كتاب عربي 21

خسائر غير مسبوقة لإسرائيل

محمد عايش
(الموقع الرسمي لجيش الاحتلال)
(الموقع الرسمي لجيش الاحتلال)
ما خسرته إسرائيل في حربها الحالية على غزة لم يسبق لها أن تكبدته من قبل، لا في حروبها ضد الدول العربية ولا في غير ذلك من الأزمات التي مرت عليها، وهو ما دفع محللاً استراتيجياً وكاتباً صحافياً بارزاً في تل أبيب إلى إطلاق السؤال الكبير: هل نحن باقون حتى العام 2040؟ أي هل يُمكن لنا -أي الإسرائيليون- الاستمرار في الصمود لـ15 عاماً مقبلة أم لا؟

أحاديث الزوال والانهيار في الأوساط الإسرائيلية ليست مسبوقة، وهي عبارة عن جدل ساخن وملتهب داخل النخب الإسرائيلية، والسبب في ذلك ليس "عُقدة العقد الثامن" التي يتحدث عنها الكثيرون وحسب، وإنما ثمة عوامل موضوعية كثيرة تدفع الإسرائيليين إلى هذا التساؤل وتشعل هذا الجدل بينهم.

أحدث صيحة تحذير بهذا الصدد صدرت عن الكاتب الإسرائيلي الشهير ورئيس تحرير جريدة "هآرتس" ألوف بن والذي شبَّه ما يحدث في إسرائيل اليوم بما حدث في الاتحاد السوفييتي قبيل انهياره، حيث كان السوفييت يغرقون شيئاً فشيئاً في "وحل أفغانستان"، وما إن خرجوا من هناك حتى انهارت دولتهم، مشيراً الى أن إسرائيل تغرق اليوم في "وحل غزة" ولا يبدو أن الخروج من ذلك الوحل سيكون سهلاً.

يشعر الإسرائيليون أنهم يخوضون في غزة الحرب الأكثر كلفة في تاريخهم، وهذا النوع من الحروب بالغة الخطورة لأنها عادة ما تنتهي بتغييرات جذرية، وهي تغييرات رغم أنه لا أحد يستطيع التنبؤ بها ولا توقع مضمونها إلا أنها تنتهي بأثمان باهظة وكثيراً ما تؤدي إلى تحولات كبيرة، وليس شرطاً أن تكون الغلبةُ فيها للطرف القوي عسكرياً، تماماً كما يبدو في مثال الاتحاد السوفييتي الذي انهار في مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما كان لديه من الأسلحة النووية ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية سبعة مرات!

في هذه الحرب دفع الإسرائيليون -وما زالوا- أثماناً باهظة، إذ لأول مرة يُصبح اثنين من الوزراء في الحكومة الإسرائيلية مدرجين على قوائم العقوبات للعديد من الدول الكبرى، وذلك بسبب تحريضهم على العنف والتطرف والإرهاب، وبموجب هذه العقوبات فقد قررت كل من بريطانيا والنرويج وكندا وأستراليا ونيوزيلندا فرض حظر للسفر على كل من سموتريتش وبن غفير، كما قررت بريطانيا تجميد أي أصول مالية أو ممتلكات عائدة لهذين الرجلين بسبب ضلوعهم في أعمال التحريض على العنف والإرهاب الذي يقوم به المستوطنون وبسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

التحركات الدولية لفرض هذه العقوبات تأتي بعد عشرين شهراً على مظاهرات شعبية لم تعهد لها هذه الدول مثيلاً من قبل تُندد بالعدوان الإسرائيلي، وتُطالب العالم بمعاقبة الاحتلال وردعه عن حرب الإبادة التي يرتكبها في قطاع غزة.

في هذه الأثناء تتقاطر قوافل كسر الحصار على غزة من كل حدبٍ وصوب؛ إذ لم يتوقف الأمر على سفينة "مادلين"، وإنما توسع الأمر أخيراً إلى قوافل برية ستتجه إلى الأراضي الفلسطينية من مختلف الجهات في تحرك دولي ربما لا ينجح في كسر الحصار لكنه يُعبر عن إدانة عالمية غير مسبوقة لإسرائيل، وحركة احتجاج لم يعرف لها العالمُ مثيلاً من قبل لإدانة حرب الإبادة الإسرائيلية.

تتكبد إسرائيل خسائر غير مسبوقة ولا مألوفة في هذه الحرب، ويتصاعد الجدل في أوساط النخبة بتل أبيب حول ما إذا كانت هذه الدولة العبرية ستظل صامدة لعقود طويلة مقبلة أن شمسها بدأت بالأفول، ويبدو الشعور متصاعداً في أوساط الاحتلال بأن الغرق في وحل غزة أشبه بكارثة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.. والسنوات القادمة هي التي ستحكم.
التعليقات (0)