اقتصاد عربي

سباق بيع محموم لأراض يطوق للقاهرة.. وتساؤلات عن المشترين ومصير العوائد؟

العديد من المناطق تذهب لمستثمرين خليجيين- الأناضول
العديد من المناطق تذهب لمستثمرين خليجيين- الأناضول
تواصل الحكومة المصرية طرح مساحات واسعة من الأراضي في مناطق هامة واستراتيجية في محيط القاهرة على مستثمرين محليين وخليجيين، إما بالتخصيص أو البيع أو بمنح عقود امتياز، بعقود مثيرة للجدل، دفعت مراقبين للتساؤل حول هوية المشترين ومصير عوائد البيع، والخيارات البديلة الأخرى.

خبران هما الأحدث في هذا الإطار، ويشيران إلى استمرار التوجه الحكومي بهدف زيادة حصيلة الحكومة الدولارية كخطوة لحل أزماتها التمويلية، وسداد خدمة الديون الخارجية، وترقيع عجز الموازنة، رغم أن البيع يطال مساحات من الأراضي قد تمس بعضها الأمن القومي.

"شرق وغرب القاهرة"

والخميس الماضي، وعلى بعد نحو 32 كيلومترا من العاصمة، جرى الإعلان عن عزم الحكومة المصرية طرح 11 ألف فدان من أراضي مدينة "6 أكتوبر" لمستثمرين خليجيين ومحليين لإقامة مشروعات عمرانية وخدمية وتجارية وترفيهية، فيما خصصت وزارة الإسكان نحو 8 مليارات جنيه للبنية التحتية لتصبح جاهزة لبيعها للمستثمرين.

وبعد حوالي 50 كيلومترا من العاصمة المصرية؛ أعلنت شركة العاصمة الإدارية طرح مساحات من الأراضي الجديدة للبيع في يوليو/ تموز المقبل، بمساحة 40 ألف فدان في المرحلة الثانية من المدينة الجديدة.

التوجه الحكومي ببدء بيع الأراضي بالمرحلة الثانية من العاصمة الجديدة –مملوكة بنسبة 51 بالمئة للجيش و49 بالمئة لهيئة حكومية- يأتي في ظل ديون متراكمة عليها تزيد على 40 مليار دولار للشركات المنفذة لمشروعاتها، وفق ما نقله الكاتب الاقتصادي عادل صبري.

رئيس شركة العاصمة الإدارية للتنمية الإدارية خالد عباس، كان قد أعلن عن استعدادات لتنفيذ المرحلة الثانية من العاصمة، بعد الانتهاء من إعداد خطتها، مشيرا إلى أن طرح الأراضي كخطوة تمهيدية لتسويق هذه المرحلة، وجذب مستثمرين جدد يشاركون في بنائها.

وفي المرحلة الأولى من العاصمة الجديدة توجد منطقة إماراتية بمساحة 500 فدان يتم تسليمها بالنصف الثاني من العام الجاري، بجانب منطقة تركية بمساحة 2000 فدان.

"5 صفقات في شهر"

تلك الأبناء تأتي بعد أخبار مماثلة عن 3 صفقات بيع أراضي مصرية جرت خلال الشهر الجاري الذي سجل الإعلان عن 5 صفقات هائلة في شهر واحد.

ففي غرب مصر، تجري قطر محادثات لاستثمار 3.5 مليار دولار في مشروع سياحي على ساحل البحر المتوسط في مصر، وفق ما جرى الإعلان عنه في 19 حزيران/ يونيو الجاري، بأن الصفقة التي تشمل تطوير أراض في واحدة من أبرز مناطق العطلات في مصر قد تُوقع قبل نهاية العام.

وفي شرق البلاد، أصدر رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، مرسوما في 11 حزيران/ يونيو الجاري، بتخصيص 174.4 كيلومترمربع من أراضي الدولة على ساحل البحر الأحمر بمنطقة (رأس شقير) الاستراتيجية لصالح وزارة المالية، لتُستخدم كضمان لإصدار صكوك سيادية إسلامية.

وفي غرب القاهرة، وقع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مطلع الشهر الجاري، عقد إطلاق مدينة "جريان" كأول مدينة على ضفاف الفرع الجديد لنهر النيل عبر تحالف استراتيجي بين الدولة والجيش، و3 شركات رائدة بمجال التطوير العقاري.

وهي الصفقات التي تجري تكرارا لصفقة "رأس الحكمة" في شباط/ فبراير 2024، مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار، بالساحل الشمالي الغربي للبلاد في مساحة 170.8 مليون متر مربع، والتي تزيد 3 أضعاف عن مساحة جزيرة مانهاتن، وسط نيويورك.

وذلك إلى جانب ما يجري من عمليات طرح لأصول ومقرات الوزارات والهيئات الحكومية وسط القاهرة والتي انتقلت إداراتها إلى العاصمة الإدارية، وهي المشروعات التي يعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي من آن إلى آخر أنه يتلقى تعليمات من السيسي، بمتابعة ما وصلت إليه.

وأعرب رجال أعمال وصناديق خليجية عن رغبتهم مرارا في الاستحواذ على أماكن تراثية وتاريخية من وسط القاهرة، وعن توجههم لتطوير المقرات الحكومية وتحويلها إلى فنادق ومناطق تسوق عالمية.

وفي شباط/ فبراير الماضي، صرح مؤسس شركة "إعمار العقارية" الإماراتي محمد العبار، برغبته في تحويل منطقة وسط القاهرة الأثرية والتراثية إلى منطقة مماثلة لمنطقة "داون تاون دبي".

"عربي21"، تحدثت إلى خبيرين اقتصاديين حول أسباب الإصرار الحكومي على خيار بيع الأراضي والممتلكات العامة، وعن غياب حلول أخرى عن فكر وسياسات وقرار الحكومة، توقعاتهم حول من تباع له تلك الأصول، ومخاطر البيع، ومصير العوائد.

"توجه يخالف كل الاقتصاديين"

وفي رؤيته قال الخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي، إن "التوجه الحكومي بالتركيز على نشاط بيع الأراضي والنشاط العقاري والسياحي ضد إتجاه كل الاقتصاديين أيا كانت توجهاتهم الأيديولوجية؛ لأنه في الحقيقة يجعل مصر بعيدة عن نقطة الاهتمام الرئيسة بأن يكون لها إنتاج ذاتي يحقق الاكتفاء النسبي وليس الاكتفاء الذاتي الكامل بمجالات الغذاء والتصنيع والتكنولوجيا".

الصاوي، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وبالتالي كل هذه الاجتهادات التي تذهب إليها الحكومة إجتهادات عائدها ضعيف جدا؛ لأن القيمة المضافة لهذه الأنشطة محدودة، حتى لو ادعى البعض أن النشاط العقاري والتشييد والإسكان ترتبط بقرابة 100 نشاط اقتصادي آخر يسقط هذا الإدعاء في الحالة المصرية، لأننا نعتمد بشكل كبير على الاستيراد".

وضرب مثلا بـ"حالة العاصمة الجديدة ومنها البرج الأيقوني وكافة المنشآت الأخرى"، مبينا أنها "اعتمدت على الاستيراد بنسبة كبيرة لمكوناتها من بيوت الخبرة الدولية للتصميم وللتنفيذ، وبالتالي عائد هذه الأنشطة لا يصب كاملا في مصلحة ميزان المدفوعات المصري ولا يدعم مطالب الاكتفاء الذاتي".

اظهار أخبار متعلقة



وأشار إلى أن "تقرير التنمية الصادر عن معهد التخطيط القومي ومنظمة الاسكوا –بها 21 دولة عربية- في أيار/ مايو الماضي، يعري تجربة التنمية في مصر تماما، ويؤكد أنها لم تختلف عن تجارب التنمية في عهد حسني مبارك التي امتدت إلى 3 عقود".

ولفت إلى أن التقرير تحدث عن مؤشر زيادة الدخل في مصر، وقال: رغم أن هناك زيادة في الدخول لكنها لم تحد من الفقر بالبلاد، بل إنها على العكس في الوقت الذي زادت فيه الدخول وصلت معدلات الفقر 34 بالمئة، وهو معدل مخيف، وهذا فيما يتعلق بالفقراء؛ فما بالك بالمعرضين للفقر، فنجد أن النسبة إلى ارتفاع كبير".

"حصيلة البيع إلى بالوعة الديون"

ويعتقد الخبير المصري أن "الأولى بالحكومة أن تخرج من السير في الاتجاه الخطأ، وتتجه إلى السير في الاتجاه الذي به بعض التحديات والجهد، وهو بناء قاعدة إنتاجية لمصر في قطاع الزراعة، والصناعة، وبناء قاعدة تكنولوجية صحيحة، تعتمد على توطين التكنولوجيا عبر منظومة التعليم، ومراكز البحوث، ومن المصريين في الخارج".

وحول ما يتعلق بحصيلة البيع ومن المستفيد منها، قال الصاوي: "حتى لو كانت هذه الأموال متجهة إلى الموازنة العامة للدولة فنلاحظ أنها تعاني من عجز شديد جدا، وبلاعة فوائد الديون تأتي على كل عوائد تأتي إلى الموازنة".

وأضاف: "رأينا التجربة الماضية (في عهد مبارك) وأن عائد الخصخصة للأسف تم توجيهها بشكل سيء جدا، جزء منها إلى برنامج مستحقات العاملين في المعاش المبكر، وجزء لسداد ديون الشركات المبيعة، وجزء لسداد عجز الموازنة العامة للدولة".

وخلص للقول: "ومن هنا نشير إلى نقطة مهمة تتلق بالشفافية"، مؤكدا أن "الوضع الحالي لا يتسم بالشفافية فيما يتعلق بتصرفات الحكومة وعوائدها وطرق إنفاقها".

"لهذا يجري البيع"

وفي إجابته على السؤال: لماذا الإصرار الحكومي على البيع؟، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب: "في اعتقادي أنه ليس إصرارا ولكنه تفضيل البيع؛ فمصر لديها ديون حوالي 155 مليار دولار، ولديها التزامات تجاه الشركات الأجنبية العاملة بمجال الحفر والتنقيب واستخراج البترول والغاز".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "والأسوأ هو حلول آجال استحقاق ودائع السعودية والإمارات الدولارية بالبنك المركزي المصري"، موضحا أنه "في ظل هذه الظروف كانت الحكومة مضطرة إما إلى دفع هذه الإلتزامات عبر السداد أو إيجاد طرق سداد أخرى بالجدولة أو غيرها".

ولفت إلى أنه "من هنا ظهرت رغبتان متقاربتان للرياض وأبوظبي في الاستثمار بشكل مباشر في القطاع العقاري ببعض قطع الأراضي المميزة على البحرين المتوسط والأحمر أو بعض المناطق المميزة الأخرى؛ وهنا فضلت الحكومة بيع جزء من الأراضي هي تراه في شكل استثمار يخفف عنها أعباء الدين الخارجي خاصة مديونية الدول العربية وودائعها"

"عوائد المشروعات إلى من؟"

وعن المخاطر المحتملة للبيع، قال: "أنا ضد أن يكون هناك مخاطر لهذا الأمر، وبغض النظر عن وجود تخوفات وهي تخوفات مشروعة، لكن في النهاية يتم استثمار هذه الأراضي في البناء، وتوسعة المساحة المأهولة من السكان، وزيادة حركة رأس المال، بغض النظر عن شكل الاستثمار الموجود لكنه في النهاية يحرك جزءا من الاستثمار في البلاد".

وأضاف: "ربما المخاوف في أين ستذهب عوائد هذه المشروعات؟، وهنا لا أتكلم عن الأموال التي أخذتها مصر نتيجة بيع هذه الأراضي، لكن عن عوائد المشروعات التي ستقام بهذه الأراضي، أين ستذهب؟، وهذا السؤال المهم في اعتقادي".

وأشار إلى أنه "إزاء توترات إقليم الشرق الأوسط ومخاوف الخليجيين من حدوث أزمات واضرابات، قامت كازاخستان وأذربيجان وتركيا ببناء مساحات كبيرة من المساكن والعقارات، وحاولت مصر تقليد هذا النهج وسط آمال بأن يتم تسويق جزء كبير من الوحدات العقارية للخليجيين مقابل الحصول على الجنسية".

لكنه أوضح أن "العرب فضلوا تركيا إلى حد كبير"، ملمحا إلى أنه "في ظل هذا الوضع يظل العميل المستهدف هم المصريين العاملين بالخارج لأن من في الداخل يصعب شراؤهم لتلك الوحدات، اللهم إلا أن تكون هناك ترتيبات لـ(صفقة القرن) والبيع للفلسطينيين".

ويعتقد أن "التخوف المالي الوحيد في وجهة نظري لو بيعت تلك الوحدات للمصريين فهنا تبدو المخاوف من حرمان مصر من جزء من النفقات النقدية حيث يضيع عرق المصريين في الخارج في شراء هذه الوحدات التي تحصل على عوائدها شركات أجنبية تعيد ضخها في الاقتصاديات الأجنبية ولا يستفيد منها الاقتصاد المصري".

"الأزمة الأكبر والحل السريع"

وفي إجابته على السؤال: هل الأزمة الأكبر في حجم الديون وخدمتها أم في مصروفات الحكومة وإصرارها على استكمال مشروعات غير إنتاجية، أم في استمرار سياسات ثبت فشلها طيلة سنوات؟، يرى الخبير المصري أن "الأزمة الأكبر في حجم الديون".

وأشار إلى "عدم قدرة الحكومة على الوفاء بسداد الأقساط والفوائد، وأن مصر لا تملك ما يكفي لسداد تلك الالتزامات ولا تستطيع توفير تمويل متطلبات التنمية".

وبين أنها "من هنا تحاول الحصول على تدفقات دولارية؛ إما في شكل الاستثمار الأجنبي المباشر، وإما في شكل استثمار أجنبي غير مباشر بأدوات الدين (الأموال الساخنة) أو في الصفقات التي نتحدث عنها بتخصيص أو بيع الأراضي أو منح عقود امتياز، وهي مصادر مهمة للدخل بالعملات الصعبة".

وألمح إلى أن "حرب إسرائيل وإيران -مدة 11 يوما الشهر الجاري-، أعادت مخاوف مصر من تفجر أزمة الغاز في الصيف الحالي، والعودة لتخفيف الأحمال، وإلغاء المزايا السعرية الممنوحة لقطاع الصناعة بخصوص الطاقة، وعدم توفر الغاز بشكل دائم لمصانع الأسمدة والأسمنت وغيرها".

وأوضح أن "هذا الوضع اضطر الحكومة لدفع جزءا من المتأخرات إلى الشركات الأجنبية العاملة بمجال الغاز في مصر وبمجرد دفع جزء من هذه المتأخرات قيل إن ضخ الغاز زاد حوالي 280 مليون قدم مكعب بشكل يومي".

اظهار أخبار متعلقة



وأكد أنه "مع ذلك تظل المشكلة في سداد كامل مستحقات الشركات المستخرجة للغاز، وتوفير تمويل يدعم خطط التنمية؛ وأنه لذلك الحكومة وجدت نفسها في الحل الأسهل وأن لديها أراضي كثيرة وسواحل على البحرين مهما باعت منها لن تتأثر".

وفي نهاية حديثه يعتقد عبدالمطلب، أن "مسألة إقامة مشروعات إنتاجية بدلا من المشروعات غير الإنتاجية من عوائد البيع تتطلب أن يكون لديك خطط للتنمية وهي تحتاج لإرادة ونوع من أنواع الاستقرار السياسي الكامل، ونوع من أنواع الديمقراطية الحقيقة الذي يساعد على الناس تحمل تكلفة الإعمار وتكلفة البناء والتنمية".

وختم بالقول: "هناك حالة من عدم اليقين تسود الاقتصاد المصري، ومن هنا يكون صعب على أي مستثمر حقيقي أن يضع أمواله في استثمارات طويلة الأجل،  مزارع أو مصانع، ومن هنا الدولة تبحث عن الحلول السريعة مثل تنمية الموارد الدولارية ببيع بعض الأراضي وبعض الأصول".

"عودة النهب"

تلك الأنباء أثارت جدلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي المصري، حيث انتقد السياسي مجدي حمدان، تجاوز ديون العاصمة الإدارية الجديدة 42 مليار دولار، وما يثار عن أنها في الطريق لانهيار مالي، واضطرار الحكومة إلى بيع أراضي جديدة بالعاصمة.

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، ألمح إلى تصريحات سابقة لرئيس الوزراء المصري، قال فيها، إن تمويل العاصمة الجديدة ليس من أموال الدولة وأرباحها تجاوزت 20 مليار جنيه.


وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، اعتبر الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب، استمرار بيع الأراضي "عودة للنهب المشترك والمنظم"، وفق قوله.

التعليقات (0)