كتاب عربي 21

وقفة مع إحاطة المبعوثة الأممية لليبيا

السنوسي بسيكري
هناك عدد من الاعتبارات ينبغي الإلمام بها عند محاولة قراءة وفهم إحاطة المبعوثة الأممية الجديدة لليبيا، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن.. الأمم المتحدة
هناك عدد من الاعتبارات ينبغي الإلمام بها عند محاولة قراءة وفهم إحاطة المبعوثة الأممية الجديدة لليبيا، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن.. الأمم المتحدة
هناك عدد من الاعتبارات ينبغي الإلمام بها عند محاولة قراءة وفهم إحاطة المبعوثة الأممية الجديدة لليبيا، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن، أول من أمس، منها أن هذه هي الإحاطة الأولى للمبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، ومنها أيضا أن تيتيه ما تزال تستكشف المشهد الليبي وتقيم مواقف الأطراف المحلية والاقليمية والدولية المتدخلة في الأزمة الليبية، يضاف إلى ذلك أن تيتيه وجدت مسارا سياسيا قد انطلق ممثلا في اللجنة الاستشارية التي أشرفت على تشكيلها المبعوثة السابقة بالإنابة ستيفاني خوري، فلهذا ولغيره نفهم لماذا خلت إحاطة تيتيه من تقييم واضح ورؤية لكيفية إدارة النزاع والاتجاه إلى التسوية.

من المألوف أن تتضمن الإحاطة الإلمام بالقضايا المختلفة التي تطل برأسها في المشهد الليبي، فمن الوضع السياسي، وجهود اللجنة الاستشارية، إلى الوضع الاقتصادي وجديد الأزمة المالية والنقدية، إلى الملف الامني، فالمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان ودور المرأة ومكانتها في الخضم، والملاحظ أنها المبهوثة كانت تعمم في التقييم وحذرة في توصيف طبيعة الأزمة وتحديد الأطراف المتورطة في التأزيم.

إشارات المبعوثة الأممية عامة عند التطرق لكيفية معالجة الملفات المختلفة التي يشكل مجموعها الأزمة الراهنة، كما أنها تماهت مع ما هو مطروح من قبل الإدارة السابقة للبعثة واتجاهات الأطراف الدولية المؤثرة في القضية الليبية، مع الاخذ في الاعتبار أراء المكونات المحلية التي التقت بها، غير أن إشاراتها كانت مقتضبة وربما مبهمة، منها القول بضرورة " دمج الانتخابات ضمن إطار سياسي شامل يُعزز بناء الدولة من خلال توحيد المؤسسات وتعزيزها"!!، والقول بعزمها على "اتباع نهج شامل لجميع أصحاب الشأن"، وانها تعكف " على استكشاف الخيارات المتاحة لتعزيز فعالية وشمولية آليات التنسيق القائمة على المستويين الإقليمي والدولي لبناء الدعم اللازم لدفع العملية السياسية إلى الأمام"، وغيرها من العبارات التي لا تغوض إلى عمق الأزمة في التقييم ولا تقدم اتجاها عمليا للمعالجة.

ربما بدت المبعوثة الأممية أكثر وضوحا عند مناقشة النزاع حول منصب رئيس ديوان المحاسبة، ومسألة مبادلة النفط الخام بالمحروقات، والملف الاقتصادي وما يتعلق به من قضايا، فقد أكدت على ضرورة "أن تلتزم تعيينات وإقالة قيادات هذه المؤسسات بأحكام الاتفاق السياسي الليبي"، في إشارة لما جرى من تعيين لرئيس ديوان من قبل المجلس الاعلى للدولة بشكل منفرد. وكذلك تأييدها لقرار وقف عملية مبادلة النفط الخام بالوقود واعتباره تطور إيجابي، "يعزز الشفافية في مبيعات النفط" كما حثت المبعوثة الحكومة "على ضمان تمويل واردات الوقود في الوقت المناسب بناءً على الطلب المحلي".

المبعوثة تنتظر مخرجات اللجنة الاستشارية لتستنير بها في تحديد المسار السياسي واتجاه التسوية السياسية، وتدعو إلى المحافظة على وقف إطلاق النار وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وترى بضرورة الاستقرار الاقتصادي، دون أن تضيف جديدا مهما في كيفية تحقيق كل ذلك، وهذا يعني أن أي تطور في الأزمة باتجاه أي صيغة لاحتوائها لن يكون بيد البعثة، وسيكون عبر ضغط من أطراف دولية تتماهى معه البعثة.
وحول الخلاف المالي وتبادل الاتهامات بين الحكومتين غربا وشرقا، وسياسة المصرف المركزي لاحتواء الأزمة المالية والنقدية أعربت المبعوثة عن " الاستعداد لدعم الأطراف السياسية الرئيسية للاتفاق على ميزانية موحدة لمنع وقوع أزمة باتت تلوح في الأفق"، كما تحدثت عن مقترح لـ " عدد من الأطراف الليبية أن تقوم واحدة من شركات المراجعة الدولية الخمسة إجراء مراجعة مالية لمؤسسات الدولة الليبية الرئيسية"، دون أن تحدد موقفا من هذا المقترح.

وبرغم الإشارة إلى دعم الميزانية الموحدة، يظهر من طرح المبعوثة حول الملف الاقتصادي أنها لم تبلور مقاربة واضحة لدعم الأطراف المحلية في تجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة، والقول بأن البعثة على استعداد لدعم الأطراف السياسية للاتفاق على ميزانية موحدة تؤكد أن البعثة تنجر خلف الخيار المطروح وليس في جعبتها مقاربة شاملة تعالج مختلف الملفات الضاغطة، وإلا فكيف يمكن الاتفق على ميزانية موحدة والسيطرة على اوجه إنفاقها في ظل النزاع المحتدم، وضعف جهات الرقابة والمحاسبة؟!

على الصعيد الأمني، كان كلام المبعوثة حياديا نوعا ما، فالإشارة إلى الوضع الأمني القلق في الغرب الليبي والتخوف من اندلاع مواجهات جراء التحشيد العسكري هناك، قابله إشارة إلى الوضع الأمني الذي أسفر عن قتال عنيف جراء إعادة هيكلة الجيش في الجنوب لتعزيز سيطرته، وما يترتب عليه من توترات، وأن الوضع الأمني بالعموم سيظل هشا " إلى أن تتوفر إرادة سياسية لتوحيد القوات الأمنية والعسكرية في إطار رؤية مشتركة".

والمحصلة أن المبعوثة تنتظر مخرجات اللجنة الاستشارية لتستنير بها في تحديد المسار السياسي واتجاه التسوية السياسية، وتدعو إلى المحافظة على وقف إطلاق النار وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وترى بضرورة الاستقرار الاقتصادي، دون أن تضيف جديدا مهما في كيفية تحقيق كل ذلك، وهذا يعني أن أي تطور في الأزمة باتجاه أي صيغة لاحتوائها لن يكون بيد البعثة، وسيكون عبر ضغط من أطراف دولية تتماهى مع البعثة.
التعليقات (0)