بعد
سنوات طوال من الحصار الخانق، والحرمان من زيارة الأهل، والتعذيب المادي المفضي
إلى الموت البطيء تمكن المعتقلون في جناح 2 بسجن بدر 3، صاحب السمعة الأسوأ بين
السجون المصرية، من إيصال صوتهم خارج زنازينهم، وإعلام العالم بدخولهم في إضراب عن
الطعام احتجاجا على محاولات تصفيتهم، بل إقدام بعضهم على الانتحار فعلا، فالحياة
في السجن وسط تلك الظروف لم تعد ذات قيمة، والموت أكرم منها بكثير كما يقولون.
أحداث
ومصائب كبرى تحيطنا من كل مكان؛ مأساة أهل غزة، حصارهم وتجويعهم حد الموت، واستمرار
السعي لتهجيرهم.. أزمات سوريا من الساحل إلى السويداء مرورا بالأكراد.. الحرب في
السودان والتدخلات الإقليمية فيه.. حرب إيران والكيان الصهيوني ومن قبلها لبنان.. الخ..
الخ.. كل ذلك لا يمكن أن ينسينا أسرانا في سجن بدر الذين يتعرضون للموت أيضا أمام
أعيننا.. هذا هو الثغر الذي تنبغي حراسته، وليس هناك غيرنا من يحرسه.
كل ذلك لا يمكن أن ينسينا أسرانا في سجن بدر الذين يتعرضون للموت أيضا أمام أعيننا.. هذا هو الثغر الذي تنبغي حراسته، وليس هناك غيرنا من يحرسه
فما أحوجنا لتحرير
أسرانا في السجون المصرية، واستنهاض كل الهمم والجهود الممكنة لإنقاذ حياة هؤلاء الأسرى في السجون
المصرية، وفي مقدمتهم نزلاء سجن بدر 3، خاصة جناح 2 الذي يضم كبار رجال الدولة في
عهد الرئيس محمد مرسي، والذين كانوا أيضا من قادة ثورة 25 يناير وفرسانها في
الميادين المختلفة.
عدة
رسائل مكتوبة أو شفهية تمكن من تهريبها أولئك الرجال الذين تم فصلهم تماما عن
العالم على مدار السنوات الماضية، ولم يتمكنوا من رؤية ذويهم، ولا أحفادهم الذين
ولدوا خلال حبسهم. أحدث هذه الرسائل أمكن تسريبها ونشرها عبر مواقع التواصل في
اليوم نفسه الذي خرج فيه الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة بعد غياب من آذار/ مارس
الماضي، وكما حمل أبو عبيدة في رسالته الغاضبة المسئولية للقادة والأحزاب
والجماعات والعلماء، معلنا اختصامهم أمام الله، فإن رسالة سجناء مصر أيضا "وضعت
الجميع أمام مسؤولياتهم: أولهم النظام الحاكم، ثم الأحزاب والقوى والشخصيات
السياسية والوطنية، والمجتمعَين المدني والحقوقي، محليا ودوليا، وكل حرّ في هذا
العالم". كما حمّلت "الضمير العالمي المسؤولية الكاملة عن حياتهم، ودعته
للتخلي عن صمته عمّا يحدث لهم منذ 12 عاما" وتوجهت الرسالة إلى الجميع
بالسؤال: "لماذا نُحرَم من رؤية أهلنا، أولادنا، وأحفادنا، قبل أن لا نراهم
أبدا؟! ومنا من تجاوز الثمانين عاما!"، وهي بشكل ما تختصم الجميع أمام الله.
اقرأوا
وتدبروا كلمات السجناء إلى أسرهم، فهي صرخة في وجه الظلم، وتأكيد على استمرار
مقاومتهم لهذا الظلم ولو كان الثمن حياتهم: "نتقدّم نحن المعذّبين داخل قطاع
2 في سجن بدر 3 بهذه الرسالة إلى أهلنا وأبنائنا وأحبابنا الذين لم نرَهم منذ
ثماني سنوات دون سبب، نرسل لهم هذه الرسالة لنقول إن النظام المصري يريد لنا أن
نموت ببطء داخل هذا السجن المعزول!.. ونحن نقول لكم: قريبا ستجدون مكانا تتمكنون
فيه من زيارتنا من دون إذن أو منع، وتتحدثون إلينا كما تشاؤون، ولكننا لن نستطيع
الرد على حديثكم! فنحن نفضّل الموت على هذه الحياة التي يُصرّ النظام على فرضها
علينا بالقوة والعنف".
وقد
وقع على تلك الرسالة نيابة عن باقي السجناء كل من السفير محمد رفاعة الطهطاوي، رئيس
ديوان رئيس الجمهورية السابق، والدكتور أسامة ياسين، وزير الشباب الأسبق، وخالد
الأزهري، وزير القوى العاملة الأسبق، وأسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئيس
الجمهورية السابق، ورجل الأعمال حسن
مالك، رئيس جمعية ابدأ للمشروعات التنموية، والمحامي عصام
سلطان، نائب رئيس حزب الوسط وعضو البرلمان الأسبق، والدكتور محمد البلتاجي، الأستاذ
بكلية الطب جامعة الأزهر وعضو البرلمان الأسبق، وأمين الصيرفي، السكرتير الخاص
لرئيس الجمهورية الأسبق، والمحامي أسامة مرسي، نجل رئيس الجمهورية السابق،
والمهندس سعد الحسيني، محافظ كفر الشيخ الأسبق، والدكتور أحمد البيلي، محافظ دمياط
الأسبق، والمهندس حسام أبو بكر، محافظ القليوبية الأسبق، والمحامي صبحي صالح، عضو
لجنة صياغة الدستور، والمحامي أحمد أبو بركة، النائب البرلماني السابق، وعدد آخر
من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
وهذه
رسالة أخرى للدكتور حسن البرنس نائب محافظ الإسكندرية، تضمنت بعضا مما يعانيه
وغيره من السجناء في ذلك السجن اللعين خلال 12 عاما من الاعتقال، حرموا خلالها من
حقوق أي سجين سياسي، حيث لا يسمح لهم بزيارة الأهل، مع منع دخول الطعام من الأهل،
ومنع الخروج من الزنازين للتريض، ومنع دخول صحف أو راديو رغم أنها حقوق تضمنتها
لائحة السجون، وحرمانهم من رسائل أهلهم التي تقوم إدارة السجن بفتحها ومنعها من
الوصول، ومنعهم من صلاة الجمعة.. إلخ.
وكانت
أسرة الدكتور محمد البلتاجي، أحد قادة الثورة المصرية والنائب البرلماني السابق،
قد نشرت رسالة تضمنت بعضا من المضايقات والإهانات والمعاناة التي يتعرض لها، ومن
الواضح أنها عملية ثأر وانتقام مقصود بسبب دوره في التمهيد لثورة يناير ثم المشاركة
في قيادتها، وهو الثأر الذي لم يقتصر عليه بل شمل أسرته بدءا بقتل ابنته الشهيدة أسماء
بشكل متعمد خلال فض اعتصام رابعة، وحبس بعض أبنائه، وإصدار جملة من الأحكام بحقه
وصل مجموعها إلى 225 عاما، بخلاف حكم الإعدام، وتعريضه للتعذيب في محبسه بهدف
قتله، ورغم شكواه للمحكمة خلال جلسات محاكمته إلا أنها لم تأبه لتلك الشكاوى، وكذلك
حرمانه من الدواء والعلاج والملابس الدافئة، وزيارة من تبقى من أسرته خارج السجن.
الناشطان
محمد عادل وعلاء عبد الفتاح يخوضان بدورهما معركة من أجل حريتهما من داخل السجن، بينما
تخوضها الدكتورة ليلى سويف (والدة علاء) من خارجه عبر إضراب عن الطعام استمر عشرة
أشهر، وهو أطول إضراب عن الطعام في مصر فيما أعلم، ورغم اليأس من استجابة السلطة
إلا أن الأسرة تواصل معركتها النبيلة؛ تمسكا بحقها في حرية علاء الذي أنهى
محكوميته.
مع ضرورة استمرار المساعي السياسية، فإن واجب الوقت هو تسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية والإعلامية والسياسية والقانونية لقضية المعتقلين فيما يمكن وصفه بطوفان المعتقلين، من خلال اتصالات مع كل من يستطيع المساعدة في إنقاذهم
قضية
المعتقلين ليست قضية حقوقية فقط رغم أهمية المسار الحقوقي، وضرورة تعزيزه، ولكنها
قبل ذلك وبعده قضية سياسية، فالمعتقلون ليسوا مجرد نشطاء حقوقيين، والتعامل مع
قضيتهم ينبغي أن يأخذ مسارات سياسية قبل وبعد المسار الحقوقي. وليس خافيا أن جهودا
سياسية بذلت لحلحلة الملف لكن استجابة النظام كانت سلبية، ووصل الأمر بصدور
تصريحات من عضو بلجنة العفو الرئاسي يؤكد فيها أن اللجنة تستبعد أسماء المعتقلين
المنتمين للإخوان بشكل متعمد. والحقيقة أن هذه اللجنة لا قيمة لها، فهي مجرد أداة
شكلية للتعبير عن إرادة الجهاز الأمني المتحكم في المعتقلين، والذي يسمح بخروج بضعة
أفراد على فترات متباعدة، وكان خروج المعتقلين بقرارات من المحاكم والنيابات أكثر
كثيرا قبل تشكيل تلك اللجنة، بما يعني أنها تأسست بهدف الحد من الإفراجات.
نعرف
أن هناك تمايزا نسبيا في الموقف بين جهازي المخابرات العامة والأمن الوطني فيما
يخص ملف المعتقلين، وفي ملف الحلحلة السياسية بشكل عام، حيث يرى الأول ضرورة
التنفيس بقدر معلوم بهدف إطالة عمر النظام، ومن ذلك الإفراج عن دفعات أكبر من
المعتقلين، بينما يرى الثاني خطورة ذلك على النظام، وبالتالي يعرقل أي خطوة في هذا
الاتجاه انتقاما وثأرا لما تعرض له في ثورة يناير، وهو تصرف يزيد حالة التأزيم
والانسداد السياسي في وقت يدعي فيه النظام تعرض مصر لمؤامرة كبرى (لم يحدد أطرافها)،
ولو كان صادقا في ادعائه لكان الطبيعي أن يمهد الجبهة الداخلية لمواجهة هذه
المؤامرة وبداية هذا التمهيد بتصفير السجون من نزلائها السياسيين.
ومع
ضرورة استمرار المساعي السياسية، فإن واجب الوقت هو تسخير كل الإمكانيات المادية
والبشرية واللوجستية والإعلامية والسياسية والقانونية لقضية المعتقلين فيما يمكن
وصفه بطوفان المعتقلين، من خلال اتصالات مع كل من يستطيع المساعدة في إنقاذهم، على
شاكلة الرسالة التي وجهتها جماعة الإخوان إلى شيخ الأزهر (بغض النظر عن النتيجة
المتوقعة)، وتنظيم حملات متعددة الاتجاهات لإيصال صوت المعتقلين للجميع، ومن ذلك
عقد مؤتمر دولي ولو عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة ساسة وحقوقيين وإعلاميين
ومؤثرين، وعقد مؤتمرات وورش عمل في كل مناطق تجمعات المصريين في الخارج، وتنظيم
وقفات أمام المؤسسات الأممية، ووسائل الإعلام الدولية الكبرى، وإيصال صوت
المعتقلين لها، وتأسيس صندوق لدعم قضيتهم، بتبرعات فردية مهما كانت صغيرة، حتى يجد
الجميع أمامهم فرصة لعمل إيجابي تجاه المعتقلين.. إلخ.
x.com/kotbelaraby