أظهر مقطع فيديو متداول مجموعة من السكان الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية٬ وهم يعبّرون عن تضامنهم مع الشعب
الفلسطيني، من خلال مشاركتهم في مسيرة احتجاجية تندد بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع
غزة، وترفض سياسات الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال.
وقدّم المشاركون في المسيرة رقصات تراثية تنتمي إلى ثقافتهم الأصلية، كجزء من رسالة دعم رمزية تعكس التقاء تجارب الشعوب الأصلية التي عانت من الاستعمار والاضطهاد عبر التاريخ.
وتزايدت في الآونة الأخيرة مشاركة السكان الأصليين في الولايات المتحدة ودول أخرى، في الفعاليات والمظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية، في ظل تشابه تجاربهم التاريخية مع ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم من قتل وتهجير وإبادة جماعية.
ويرى مراقبون أن هذا التضامن ينبع من إدراك عميق للتاريخ الاستعماري الذي تعرّض له السكان الأصليون، سواء في أمريكا الشمالية أو أستراليا أو غيرها من المناطق التي شهدت عمليات إبادة جماعية وتهجير قسري بهدف الاستيطان والسيطرة.
ففي الولايات المتحدة، بدأت الهجرات الأوروبية في القرن السابع عشر، مترافقة مع استيلاء واسع النطاق على أراضي السكان الأصليين، تحت ذريعة "الأرض الخالية"، بالرغم من وجود مجتمعات متجذرة وحضارات قائمة في تلك المناطق.
اظهار أخبار متعلقة
وتشير التقديرات التي رصدها الكاتب منير العكش٬ في كتابه "أمريكا والإبادات الجماعية" إلى أن عدد السكان الأصليين قبل تلك الهجرات كان يتراوح بين 50 إلى 100 مليون نسمة، امتدت حضاراتهم من شمال أمريكا إلى جنوبها. إلا أن الغزو الأوروبي، باستخدام القوة العسكرية والأسلحة البيولوجية، ومنها الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، أدى إلى انخفاض عددهم بشكل كارثي إلى نحو 5 – 10 ملايين فقط.
ومن أبرز الممارسات التي وثقها التاريخ، توزيع بطانيات ملوثة بفيروس الجدري على السكان الأصليين عام 1763، في محاولة ممنهجة للقضاء عليهم.
وفي فلسطين، اتبعت الحركة الصهيونية نمطاً استيطانياً مشابهاً بعد وعد بلفور عام 1917، عبر تبني مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، متجاهلة الوجود التاريخي والسكاني العريق للفلسطينيين.
وسعى الاحتلال الإسرائيلي، من خلال سياسات التهجير، والشراء القسري للأراضي، وارتكاب المجازر، إلى تفريغ فلسطين من سكانها الأصليين، مستخدماً خطابات تبريرية تصف الفلسطينيين بمجتمعات "غير متحضرة"، تحتاج إلى "رعاية وتطوير" على غرار ما ادعاه المستعمرون الأوروبيون بحق السكان الأصليين في أمريكا.
وقد تمكّنت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى حد بعيد من التعتيم على الهوية الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني، عبر اختزالها في بعدٍ عربي عام، في محاولة لطمس خصوصيتها وشرعنة مشروعها الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ولم يكن تعاطف السكان الأصليين مع فلسطين وليد اللحظة، بل هو ثمرة تراكم سنوات من الوعي التاريخي والسياسي المتقاطع، عبّر عنه العديد من الأكاديميين والنشطاء، ومنهم أستاذة علم الاجتماع في جامعة نيومكسيكو، ميلاني يازي٬ المنحدرة من السكان الأصليين، في دراستها المعنونة "التضامن مع فلسطين من أرض ديناي بيكييه" في إشارة إلى أراضي شعب النافاهو من السكان الأصليين بأمريكا الشمالية.
اظهار أخبار متعلقة
وتستعرض الدراسة، التي أصبحت مرجعاً في هذا السياق، حراكاً اجتماعياً بين السكان الأصليين يسعى إلى نشر الوعي حول أوجه الشبه بين أدوات القمع الاستعماري التي مورست ضدهم وتلك التي تُمارس ضد الفلسطينيين اليوم.
وقد تجاوز هذا الحراك حدود التعاطف، ليصبح التزاماً نضالياً، إذ رفض العديد من النشطاء الأصليين إدانة الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واعتبروه شكلاً من أشكال المقاومة المشروعة، شبيهًا بما قامت به حركات تحرر أخرى حول العالم، صنّفت سابقًا كـ"إرهابية" قبل أن يُعاد الاعتراف بها كحركات كفاح من أجل الحرية.
وتحت شعار: "كما أن المستعمرين متحدون في دعم إسرائيل، فإن الشعوب المستعمَرة موحدة في دعم فلسطين"، دعت حركات السكان الأصليين إلى تضامن عالمي مع الشعب الفلسطيني، بما في ذلك دعم حملات المقاطعة التي تقودها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الاحتلال الإسرائيلي.
كما شارك العديد من العمال والطلاب والفنانين والأكاديميين والساسة من أصول السكان الأصليين في التوقيع على عرائض تطالب بوقف عمليات التطهير العرقي، ورفع الحصار المفروض على غزة، وإنهاء الاحتلال، وتفكيك نظام الفصل العنصري، والعمل من أجل تحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني.