ملفات وتقارير

100 ألف طلب لجوء سنويا.. كيف يؤثر اقتراح "ميرتس" على السوريين في ألمانيا؟

الإحصائيات تشير إلى أن عدد السوريين في القطاع الصحي يصل إلى عشرة آلاف طبيب- الأناضول
الإحصائيات تشير إلى أن عدد السوريين في القطاع الصحي يصل إلى عشرة آلاف طبيب- الأناضول
مع تصاعد الخطاب السياسي المناهض للهجرة في ألمانيا، يشتد الخناق على اللاجئين العرب، وفي القلب منهم السوريون، إذ يواجهون تحديات متزايدة تهدد استقرارهم ومستقبلهم في بلد من أكبر الدول التي تستضيف طالبي اللجوء.

وأعلن زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) والمستشار الألماني القادم فريدريش ميرتس عن خطة لتحديد سقف طلبات اللجوء السنوية عند 100 ألف طلب، مشيرًا إلى أن "الضغط على مؤسسات البلاد والمدن والقرى قد بلغ ذروته".

هذه التصريحات أثارت قلقًا واسعًا بين اللاجئين، خاصة السوريين الذين يشكلون أكبر جالية لاجئة في ألمانيا، حيث دعا ميرتس إلى تصنيف دول مثل تونس والمغرب والجزائر والهند كـ "دول منشأ آمنة"، مما يسهل تسريع عمليات الترحيل.

واقترح ميرتس إعادة العمل باتفاقية دبلن، التي تنص على أن أول دولة أوروبية يدخلها طالب اللجوء هي المسؤولة عن معالجة طلبه، مما قد يؤدي إلى رفض العديد من الطلبات على الحدود الألمانية.

اظهار أخبار متعلقة


بالنسبة للسوريين، تأتي هذه السياسات في وقت صعب، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث يرى بعض السياسيين في ذلك فرصة لإعادة اللاجئين، إلا أن العديد من السوريين في ألمانيا أعربوا عن مخاوفهم من العودة إلى بلد لا يزال يفتقر إلى الاستقرار والأمان. فالعديد منهم اندمجوا في المجتمع الألماني، ويعملون في قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية، مما يجعلهم جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الألماني.

إلغاء إقامات السوريين
ومن جانبها، فتحت السلطات الألمانية ملفات أكثر من 2000 لاجئ، بينهم مئات السوريين، تمهيدًا لسحب إقاماتهم، بعدما تبين أنهم زاروا بلدانهم خلال الأشهر الأخيرة. وتعتبر الحكومة الألمانية هذه الزيارات دليلاً على عدم الحاجة للحماية.

وبحسب القوانين الحالية في ألمانيا، يفقد اللاجئ حقه في الحماية إذا سافر إلى وطنه، باستثناء الحالات الطارئة مثل مرض خطير لأحد أفراد الأسرة أو وفاته.

ويتعين على اللاجئ إبلاغ سلطات الهجرة عن سفره قبل تنفيذه. في أعقاب هجوم الطعن الذي نفذه لاجئ سوري في مدينة زولينغن العام الماضي وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، تم الاتفاق في إطار "حزمة الأمان" على أن الحاصلين على حق اللجوء سيفقدون وضع الحماية إذا سافروا إلى بلدانهم الأصلية.

وأكد المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) الخميس الماضي، أنه فتح 2157 إجراء لمراجعة حالات سحب الحماية من لاجئين سافروا إلى بلدانهم الأصلية خلال الفترة بين 1 تشرين الثاني 2024 و31 آذار 2025.

وحسب متحدث باسم المكتب الاتحادي، فإن العراق تصدر قائمة الجنسيات التي سافر أفرادها إلى بلدانهم الأصلية، حيث بلغ عددهم 762 شخصًا، تليه سوريا بـ 734 حالة، ثم أفغانستان بـ 240، إيران بـ 115، وتركيا بـ 31.



اظهار أخبار متعلقة


يزيد من أعباء اللاجئين

أكدت الناشطة الحقوقية السورية والمقيمة في ألمانيا مها زيدان في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن اقتراح فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، بتحديد عدد اللاجئين في ألمانيا إلى 100 ألف سنويًا يعكس تحولًا متزايدًا في السياسة الألمانية تجاه اللجوء.

وأضافت زيدان أن هذا المقترح رغم كونه غير مُطبق بعد، يثير قلقًا واسعًا بين اللاجئين السوريين، الذين يشكلون نسبة كبيرة من طالبي اللجوء في ألمانيا، خاصة في ظل الظروف الحالية في سوريا التي تجعل العودة مستحيلة.

وتابعت زيدان: "اللاجئون السوريون لا يفرون فقط من ضائقة اقتصادية، بل من حرب وانهيار مؤسساتي"، مؤكدة أن تطبيق مثل هذا القرار سيؤدي إلى تأخير أو حرمان العديد منهم من فرص اللجوء أو لم الشمل، مما يزيد من معاناتهم، وأن السوريين يواجهون صعوبات كبيرة في الاندماج بسبب نقص الدعم اللغوي والاقتصادي.

وأشارت إلى أن أهم مشكلات السوريين في هذا السياق تتمثل في بطء إجراءات اللجوء، وصعوبات لم الشمل، وارتفاع معدلات العنصرية التي قد تتغذى من الخطابات السياسية المتشددة. لمواجهة ذلك، يحتاج السوريون إلى تعزيز تواصلهم مع منظمات المجتمع المدني، والدفاع عن حقوقهم القانونية، والمشاركة في الحياة العامة لإبراز قصص نجاحهم وإنسانيتهم، ما يساعد في تغيير الصورة النمطية عنهم.

اظهار أخبار متعلقة


واختتمت، زيدان بأن الحل لا يكمن في إغلاق الأبواب أمام اللاجئين، بل في تطوير سياسات عادلة تحترم الكرامة الإنسانية وتدعم المجتمعات المستقبلة، قائلة: "من حق الدول تنظيم الهجرة، لكن من واجبها أيضًا احترام الالتزامات الإنسانية التي تدعي أوروبا أنها تضمنها، ومن أهمها حق الإنسان في تقرير مصيره بطلب اللجوء إلى أي دولة يختارها".



مخالف للقانون والدستور

من جانبه، أكد المحامي والباحث السوري ياسر العمر في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن اقتراح فريدريش ميرتس بتحديد عدد اللاجئين في ألمانيا إلى 100 ألف سنويًا يحتاج إلى مراجعة دقيقة من الناحية القانونية.

وأوضح العمر أن القوانين الألمانية، بما في ذلك المادة 16a من الدستور الألماني وقوانين اللجوء والإقامة، التي أبرزها القوانين الفيدرالية الخاصة باللجوء (Asylgesetz) والإقامة (Aufenthaltsgesetz)، والاتفاقيات الأوروبية المتعلقة باللجوء وحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، وهذا ينطبق على اللاجئين الموجودين في ألمانيا. وهو ما يسمح لألمانيا باستقبال أكثر من مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الأزمة في سوريا.

رقم لا يستهان به في الاقتصاد الألماني
وأضاف العمر أن اللاجئين السوريين قد اندمجوا بشكل كبير في المجتمع الألماني، معربين عن الأثر الإيجابي الذي أضافوه للاقتصاد الألماني، وشكلوا رقمًا لا يستهان به في عجلة الاقتصاد، لا سيما في القطاع الصحي والطبي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن عددهم قد يصل إلى عشرة آلاف طبيب باختصاصات متعددة، مما غطى جزءًا كبيرًا من الجانب الصحي في ألمانيا.

وتابع العمر بالقول: "إذا نظرنا إلى الجوانب السلبية لهذا الاقتراح، فإن تحديد عدد اللاجئين قد يؤدي إلى نقص في العمالة في ألمانيا، خاصة مع تقدم السكان في السن وزيادة الحاجة للعمالة في السوق".

وأضاف: "في حال استمرت ألمانيا في تقييد أعداد اللاجئين، فقد يؤثر ذلك سلبًا على اقتصادها، حيث يتبين أن هناك مصلحة متبادلة بين الطرفين اللاجئين والدولة الألمانية، فاللاجئون أمن لهم الأمان والعيش الكريم، والدولة الألمانية استفادت دون أن تنفق عليهم إلا القليل للانخراط في سوق العمل، مع ملاحظة أن هؤلاء أصبحوا يشكلون رقمًا لإيرادات الدولة الألمانية من جهة الضرائب وتحريك عجلة الشركات، لا سيما شركات التأمين".


اظهار أخبار متعلقة


وفيما يتعلق بتأثير القرار على اللاجئين، أكد العمر أن قوانين اللجوء الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف، لا تتضمن أي تقييد لعدد اللاجئين الذين يحق لهم طلب اللجوء.

وأضاف: "من غير المقبول أن يتم تحديد هذا العدد بشكل تعسفي، ويجب أن يتم التعامل مع كل حالة على حدة، ما يشكل جوانب سلبية قد تنجم عن حيث ينحسر تدفق العمالة اللازمة لسوق العمل، خاصة في ظل تزايد عدد كبار السن في المجتمع الألماني".

وتابع قائلًا: "مع مرور الوقت، سيواجه السوق الألماني نقصًا في اليد العاملة نتيجة إحالة جزء كبير من القوى العاملة إلى التقاعد، وهو أمر سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد، إضافة إلى ذلك، فالأسر الألمانية في الغالب لا تتجاوز ولادتها مولودًا أو اثنين، مما يعزز هذا النقص في القوى العاملة".

تجربة شخصية
وقال العمر، وهو صاحب تجربة لجوء في ألمانيا، إنه "من خلال تجربتي الشخصية في ألمانيا، أستطيع أن أقول أن وجودي هنا منحني استقرارًا اقتصاديًا وأمنيًا، مقارنة بالوضع في بلدي الذي فقد فيه المواطنون معظم حقوقهم، وهو ما يعزز قناعتي بأن تقييد حق اللجوء يعد كابوسًا بالنسبة للاجئين، خاصة إذا كان مهددًا بالترحيل القسري".

ومع ذلك، يؤيد العمر الحكومة الألمانية في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد الأشخاص الذين يشكلون تهديدًا للأمن أو يرتكبون الجرائم، معتقدا أن بعض الإجراءات التي يدعو إليها المستشار القادم، مثل تقنين عدد اللاجئين، تعود إلى المخاوف من الجرائم التي قد يرتكبها بعض اللاجئين.
التعليقات (0)

خبر عاجل