"بطل الأرقام" يرفض الصمت و"يكرم" أطفال غزة (بورتريه)

من القلائل الذين نجحوا كمدربين ولاعبين ويطلق عليه الإعلام ومحبيه لقب "فيلسوف" كرة القدم.

كان لاعب كرة قدم في مركز الوسط الدفاعي، وقضى فترته الاحترافية في نادي برشلونة، حيث كان جزءا من"فريق أحلام" يوهان كرويف الذي استطاع تحقيق أول كأس أوروبية.

اكتسب سمعة عالمية في كرة القدم كمبتكر ومطور لها، وكسيد الخطط والتخطيط في اللعبة.
ساهم في تطوير كرة القدم عندما أصبح مدربا بعد أن أدخل أفكاره في طريقة التحول بين الدفاع والهجوم وتنظيم الهجمات المرتدة وطرق اللعب التي ابتكرها.

ولد جوسيب "بيب" غوارديولا سالا، في عام 1971 ببلدية "سانتبيدور" إحدى بلديات مقاطعة برشلونة، والتي تقع في منطقة كاتالونيا، شرق إسبانيا.

انضم إلى أكاديمية الشباب في نادي برشلونة في سن 13 عاما وصعد عبر مستويات نظام برشلونة للناشئين لمدة ست سنوات.

بدأ اللاعب والمدرب الهولندي، يوهان كرويف، في الاعتماد على غوارديولا كلاعب وسط ميدان دفاعي محوري، وفي موسم 1991-1992 أصبح لاعبا أساسيا في الفريق الأول الذي فاز بالدوري الإسباني وكأس أوروبا.

اظهار أخبار متعلقة

حافظ برشلونة على لقب "الليغا" في المواسم الثلاث اللاحقة بعد تعزيز الفريق باللاعب روماريو. وصل الفريق إلى نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1994 لكنه خسر أمام ميلان الإيطالي.

وفاز غوارديولا مع برشلونة مرة  أخرى في الدوري بوجود ريفالدو ولويس فيغو. وفي عام 1998 خضع غوارديولا لعملية جراحية حيث كان يعاني من ربلة ساقه (بطة الرجل أو العضلة الخلفية الموجودة في الساق) مما أدى إلى غيابه عن كأس العالم لكرة القدم عام 1998، كما تعرض لإصابة خطيرة في الكاحل.

في عام 2001 أعلن قائد برشلونة عن نيته ترك النادي بعد 17 عاما من الخدمة، وذكر أنه قرار شخصي.

غادر غوارديولا، برشلونة بعد أن لعب 479 مباراة في 12 موسما قضاهم مع الفريق الأول، وفاز بـ16 بطولة، وفي المؤتمر الصحفي بعد أخر مباراة له قال: " لم آتي لكي أصنع التاريخ لكن لكي أصنع تاريخي "، وأطلق عليه لقب "بطل الأرقام" في برشلونة بوجود تشافي هرنانديز، أندرياس أنيستا وسيسك فابريغاس، وكان غوارديولا قدوة وبطلا لمن عاصروه من لاعبين.

بعد مغادرته برشلونة في عام 2001 أنضم إلى الدوري الإيطالي ضمن صفوف نادي " بريشيا" وبعدها نادي "روما"، ولم يقدم الكثير في الدوري الإيطالي.

فاختار في عام 2003 اللعب في قطر مع نادي "الأهلي" وأصبح شخصية منتظمة في دوري نجوم قطر، ورفض عددا من العروض من الأندية الأوروبية، مثل "مانشستر يونايتد" و"مانشستر سيتي" و"تشيلسي" لأنه كان يرى أن مشواره كلاعب وصل إلى نهايته.

لكنه على نحو مفاجئ لعب لفترة قصيرة مع نادي "دورادوس دي سينالو" في المكسيك.

بعد تقاعده كلاعب، أصبح غوارديولا مدربا لنادي برشلونة لفريق الاحتياط وفي منتصف عام 2008 أثبت قدراته في أن يحل مكان فرانك ريكارد كمدير للفريق، وفي أول موسم له كمدير، فاز برشلونة بثلاث بطولات: الدوري الإسباني، كأس ملك إسبانيا، ودوري أبطال أوروبا.

وأصبح بيب غوارديولا أصغر مدرب يفوز بدوري أبطال أوروبا، وفي الموسم التالي فاز مع برشلونة بكأس السوبر الإسباني وكأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية ليصل رصيده إلى 6 ألقاب في 6 مسابقات في عام واحد فقط.

وكمدرب، فاز بـ14 لقبا في السنوات الأربع الأولى من حياته المهنية، وبهذا يعد من المدربين الأكثر نجاحا في العالم.

وفي عام 2012 استقال غوارديولا من منصبه في النادي الكتالوني ، وانتقل إلى نادي "بايرن ميونخ" ليشرف على النادي بعد مغادرة يوب هاينكس.

 قضى بيب مع النادي البافاري "بايرن ميونخ" 3 مواسم حقق خلالها 3 ألقاب في الدوري الألماني، وكأس ألمانيا مرتين، وكأس السوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية لكرة القدم 2013، وأصبح مجموع ما حققه مع "بايرن ميونخ" 7 ألقابا.

اظهار أخبار متعلقة

ومن ألمانيا حمل حقيبته إلى بريطانيا في عام 2016 مدربا لنادي "مانشستر سيتي" خلفا للمدرب مانويل بلغريني، واستطاع في موسمه الأول تحقيق لقب الدوري الإنجليزي (البريمرليغ) وكأس الرابطة الإنجليزية. وفي الموسم التالي مع "السيتي" فاز بجميع الألقاب المحلية الثلاثة (الدوري الممتاز وكأس الرابطة المحترفة وكأس الاتحاد الإنجليزي).

وفاز منذ ذلك الحين بستة ألقاب في الدوري الإنجليزي الممتاز، مسجلا بذلك المرة الأولى في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز التي يفعل فيها فريق ذلك. و قاد " السيتي" إلى نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة، وأول لقب في دوري أبطال أوروبا كجزء من ثلاثيته القارية الثانية في 2022-2023.

وفي أخر موسم له مع "مانشستر سيتي" خرج من دور الـ16 في دوري أبطال أوروبا أمام ريال مدريد، وأنهى الدوري الإنجليزي الممتاز في المركز الثالث، بفارق 13 نقطة عن البطل ليفربول.

واعترف غوارديولا بأن هذه النتائج "أثّرت عليه نفسيا".

دوليا لعب غوارديولا مباراته الأولى مع منتخب أسبانيا في عام 1992 وكان لاعب خط وسط مايسترو منتظم، وشارك مع منتخب أسبانيا في كأس العالم 1994 حيث وصل إلى الدور الربع النهائي. وغاب عن يورو 1996 بعد أن تعرض لإصابة أدت إلى غيابه أيضا عن كأس العالم 1998 لكنه في وقت لاحق لعب في يورو 2000 عندما قاد أسبانيا لربع نهائي.

ووصل مجموع مبارياته مع منتخب بلاده إلى 47 مباراة وسجل 5 أهداف، كلاعب خط وسط.
ولم يطغى الجانب الرياضي بشكل كامل على شخصية وحياة غوارديولا فقد أطلق عدة تصريحات سياسية تتعلق باسبانيا وأوكرانيا وفلسطين.

وتمسك بمواقفه رغم ما تعرض له من انتقادات فقد تعرض لهجوم إسرائيلي متغطرس وفوقي بعد حديثه عن معاناة أطفال قطاع غزة واعتباره أن "ما نشاهده في غزة أمر مؤلم للغاية".

وكان غوارديولا ألقى خطابا تاريخيا خلال حفل أقيم بجامعة مانشستر بعد منحه درجة الدكتوراه الفخرية تكريما لما قدمه لمدينة مانشستر منذ عام 2016 سواء داخل الملعب أو خارجه.

وقال: "ما نشاهده في غزة أمر مؤلم للغاية، هذا يؤلم جسدي..نشاهد وفاة الآلاف من الأبرياء والأطفال ومعاناة الآلاف من العائلات بسبب أحداث العنف".

وأضاف "ربما يعتقد البعض أنه ليس من شأننا أن نشاهد قتل أطفال أعمارهم 4 أو 5 أعوام بسبب قنبلة بينما لا يوجد مستشفى من الأساس لعلاج المصابين، أقول لهؤلاء فكروا كما تريدون، ولكن أنت القادم..طفلك سيكون الضحية القادمة".

وتابع "قد نختار أن نغض الطرف، ونقول إن الأمر ليس شأننا. لكن احذروا، في المرة القادمة قد يصل الأمر إلينا، وسيكون الأطفال في الرابعة والخامسة، أطفالنا.أنا آسف، لكن عندما أرى أطفالي: ماريا، وماريوس، وفالنتينا، عندما أراهم كل صباح، منذ أن بدأ هذا الكابوس الذي يعيشه أطفال غزة، أشعر بخوف شديد".

واستطرد "مرعوب للغاية بما يحصل في غزة، الناس تقول إننا نعيش في مكان بعيد، لكن الأمر لا يتعلق بالأيديولوجيا بل بالإنسانية".

اظهار أخبار متعلقة

واكتفت المواقع الرياضية المتخصصة الغربية على وسائل التواصل الاجتماعي، كما هو متوقع منها  كشريك في الإبادة، بذكر خبر تكريمه ومنحه الدكتوراه الفخرية، دون التطرق إلى حديثه عن غزة.

وسبق أن علق غوارديولا بشكل عام على الأوضاع العالمية، حين قال العام الماضي، خلال مؤتمر صحافي ردا على أحد المراسلين: "انظر من حولك، العالم مليء بالظلم، ونحن نجلس هنا لا نفعل شيئا".

ولا يخفي بيب في العادة مواقفه السياسية، فقد شارك في المظاهرات التي دعمت المطالبات باستقلال إقليم كاتالونيا، موطنه الأول بالانفصال عن إسبانيا.

وفرض الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم غرامة عليه بقيمة 20 ألف جنيه استرليني، بعد ارتدائه شارة صفراء للتضامن مع المساجين السياسيين في كاتالونيا، وذلك بعد تحذيره عند قيامه بذلك في المرة الأولى.

وكانت ابنته ماريا قد لفتت الانتباه بدءا من منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2024 عبر تدويناتها ومشاركتها لمنشورات تدعم غزة وتدين الحرب. ولبسها للكوفية الفلسطينية.

وفي تفاصيل مواقفه مما يجري في قطاع غزة  كان بيب صاحب مبدأ، يرفض الصمت وقت الحاجة إلى رفع صوته.

هو الآن يأخذ قسطا من الراحة بعد أسوأ موسم في مسيرته، ويستعد لشحن طاقته استعدادا لمونديال الأندية الذي سيبدأ يوم الأحد، ثم لموسم جديد في "البريمرليغ" بعد تعزيز صفوفه بصفقات قوية.