أثار بيان صدر عن "الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين
الدروز" في
سوريا، الخميس، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والاجتماعية، بعد مطالبة أحد مشايخ الطائفة الدرزية، حكمت
الهجري، بـ"فتح ممر إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الكردية (
قسد)".
وأرى مراقبون في هذه الدعوة تماهيا مع مشاريع تقسيم سوريا وتقاطعا مع الأجندات الانفصالية التي تتبنّاها جماعات مدعومة من واشنطن و"تل أبيب".
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب البيان المنشور على صفحة "الرئاسة الروحية" في "فيسبوك"، طالب الهجري أيضا ملك الأردن عبد الله الثاني بفتح معبر حدودي بين السويداء والمملكة الأردنية، ما اعتُبر تجاوزا للمؤسسات الرسمية السورية، وإشارة واضحة إلى رغبة في خلق مسارات تواصل خارجة عن سلطة الدولة المركزية.
طلبات مثيرة للريبة
البيان الصادر عن الهجري جاء في وقت بالغ الحساسية، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين جماعات مسلحة درزية وبدوية في محافظة السويداء، ما استدعى تدخلا عسكريا من الجيش السوري لاستعادة الأمن وفرض النظام، إثر سقوط عشرات القتلى والجرحى في موجة عنف نادرة جنوب البلاد.
وتزامن طلب الهجري مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، حيث شنّ سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 160 غارة جوية خلال الساعات الماضية، استهدفت مواقع في السويداء ودرعا ودمشق وريفها، ما أسفر عن مقتل 3 مدنيين وإصابة 34 آخرين، وفق وزارة الصحة السورية.
وربط محللون بين تصريحات الهجري والتصعيد الإسرائيلي الأخير، مشيرين إلى أن "تل أبيب" لطالما استغلت ذريعة "حماية الأقليات"، وخصوصا الطائفة الدرزية، لتبرير تدخلاتها العسكرية ومشاريعها التفتيتية في الجنوب السوري، بهدف فرض منطقة عازلة على غرار نموذج جنوب لبنان في ثمانينيات القرن الماضي.
انقسام داخل القيادة الروحية للطائفة
ورغم أن "الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز" تُعد المرجعية الدينية العليا للطائفة في سوريا، فإن المشهد الديني والاجتماعي للطائفة يشهد تعددا في الزعامات، حيث يتقاسم المرجعية كل من حكمت الهجري، وحمود الحناوي، ويوسف جربوع، ولكل منهم مواقف قد تتباين إزاء التطورات السياسية والميدانية.
وفي الوقت الذي خرج فيه الهجري بتصريحات لافتة تطالب بفتح ممر إلى مناطق "قسد"، كان زعماء آخرون للطائفة الدرزية قد أكدوا سابقا تمسكهم بوحدة سوريا ورفضهم أي تدخل خارجي، حيث أصدروا بيانا مشتركا شددوا فيه على رفض مشاريع التقسيم، والدعوة إلى المصالحة الوطنية تحت مظلة الدولة السورية.
اظهار أخبار متعلقة
تقارب مريب مع "قسد" والجهات الانفصالية
وتزامنت تصريحات الهجري مع مؤشرات ميدانية مقلقة، حيث نظم تنظيم "بي كي كي/واي بي جي" (الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا في تركيا) مظاهرة داعمة للجماعات المسلحة التي اشتبكت مع الجيش السوري في السويداء، كما يستعد لإرسال شحنة مساعدات إلى المحافظة تحت غطاء إنساني، وفق تقارير محلية.
وبالتوازي، عزز التنظيم وجوده في منطقة دير حافر شرقي حلب، بالتزامن مع انشغال الجيش السوري بمواجهة المجموعات المسلحة في الجنوب.
من هو حكمت الهجري؟
يُعد حكمت الهجري أحد المرجعيات الدينية والاجتماعية لطائفة الموحدين الدروز في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والغربي لمحافظة السويداء. وتولى منصبه الديني عام 2012 عقب وفاة شقيقه، وارتبط اسمه طيلة سنوات الحرب السورية بتأييد نظام المخلوع بشار الأسد، قبل أن تتغير مواقفه تدريجيا بعد تعرضه لـ"إهانة" من قبل ضابط في الجيش، بحسب روايات محلية.
ومع سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024، اتسمت مواقف الهجري بالتذبذب والضبابية، إذ لم يعلن بشكل صريح دعمه للإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد
الشرع، كما عرف عنه نداءاته المتكررة بالتدخل الأجنبي في سوريا.
"قسد" بوابة الاحتلال.. وممر "داود" الإسرائيلي
ويرى محللون أن طلب الهجري بفتح ممر إلى مناطق "قسد" يتقاطع عمليا مع مشروع "ممر داود" الإسرائيلي، الذي تسعى "تل أبيب" إلى فرضه على الأرض، بربط مرتفعات الجولان جنوبا بشمال شرق سوريا عبر دير الزور، وصولا إلى الحدود التركية، ما يسمح لها بالتغلغل الجغرافي والعسكري والسياسي داخل العمق السوري.
وقد حذرت تركيا بشكل متكرر من هذا المشروع، واعتبره وزير الخارجية هاكان فيدان "تهديدا صريحا للأمن القومي التركي"، خاصة أنه يخلق واقعا جغرافيا يجعل الاحتلال الإسرائيلي جار مباشر لأنقرة، ويمنح "قسد" و"بي كي كي" موطئ قدم على طول الحدود السورية التركية.