ملفات وتقارير

السلطة تتجاهل "حزب الكنبة".. لماذا غاب الحشد لانتخابات "شيوخ مصر"؟

يعد "مجلس الشيوخ" أقدم غرفة برلمانية عرفتها مصر الحديثة عام 1980 تحت اسم "الشورى"- جيتي
يعد "مجلس الشيوخ" أقدم غرفة برلمانية عرفتها مصر الحديثة عام 1980 تحت اسم "الشورى"- جيتي
في غياب تام للمعارضة المصرية، انطلقت الانتخابات البرلمانية لاختيار 100 من أعضاء "مجلس الشيوخ" بالبلاد، والتي من المقرر أن يعلن نتائجها الأسبوع المقبل، وسط تراجع بوسائل حشد الناخبين في مشهد خلت فيه أغلب اللجان لأغلب الوقت مع عزوف "حزب الكنبة" عن المشاركة.

ويعد "مجلس الشيوخ" أقدم غرفة برلمانية عرفتها مصر الحديثة عام 1980 تحت اسم "الشورى"، والذي جرى إلغائه في "دستور 2014"، ليعود مجددا باسمه الحالي مع التعديلات الدستورية نيسان/ أبريل 2019، ليتألف من 300 عضوا، يجري انتخاب 200 منهم، ويعين رئيس الجمهورية العدد الباقي.

وقبل إجراء الانتخابات، فازت "القائمة الوطنية من أجل مصر"، المشكلة من 12 حزبا أكثرها تمثيلا حزبي "مستقبل وطن"، و"الجبهة الوطنية" بـ100 مقعد بالتزكية، ليجري الاقتراع على 100 مقعد فردي بـ27 دائرة يتنافس عليها 428 مرشحا، داخل 8 آلاف و825 مقرا انتخابيا بإشراف 10 آلاف قاض من هيئة قضايا الدولة والنيابة الادارية، بعد استبعاد قضاة "مجلس الدولة"، و"النقض"، و"الاستئناف".

غاب الناخبون وحضر كبار السن

بمتابعة "عربي21"، لعدد من اللجان تبين غياب الحشد، وفقط حضور أنصار حزب "مستقبل وطن"، يحملون علم الحزب، وعلم مصر، وصور رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، وصور بعض المرشحين، بينما غابت الأغلبية التي كان يطلق عليها قبل ثورة يناير 2011، "حزب الكنبة".

اظهار أخبار متعلقة


وتأكدت "عربي21"، من غياب بعض وسائل الحشد التي جرت في الانتخابات البرلمانية السابقة في عهد السيسي عامي 2015 و2020، حيث اكتفى المرشحون بحملات انتخابية جماعية خاصة بالحزب بالمدن الكبرى، ولم يتم تسيير مواكب انتخابية لكل الأحياء والقرى والعزب والكفور والنجوع، كما هو المعتاد.

وكذلك غابت بشكل لافت السيارات المخصصة لنقل المواطنين مجانا إلى لجان الانتخابات والتي كانت تمثل موسم رزق جيد لسائقي سيارات الميكروباص والسرفيس وحتى سيارات النقل، فيما لم يظهر أنصار المرشحين أمام بيوت الأهالي لحثهم على الذهاب للتصويت، والتطوع لنقلهم بسيارتهم.

أيضا، لم ترصد "عربي21"، توزيع علني لكراتين وشنط مواد غذائية على الناخبين من مقرات المرشحين كما هي العادة السابقة، واكتفى المرشحون بحشد أنصارهم المقربين فقط وبعض الأفراد للحضور أمام اللجان، مع توزيع بعض الوجبات للمقربين من المرشحين المقرر تواجدهم طوال اليوم.

اظهار أخبار متعلقة


اختفى كذلك، مشهد أنصار المرشحين الذين يحملون أجهزة لوحية تحمل قوائم وأسماء الناخبين لإرشاد الناخبين إلى موقع لجانهم.

وسادت حالة بذخ واضحة أمام أغلب اللجان التي تتقدمها شوادر مغطاة بمساحات كبيرة يتجمع تحتها ما بين 200 و300 رجل وسيدة من أعمار مختلفة يحمل أغلبهم الأعلام واللافتات، وذلك لإحداث حالة من التكدس أمام اللجان لأطول فترة ممكنة، رغم ارتفاع درجة الحرارة.

وفي المقابل، تقوم كاميرات المواقع الصحفية والفضائيات بالتركيز على ذلك الحشد الذي يتخلله من آن إلى آخر مشاهد الرقص والغناء على أنغام "دي جي" عبر أغاني منها "تسلم الأيادي"، إحدى أشهر الأغاني التي أُطلقت عقب انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013.

مرتضى منصور: مشاهد رخيصة مبتذلة
وهي الحالة التي كتب عنها رئيس نادي الزمالك الأسبق مرتضى منصور، إنها "مشاهد رخيصة مبتذلة تسيء للمرأة المصرية وتهين كرامتها".



وانتقد السفير المصري محمد مرسي، مشاهد الرقص، وحالة "الإنفاق الهائل"، ملمحا إلى أن الانتخابات حضرت في الفضائيات أكثر من الشارع، مشيرا إلى "عدم جدوى هذه الانتخابات وما قد يضيفه مجلس الشيوخ لقضية الديمقراطية في مصر".



وعبر الباحث السياسي يحيي سعد، عن امتعاضه من مشاهد الرقص النسائي أمام اللجان، وكتب يقول: "لا قيمة لانتخابات ببلد يعاني الاستبداد وغياب الحريات"، مضيفا: "ثمار الانتخابات الكرتونية المشوهة خلقيا وقانونيا واجتماعيا وسياسيا ستكون وبالا على تلك الشعوب".

ويربط نشطاء ومراقبون، بين غياب حزب الكنبة عن انتخابات الشيوخ، وبين تصديق السيسي، الاثنين، على تعديلات "قانون الإيجار القديم"، ونشره بالجريدة الرسمية يوم الانتخابات، ملمحين إلى تأثير القانون السلبي على نحو 6 ملايين مصري.



وبحسب بيان الهيئة الوطنية للانتخابات، فقد شهد اليوم الأول لانتخابات مجلس الشيوخ، وفاة 3 موظفين من محافظتي الشرقية والفيوم، وسقوط مروحة على قاضية أثناء عملية التصويت، ووفاة سيدة دهسا بالقطار في الصعيد أثناء ذهابها للاقتراع.

مشاهد مألوفة
ونقلت المواقع الصحفية مشاهد وصفها مراقبون بالمعتادة مع كل انتخابات تجري في البلاد، ومنها مشهد سيدة مسنة تجلس على كرسي متحرك ويقوم رجال الشرطة بمساعدتها للإدلاء بصوتها في الإسكندرية.

اظهار أخبار متعلقة


وآخر من ذوي الهمم، يستقبله أفراد الأمن والقائمين على لجان الانتخابات، والقضاة داخل اللجان، ويقوم فردي شرطة بحمله حتى مقر اللجنة والعودة به إلى درجاته البخارية ومعانقته، في مشهد سخر منه السياسي المصري علاء الخيام، ووصفه بقوله عبر "فيسبوك": " جميع المصريين كانوا في انتظار هذا المشهد".



وفي موقف معتاد في مصر، قرر العروسان أحمد محمود أبوسريع، ومنى محمد أبوسريع، الإدلاء بصوتيهما والاحتفال بزفافهما أمام إحدى اللجان الانتخابية بمحافظة الفيوم.

بدا كذلك لافتا حضور كبار السن من الرجال والنساء في المشهد الانتخابي وغياب عنصر الشباب، في ظل توجيه بعض الأشخاص للحديث أمام الكاميرات والإشادة بأوضاع البلاد والهتاف لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

والتقطت بعض الكاميرات مشاهد توزيع شنط ووجبات غذائية على الناخبين، ما اعتبرها نشطاء رشا انتخابية من حزبي "مستقبل وطن"، و"الجبهة الوطنية"، بشكل خاص.

وفي المقابل، رصد نشطاء تحرك "توكتوك" بمكبر صوت في إحدى القرى يهدد المستفيدين من معاش "تكافل وكرامة"، بقطع الدعم إن لم يذهبوا للانتخابات، في مشهد اعتبره السياسي علاء الخيام، "استغلال للفقراء لتمرير زيف العملية السياسية".

بروفة مصغرة للنواب
"صبحي"، أحد أنصار حزب "مستقبل وطن"، أجاب على استفسارات "عربي21"، حول أسباب تراجع وسائل الحشد، وغياب توزيع الكراتين بشكل علني، قائلا: "الانتخابات محسومة، وعدد المقاعد المطلوبة 100 فقط، وهذا المشهد سيتغير في انتخابات مجلس النواب التي ستشهد تنافسا كبيرا على المقاعد الفردية".

وأوضح أن "انتخابات الشيوخ بروفة مصغرة لانتخابات النواب -596 عضوا-"، متوقعا "عودة الحشد لها بكل الطرق والوسائل"، ملمحا إلى أن "أغلب المشاركين من أنصار المرشحين، أو من أنصار الحزب، وجميعهم لهم إعاشة عبارة عن وجبة يومية"، نافيا توزيع مبالغ مالية على أحد.

مشهد بائس وهزلي
وفي قراءته، قال الكاتب والمحلل السياسي محمد فخري، لـ"عربي21": "المشهد بائس كعادة كل انتخابات غير ديمقراطية تُجرى في مصر بالعقد الأخير، فكل المرشحين لا يخضعون فقط للفرز الأمني، ولكن هم أنفسهم تم اختيارهم من قبل الجهات الأمنية".

وأضاف: "كما تشي كواليس اختيارهم بتبرعات سخية لأطراف مبهمة يتحملها المختارين (الأثرياء أصحاب المصالح)، وهو ما يدفع معظم هؤلاء فيما بعد للدخول في سباق مع الزمن لتعويض ما تم دفعه كرشوة نظير اختياره كنائب برلماني".

اظهار أخبار متعلقة


ولفت إلى أنه "بعيدا عن الأجواء الانتخابات المصطنعة يعيش المواطن منفصلا تماما عن هذا الواقع المزور، خصوصا إذا كانت ثلثا مقاعد الشيوخ الثلاثمائة قد تم حسمهم بالفعل لصالح النظام، فرئيس الجمهورية يعين 100 مقعدا، في حين ما يسمى بـ(القائمة الوطنية من أجل مصر) تخوض السباق على مقاعد القوائم المائة دون أي منافس، أى أنها فازت بالتزكية من قبل حتى إجراء الانتخابات".

فخري، ختم بالقول: "مع تلك المعطيات التي تعكس مشهدا صوريا مرتبا يصبح الحديث عن أجواء انتخابية نزيهة أمر هزلي للغاية".

عملية تدليس.. ومخاوف على النشء
وفي رؤيته للمشهد الانتخابي، قال الكاتب والمحلل السياسي سيد أمين: "التجارب السابقة والحالية لانتخابات مصر أثبتت أنها عملية تدليس كاملة، بعيدة كل البعد عن العمل الديمقراطي النيابي أو السياسي أو الفكري، بل إنها عملية شوهت المصطلح".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أعرب عن مخاوفه من أن "يتبلور مفهوم لدى النشء أن الانتخابات عملية ترقص فيها بعض النساء، ويتقاضى فيها الحاضرون مبالغ مالية وهدايا؛ وهو الاجراء الذي تلجأ له الجهات المشاركة في العملية لحشد الناس للتغطية على المقاطعة الشعبية".

وأكد أمين، أن "الناس لا تجد قيمة للمجالس النيابية سواء مجلس شيوخ أو نواب لأنها تعرف الحقيقة، أنها مجرد ديكور مختار من سينجح فيها قبل الانتخابات بشهور؛ وأنها بعد أن تتشكل معلوم القرارات التي ستتخذها في أي مجال مسبقا".

ليس عرسا ولا ديمقراطيا
وفي تعليقه على المشهد الانتخابي، قال الباحث المصري محمود جمال: "الانتخابات في النظم العسكرية ليست سوى فصل من مسرحية هزلية. وكما قال جورج أورويل: (في الانتخابات الزائفة، الشعب يشارك فقط في اختيار السوط الذي سيجلده). وكما قال القائل: (إذا كان خصمك يكتب القوانين، ويملك الإعلام، ويشرف على فرز الأصوات، فلست في انتخابات… أنت في استعراض)".



ووصف الناشط السياسي أشرف أيوب، انتخابات الشيوخ بقوله إنها "مضاربة في بورصة أصوات الفقراء؛ حيث بدء سعر السهم أي الصوت بـ200 جنيه حتى وصل 1000 جنيه"، وفق قوله.



وقال أستاذ الإعلام السياسي ناصر فرغل، إنه "ليس عرسا ولا ديمقراطيا"، مؤكدا أن "الحقيقة الكاشفة تؤكد سوء الاختيار، وخلو اللجان من الناخبين الذين قرروا مقاطعة المسرحية الهزلية دون اتفاق مكتوب بينهم".
التعليقات (0)