية في سوريا أيضاً، أما الوعود الخليجية والدولية بالاستثمارات والمشاريع الضخمة، فإنها لا تصلح لتلبّي الاحتياجات العاجلة لدى اللاجئين العائدين، من سكن وخدمات وفرص عمل.

وفيما يؤكد المسؤولون السوريون، من طرفهم، أن كل مواطن سوري مرحّب به في بلده، فإن الحكومة السورية الجديدة تواجه حالياً تحديات كثيرة وشائكة، وليست عودة اللاجئين على رأس أولويات دمشق.

اظهار أخبار متعلقة


وبينما يشدّد المسؤولون اللبنانيون في كل مناسبة على أن عدد السوريين الذي استضافه لبنان يفوق طاقة البلد، فإن أيّ موجة عودة كبيرة سوف تفوق طاقة سوريا كذلك والتي تعاني أساسًا من وضع هش ودقيق للغاية، فالواقع أن سوريا تحتاج إلى بعض الوقت لكي تتعافى، حتى تتمكن من أن تستوعب جميع اللاجئين السوريين الذين يتطلعون للعودة.

آفاق وفرص النجاح
بالرغم من العقبات التي تواجه خطة الحكومة، يمكن للخطة أن تمكّن عودة قسم معتبر من السوريين النازحين في لبنان، وكما بيّن الممثل السابق لمفوضية اللاجئين إيفو فرايجسن، يمكن تشريح اللاجئين السوريين في لبنان ضمن عدة شرائح، بالنسبة إلى جاهزيتهم للعودة. فهناك، شريحة كانت جاهزة للعودة من لحظة سقوط الأسد، وقد بادرت بالعودة بالفعل، وشريحة ثانية راغبة في العودة وتتوقع أن تجد ظروفاً ملائمة عند عوتها، ولكن تحتاج إلى بعض المساعدة المادية واللوجستية لكي تعود، وشريحة ثالثة ترغب في العودة، ولكنها تدرك بأن الظروف في مناطقها ليست مواتية بعد، فتضطر للتريّث في لبنان لبعض الوقت، أما الشريحة الرابعة، فهي ترغب في البقاء في لبنان من أجل العمل، وربما ضمن إطار قانوني منظّم طرحه بعض المسؤولين اللبنانيين أخيراً.

ومما تقدم , فأن خطة الحكومة تصلح للشريحة الثانية أكثر من غيرها، وتتضمّن سوريين جاهزين للعودة ولكن غير قادرين على تغطية تكاليف النقل من دون مساعدة، أو هم متوجسون من دفع غرامات على المعابر الحدودية الرسمية، وقد تمثّل هذه الشريحة عدداً جيداً من السوريين في لبنان، بناءً على عدد النازحين الذين تواصلوا مع المفوضية حتى الآن ليُبدوا اهتمامهم بالتسجيل، ومع أن بعض الأصوات في لبنان قد تدعو لإعادة جميع السوريين دفعة واحدة، إلا أن المقاربة العملية والواقعية لحل عقدة النزوح في لبنان هي مقاربة تدريجية، تقوم على تسهيل عودة اللاجئين شيئاً فشيئاً، أي شريحة بشريحة.

عودة مستدامة دون نزوح عكسي
ليس من مصلحة لبنان أن يضغط للعودة "السابقة لأوانها"، بالمصطلح الإنساني، فلبنان يحتاج، لكي يحقق عودة أعداد أكبر من النازحين السوريين، إلى تجارب عودة ناجحة ومستدامة – أي إلى أن يستقر السوريون في بلدهم ويزدهروا، وقد شدد مسؤولون أمميون على نقطة "الاستدامة"، كما تبنّت الحكومة اللبنانية هذه الصياغة في خطتها كذلك، نظرا لكون السوريين العائدين إذا ما رجعوا إلى مناطق غير صالحة للعيش وعجزوا عن الاستقرار فيها، فإنهم قد يضطرون لينزحوا مرة أخرى، إما داخل سوريا أو إلى لبنان من جديد عبر طرق غير نظامية، وبالتالي على لبنان، على وجه الخصوص، أن يتنبّه لهذا الخطر، نظراً لانسيابية الحدود اللبنانية-السورية، وهو ما يجعل لبنان مكشوفاً أكثر من غيره من جيران سوريا على حركات نزوح عكسي أو أي نزوح جديد.

ويحتاج لبنان إلى تجارب عودة ناجحة أيضاً لكي يشجع المزيد من السوريين في لبنان على الالتحاق بزملائهم العائدين ويبني زخماً للعودة، فيظل السوريون العائدون إلى بلدهم على تواصل مع أقاربهم ومعارفهم في لبنان، وبالتالي، إن كانت تجاربهم من العودة إلى سوريا تجارب سلبية وفاشلة، فإنهم سينقلون ذلك الخبر إلى ذويهم في لبنان، ما سوف يثنيهم عن العودة في المستقبل.

ويمكن للبنان أن يبني ذلك الزخم فعلاً، إذا استمرت الحكومة بتنفيذ خطتها والتي مدّتها إلى ما بعد يوم 30 أيلول/ سبتمبر، حين تنتهي الإعفاءات التي أعلن عنها الأمن العام في أول شهر تموز/يوليو، وعليه ومن أجل أن تشجع الحكومة حركات عودة متلاحقة، أن تترك باب العودة مفتوحاً، لا أن تغلقه من جديد، فقد أصبح للبنان، بعد سقوط الأسد، فرصة حقيقية لتمكين عودة عدد لا بأس به من اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ولكي يتحقق ذلك فأنه يتطلب من لبنان التمسّك بخطتها والمبادئ التي تتضمّنها.
التعليقات (0)

خبر عاجل