سياسة عربية

ماذا وراء التصعيد في حضرموت شرقي اليمن؟.. "احتقان ينذر بانفجار عسكري"

تنقسم حضرموت إلى جزأين إداريين هما الساحل والوادي والصحراء- الأناضول
تنقسم حضرموت إلى جزأين إداريين هما الساحل والوادي والصحراء- الأناضول
تعيش محافظة حضرموت، كبرى محافظات اليمن، حراكا سياسيا واحتقانا شديدا ينذر بتفجره عسكريا بين أقوى التكتلات القبلية بالمحافظة والتشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات.

ومنذ أشهر، تتصاعد الأحداث في المحافظة الغنية بالنفط وتتشابك، بعد رفع رئيس حلف قبائل حضرموت، الزعيم القبلي، عمرو بن حبريش العليي، مطالب عدة، من بينها "تمكين هذه المحافظة من إدارة شؤونها"، حيث قامت القوى المنضوية في هذا التحالف القبلي بالانتشار في منطقة الهضبة بالمحافظة، قبل أن يعلن بن حبريش بعد ذلك البدء بتشكيل قوة مسلحة تحت مسمى "حماية حضرموت".

بن حبريش، الزعيم القبلي الذي يتصدر مشهد الصراع في حضرموت مع السلطة المحلية رغم أنه يشغل منصب وكيل أول بالمحافظة، سبق أن وجه اتهامات مباشرة لدولة الإمارات التي باتت تتمتع بوجود عسكري في مطار الريان وميناء الضبة النفطي، إضافة إلى تشكيلات مسلحة موالية لها من بينها لواء بارشيد الذي ينتشر في منطقة الساحل، حيث مدينة المكلا، المركز الإداري لحضرموت.

ومع بلوغ التصعيد ذروته، أعلن المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي عن إقامة فعالية جماهيرية، دعا أنصاره للاحتشاد إلى مدينة المكلا، وذلك إحياء لذكرى استعادته من عناصر تنظيم القاعدة 2016.

ويرى مراقبون أن التصعيد الذي تشهده حضرموت، لا يعدو كونه جولة جديدة من صراع النفوذ بين الرياض وأبوظبي في هذه المحافظة الاستراتيجية تتصدره أدوات محلية وبعناوين مختلفة.

"تحول وإعادة تموضع"
وفي السياق، قال الباحث اليمني في القانون الدولي والعلاقات الدولية، عبد الله محمد الهندي، إن حضرموت تشهد حراكا سياسيا نشطا منذ أشهر، تصاعد مؤخرا إلى مستوى غير مسبوق من التوتر، يتمثل في التصعيد الذي يقوده رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، الذي يتأسس على مطالب تمكين حضرموت من إدارة شؤونها بعيدا عن الوصاية، ورفضًا لما يُنظر إليه كتهميش ممنهج لقرارها السياسي والإداري.

وأضاف الهندي في حديث خاص لـ"عربي21"، أن هذا الحراك لا يمضي دون منغصات، إذ تبرز في مواجهته تحركات محلية مضادة من كيانات أخرى، بعضها على صلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ما يجعل المشهد ضبابيا ومفتوحا على احتمالات متعددة.

اظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن "هذا التصعيد ليس مجرد خلاف نخبوي أو مطالب خدمية، بل يعكس تحولا في المزاج الحضرمي نحو إعادة التموضع، عبر البحث عن صيغة تمثيل سياسي شاملة ومستقلة تعبر عن الخصوصية الثقافية والتاريخية للمحافظة".

كما أنه يكشف عن حجم الفراغ السياسي التمثيلي الذي تعانيه حضرموت، حيث لم تنجح القوى المحلية الحضرمية حتى الآن في "بلورة مشروع سياسي موحد يعبر عن مصالحها، بعيدا عن أدوات الفعل السياسي التقليدية أو تلك التي أنتجتها الحرب بعد العام 2016 "، وفق للباحث اليمني.

وأكد الباحث في العلاقات الدولية، أن هذا المسار يترافق مع "تصاعد في الترميز الهوياتي المحلي"، حيث تُطرح الهوية الحضرمية اليوم ليس كمجرد تعبير ثقافي، بل كمدخل لرؤية جديدة للدولة، قائمة على الندية مع المركز مع تعدد الروافد المكونة للنسيج الوطني، وتستند إلى نموذج متقدم من الحكم المحلي أو ما يشبه الحكم الذاتي.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن هذا التصعيد هو "نتاج تراكم طويل من التفاعلات، جاءت نتيجة لضعف الدولة المركزية في تقديم الخدمات وتفكك المشروع الوطني الجامع" ما أدى إلى انكفاء الفاعل الحضرمي داخل حدوده الجغرافية والاجتماعية، وتراجعه عن الانخراط الفاعل في الدولة كمشروع سياسي جامع.

كما أن هذا التصعيد لا يمكن فصله عن إشكاليات النشأة المتعثرة للدولة الوطنية الحديثة في اليمن، والتي أفرزت نمطًا من التمثيل السياسي الهش، خسر الحضارمة بموجبه حضورهم كجماعة فاعلة ومؤثرة في مسار القرار الوطني، فتم تهميشهم لصالح نخب لا تعبّر بالضرورة عن الإرادة الجمعية للمجتمع الحضرمي.

ورأى الباحث السياسي اليمني، أن ما نشهده اليوم هو تحول في طبيعة الفعل السياسي الحضرمي من فعل نخبوي محدود التأثير إلى ما يشبه حالة الاستنفار المجتمعي الواسع، بما يُنذر بتحولات مقبلة قد تطال شكل السلطة المحلية في علاقتها بالمركز، ومركزية القرار الأمني والعسكري في المحافظة.

وحول الأدوار السعودية والإماراتية في هذا الصراع، قال الهندي إنه "رغم شيوع التفسير الذي يعزو الحراك الحضرمي الأخير إلى صراع نفوذ بين السعودية والإمارات، فإن هذا التحليل يظل منقوصًا ما لم يُقرأ في ضوء الخصوصية الحضرمية التاريخية، التي صنعت هوية متفردة لهذه المحافظة، وشكلت علاقتها المتوترة – لا العدائية – مع الدولة اليمنية المركزية".

وتابع : "تظل السعودية والإمارات فاعلين حاضرين في المشهد، لا كمحرّكين أساسيين، بل كأطراف تنظر إلى حضرموت من زاوية خصوصيتها وموقعها الاستراتيجي وأهمية امنها واستقرارها".

وأوضح أن ما نشهده اليوم هو استثمار ذكي للحظة سياسية مواتية، في ظل تصدع مركزية القرار وتعدد مراكز النفوذ، بعد الانتقال السياسي الأخير، ما يتيح لحضرموت إعادة رسم موقعها في المعادلة الوطنية.

لكن هذا التحول لن يكون تلقائيا، حسب الباحث اليمني في القانون الدولي، بل يتطلب "بلورة خطاب سياسي عقلاني ومتماسك وبناء مؤسسات تمثيلية تعبّر عن الإرادة الجمعية والتفاوض باسم حضرموت ككتلة سياسية، لا كجغرافيا فقط".

وقال أيضا، إن "التحدي الأكبر يبقى ماثلا في هشاشة البنى المجتمعية، وضعف المجتمع المدني، وغياب الأطر السياسية المنظمة.. وهو ما يجعل الحراك مهددًا إما بالتفكك الداخلي أو بالاختطاف من قبل نخب تقليدية أو أدوات خارجية".

"صراع ناعم بين الرياض وأبوظبي"
من جانبه، قال الصحفي والكاتب اليمني، مأرب الورد، إن "ما يجري في حضرموت وإن كان يعكس في طابعه العام طموحاته الشخصية لبن حبريش الذي يحاول أن يفرض نفسه كزعيم محلي أو أن يكون رقما قويا في المعادلة بالمحافظة تمكنه من التأثير في قراراتها، إلا أن ما يرفع من مطالب معيشية وخدمية تبقى مشروعة".

وأضاف الورد لـ"عربي21"، "لكن هذه المطالب وإن كانت محقة، لكن عادة كما خبرنا في تجارب سابقة أن أي طرف يريد تشكيل مكونا أو تحالفا معينا "يستخدم مثل هذه العناوين المعيشية والخدمية التي يمكن أن تجمع له الناس بالتالي تبرر تصعيده في خطوة مقبلة".

وأشار إلى أن هذه المطالب وإن كانت مشروعة في بعضها إلا أنها من جهة "تكشف عن جانب من الصراع بين الزعيم القبلي وحاكم حضرموت"، ومن جهة أخرى تتعلق "بفشل الحكومة والمجلس الرئاسي في معالجة أوضاع الناس الخدمية هناك".

وقال، إنها من جهة أوسع "تعكس الصراع الناعم بين السعودية والإمارات، اللذان يتحكمان بالمشهد السياسي في الجزء الذي يسيطر عليه المجلس الرئاسي (جنوب وشرق البلاد)".

وتابع بأن هذا الصراع يتم إدارته عن طريق وكلاء محليين، والأهم من ذلك، أن الدولتين الخليجيتين يديران الصراع بأدوات ناعمة من قبيل "تشكيلات سياسية أو اعتصامات أو مظاهرات" أكثر من اللجوء إلى الأدوات الخشنة.

وأوضح الكاتب اليمني، أن محافظة حضرموت تشكل أهمية كبيرة ليس فقط لليمن كدولة مركزية، إنما في أي تسوية مستقبلية قد تقرر مصير البلد.

وأردف قائلا: "وفيما يخص مشروع الانفصال والتمزيق الذي يتبناه المجلس الانتقالي فلا يمكن أن يتم أو ينجح بعيدا عن حضرموت أو بدونها".

وبحسب الصحفي الورد، فإن "حضرموت ما تزال الآن ضمن النفوذ السعودي في ظل الوجود الإماراتي في ميناء الضبة النفطي أو عن طريق التشكيلات العسكرية مثل لواء بارشيد وبعض وحدات من قوات النخبة الحضرمية".

وتوقع أن "يبقى المشهد في حضرموت بين مد وجزر وربما نشهد ظهور تشكيلات وصعود شخصيات جديدة للواجهة وربما إجراء تغييرات في القيادات العسكرية في الساحل والوادي".

وختم حديثه قائلا: "إن الرياض وأبوظبي تحاول أن ترتب خارطة نفوذهما قبل أي تسوية محتملة للصراع في البلاد".

وكان "مؤتمر حضرموت الجامع" ( تكتل سياسي وقبلي واجتماعي تأسس عام 2017)، قد حذر منتصف نيسان /إبريل الجاري من مخطط "إدخال حضرموت في أتون صراع وحالة عدم الاستقرار".

وقال في بيان له، إن هناك جهات لم يسمها، تسعى لخلط الأوراق في حضرموت في ظل ما تشهده من التفاف وإجماع شعبي نحو "الحكم الذاتي" للمحافظة، ودفعت بآلاف المسلحين منذ أيام إليها.

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف مؤتمر حضرموت الجامع الذي يرأسه، الزعيم القبلي، عمرو بن حبريش، وكيل أول محافظة حضرموت، أنه جرى "إدخال مسلحين من محافظات عدن ولحج والضالع ( واقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا) إلى ساحل حضرموت، مشيرا إلى أنه منذ يوم الجمعة 11 إبريل وحتى يوم الاثنين 14 إبريل الجاري، وصل 2500 مسلحا إلى منطقة الساحل، حيث مدينة المكلا، عاصمة المحافظة.

وبحسب البيان، فإن هذه التحركات تعكس "بوضوح توجهات نحو تفجير الصراع بهدف مصادرة إرادة أبناء حضرموت وفرض توجه سياسي معروف بقوة السلاح ".

وتنقسم حضرموت إلى جزأين إداريين هما الساحل وأبرز مدنه المكلا، مركز المحافظة، والآخر هو الوادي والصحراء وأبرز مدنه سيئون.

كما تنقسم المحافظة عسكريا إلى المنطقة الأولى (مركزها سيئون وتنتشر فيها قوات من الجيش اليمني التقليدي حافظت على تماسكها)، والمنطقة الثانية ( مقرها المكلا ومحيطها حيث تنتشر قوات النخبة الحضرمية، التي تشكلت 2016 من مجندين وعسكريين من أبناء محافظة حضرموت ذاتها قبل أن يضم إليها تشكيلات من خارجها).
التعليقات (0)

خبر عاجل