مدخل:
في القرن الماضي نشأت حركتان، حركة كرد فعل على تلاشي الخلافة المتمثلة
بالسلطنة العثمانية اتخذت الأسلوب الدعوي في ظليّة ولا أقول سرية، كانت حركة سلمية
ومتفاعلة مع صوت الجمهور وحاجاتهم فبرعت في الخدمات وتقديمها للمجتمع بأقل
التكاليف أو بالمجان، فكانت تسد نقص الحكومات المتعاقبة وتداري فشل الحكومات
وضيقها، وربما اتضح هذا في مصر بعد القضاء على التنظيم بحيث لا تكون له عودة..
وحركة أخرى هي الشيوعية وكانت حركة عنيفة استطاعت السيطرة على مساحة واسعة من شمال
آسيا وأوروبا الشرقية. لكن الفرق بين الاشتراكية العلمية والإخوان المسلمين هو
الفرق بين الفكر الحضاري الإسلامي والشيوعية، فالفكرة الحضارية الإسلامية فكرة
اتخذت الأسلوب العلمي وسيلة لها، أي التجربة، أما قصة الشيوعية فمعروفة ومدروسة،
وهذا الفرق مهم لأن عنصر حياة تنظيم
الإخوان ينبوع لا ينضب لذا التعامل معه
بالاحتواء من خلال المشتركات وليس بمعاداة تكلف الأمة كثيرا وتشظيها، ليس فقط هذا
التنظيم وإنما أي تنظيم آخر، وسنوضح ذلك في السياق.
الإخوان المسلمون هم حركة فكرية قابلة للتوسع الفكري رغم انغلاق بعض
قياداتها التقليديين، لكن شبابها يدير المصالح وهو أهلا للثقة والشراكة بسبب الفكر
وقيمه التي لها عنده قيمة فلا يتزعزع بسهولة ويبقى ينظر إلى أصل الفكرة حتى يثبت للآخر
أن لا فائدة من التعامل معه، فهم رغم اختلافهم في معظم الأمور مع إيران مثلا إلا أنهم
لم يتخذوا موقفا عدائيا ضدها وهي التي عادتهم بكل مناطق الثورة، غير أن موقفهم
ضدها دوما يضعهم في الخندق المقابل الذي يرفضهم أصلا وبلا مواربة أو مجاملة بسيطة،
رغم أن لا وجود في نظرهم لأسباب تستدعي هذا الموقف لذا فلن يكونوا في خندق يرفضهم.
قد تستمر الجماعة، ولكن يجب أن تجدد أفكارها بل تجري عملية إعادة تنظيم ومراجعة؛ من نقطة الانطلاق وأسلوب طرح نفسها ووضع الخطاب بأدبيات جديدة، أي عمليا تشكيل تنظيم جديد يطرح فكر اليقظة
يمكن أن نلخص الوضع كما يلي:
- يبدو أن مستقبل جماعة الإخوان المسلمين غامض، مع
تحديات داخلية وخارجية كبيرة.
- الجماعة تواجه انقسامات ويأس في القيادة، مع ضغوط من الدول العربية والغرب.
- إيران ليست داعمة، رغم عدم وجود مواجهة مباشرة مع النظام الإيراني.
- قد تستمر الجماعة، ولكن يجب أن تجدد أفكارها بل تجري عملية إعادة تنظيم ومراجعة؛ من نقطة الانطلاق
وأسلوب طرح نفسها ووضع
الخطاب بأدبيات جديدة، أي عمليا تشكيل تنظيم جديد يطرح فكر
اليقظة، وربما إن كان برعاية دول الخليج عندها يمكن أن يؤسس أيضا للنهضة.
- التنظيم لم
يكُ مبادرا بالصدام مع الحكومات، وكان دخوله في تغيير الرئيس المصري كمن دُفع
لموقع لم يستعد له وكان يريد مفاوضة الرئاسة لآخر لحظة، حيث قلبت ما سميت بمعركة
الجمل الموازين. فقد كان تنظيما إصلاحيا وليس ثوريا، فإن حدد مجال عمله في الدولة
فهو سيكون مفيدا في دعم الدولة والشعب، والتنسيق المباشر مع السلطات من أجل نهضة
الأمة وحمايتها من الانحرافات بعيدا عن الهوية.
-
بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، الذي كان عضوا في الجماعة، في تموز/ يوليو
2013، دخلت جماعة الإخوان المسلمين في أزمة عميقة. تم حل الجماعة رسميا، واعتقل
العديد من قياداتها، ووجهت إليها اتهامات بالإرهاب.
- وفقا
لتقرير نشرته بي بي سي عربي في تموز/ يوليو 2021، لا تزال الجماعة تبحث عن مستقبل
لها ومكان آمن لممارسة أنشطتها، وسط أحكام قضائية نهائية بإعدام بعض قياداتها في
مصر، وقرب تفعيل قانون يجيز فصل أعضائها من المؤسسات الحكومية، وهذا خطأ لا يسير
في طريق الاحتواء الإيجابي والاستقرار، فالمعالجات بالأسلوب الأمني الأعمى تنخر
المجتمع بنخر عناصر استقراره بشكل غير منظور، كالسوس في الخشب المصبوغ، كما أن
الجماعة واجهت انقسامات داخلية، مما أضعف قدراتها التنظيمية، وفقا لتقرير مركز
واشنطن للدراسات الشرق أوسطية في حزيران/ يونيو 2023. وهذه قد تبدو مؤشرات إيجابية
لمن ينظر بسطحية إلى الإخوان المسلمين، فالتنظيم يوجه طاقات جارفة في عملٍ إيجابيٍّ
لكنه الآن كالبيت الآيل للسقوط، ولا بد من مساعدة سكانه للانتقال إلى بيت آخر
يجعلهم مستقرين.
التحديات
الداخلية
يواجه تنظيم الإخوان المسلمين تحديات جمة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ومع ذلك، بالرغم من هذه التحديات، لا يمكن استبعاد إمكانية استمرار الجماعة أو حتى عودتها إلى الساحة السياسية، خاصة مع وجود قاعدة شعبية كبيرة لها. سيكون مستقبل الجماعة مرهونا بقدرتها على التكيف مع التغييرات السياسية والاجتماعية في المنطقة، والتجديد في أفكارها وأساليب عملها
داخليا، تواجه
الجماعة تحديات كبيرة، بما في ذلك يأس القيادة من الحصول على دعم غربي أو دمجهم في
مشاريع فاعلة في المنطقة. هذا اليأس يعزز من الانقسامات السلبية والتوجهات
المتكونة برد الفعل، حيث يبدو أن الجماعة تفتقر إلى استراتيجية موحدة لمواجهة
الضغوط. على سبيل المثال، وفقا لتقرير قنطرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، فشلت في
احتواء الانقلاب (سلميتنا أقوى من الرصاص) من المؤسسة العسكرية في مصر، فهي عمليا
كانت متوجة بإكليل الشوك بلا سلطة ولم تنشئ قوة موازية إيمانا منها بالجيش والدولة
وخطورة اللادولة حتى لو كانت بسلطتها، لكن الفشل صعّب بداية سياسية جديدة للجماعة
في السياق الجيوسياسي، فهي تواجه معارضة قوية من الدول العربية الرئيسة، مثل مصر
والسعودية، التي تعتبرها تهديدا للاستقرار. كما أن الدعم الغربي، الذي كان يراهن
عليه البعض، قد تراجع، خاصة بعد اتهامات مثل تلك التي أطلقها ديك تشيني في 2014،
حيث وصف الجماعة بأنها المصدر الأيديولوجي للإرهاب. أما بالنسبة لإيران، فإن الموقف
سلبي رغم أن أدبيات قديمة تجعل القيادات التقليدية داعمة لإيران عند الخطر، لكن لا
توجد علاقة مباشرة مع النظام الإيراني، مما يعزز من عزلتها الإقليمية وانفصالها عن
بيئتها.
التوقعات
المستقبلية
يواجه تنظيم
الإخوان المسلمين تحديات جمة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ومع ذلك،
بالرغم من هذه التحديات، لا يمكن استبعاد إمكانية استمرار الجماعة أو حتى عودتها
إلى الساحة السياسية، خاصة مع وجود قاعدة شعبية كبيرة لها. سيكون مستقبل الجماعة
مرهونا بقدرتها على التكيف مع التغييرات السياسية والاجتماعية في المنطقة،
والتجديد في أفكارها وأساليب عملها. فعودتها بشكل مدروس، والتجديد في الخطاب
والرؤية، وتفاعلها مع الحاضر بثوب الحاضر، وتقليص فجوة العداء التقليدي بين الغرب
والتوجهات الإسلامية؛ التي تتوجه أيديولوجيا لتقود مدنية حديثة تتفاعل مع النظم
لتقوية الأمة وتكون كعنصر الربط الشعبي المشجع للحكومات للعمل معا بدل الغضب
والتناحر.. كل ذلك يمكن أن يؤدي لنجاح البرامج في الدولة الحديثة، بالقانون
والنظام.