نشرت صحيفة "
إندبندنت" مقالًا للصحفي كريس بلاكهيرست قال فيه دونالد ترامب مولع بالجدل، بمعنى، ما كان من المتوقع أن ينتهي خلافه مع الـ"
بي بي سي" بهذه الطريقة، بعد مطالبته بتعويض قدره 10 مليارات دولار بتهمة
التشهير، فلم يكن اعتذار الشبكة وحده كافيًا - أو على الأقل يصرّ هو على أنه غير كاف.
وتضيف الصحيفة، قد تكون الـ"بي بي سي" مهمة لبريطانيا ولأجزاء كبيرة من العالم، لكن ليس لترامب، فهي ليست أمريكية، وليست جزءًا لا يتجزأ من هوية ناخبيه/ بإمكانه أن يهاجمها كما يشاء، وهو يفعل ذلك، ويعلم أن خصمه ذراع من أذرع الدولة البريطانية، فهي ليست شركة خاصة، بل شركة لكير ستارمر رأي فيها، وهذا يمنحه شيئا يسعى إليه دائمًا ويُقدّره، وهو "النفوذ"، فلم تعد هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مجرد خصم في نزاع، بل أصبحت ورقة مساومة دبلوماسية، يستخدمها ترامب مرارا وتكرارًا ضد الحكومة البريطانية.
قد يكون من قبيل الصدفة أنه أعطى الضوء الأخضر لمحاميه في اللحظة التي جمّد فيها "صفقة الازدهار" الموعودة مع المملكة المتحدة بقيمة 31 مليار دولار، لكن من اللافت للنظر كيف تتداخل التطورات في عالم ترامب. وقد أشاد ستارمر باتفاقية التجارة التقنية باعتبارها إنجازًا كبيرًا.
وذُكرت أسباب تأجيلها باستياء الولايات المتحدة من إجراءات الضرائب الرقمية الجديدة في المملكة المتحدة. أما الدعوى القضائية ضد هيئة الإذاعة البريطانية العامة فكانت قصة منفصلة، في اليوم نفسه. ومع ذلك، فإن النتيجة واحدة، إذ إن القاعدة الذهبية لترامب تجاه أي شخص لا يروق له هي: "افعل ما أقوله، لا تقل ما أفعله"، وفي نظر ترامب، المال أهم من الاعتذار، وفي هذه الحالة، هو يشم رائحة المال. فهو يعتقد أن تشنج هيئة الإذاعة البريطانية يجب أن يكون مصحوبًا بالدولارات، الكثير منها، حتى يكون له معنى حقيقي.
لذا، فهو يقاضي، على أرضه، في محكمة بولاية فلوريدا. وقد قامت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بدراسة الأمر جيدا؛ فعندما هدد ترامب برفع دعوى قضائية ضد برنامج بانوراما بسبب تعديله لخطابه في مبنى الكابيتول لإظهاره وكأنه يحرض على العنف، على الرغم من أن التلاعب كان خاطئًا، إلا أنه لم يضر بسمعته لأن تحريضه كان متوافقًا مع شخصيته، ففي النهاية، لم تكن هناك أي شكاوى بشأن البرنامج، الذي عُرض منذ فترة طويلة، باستثناء شكوى ترامب فقط، وذلك عندما انكشف أمر التعديل.
علاوة على ذلك، يلاحق ترامب هيئة الإذاعة البريطانية في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الحلقة لم تُبث هناك قط؛ فخدمة BBC iPlayer، وهي منصة البث الرئيسية التي تعرض برنامج بانوراما، وقناة BBC One، التي عرضته في الأصل، غير متوفرتين في الولايات المتحدة، وحتى الآن، الأمور تسير على ما يرام بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية. لكن هذا خصم حازم، مصمم على إثبات وجهة نظره، وسيفعل أي شيء مهما كلف الأمر، في المقابل لا تتمتع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بنفس القدر من الحظ، سواءًا من الناحية المالية أو من حيث ضمان إقناع محكمة في بلدها.
وكجزء من الإجراءات، يحق لترامب الاطلاع على الأدلة، مما يُلزم منتجي وإدارة BBC بتسليم كل التفاصيل تقريبًا المتعلقة ببرنامج بانوراما، قبل وبعد بثه، بما في ذلك ردود فعل المسؤولين عندما اتضح التزييف، ورأيهم في ترامب، ومدى جديتهم في تقييم البرنامج وشخصه، قد يُسبب ذلك إحراجًا للمؤسسة، التي تفخر بموضوعيتها، ويجعلها عرضة لمزيد من اتهامات التحيز السياسي، قد تُضعف حججهم القوية ما دار بينهم من حديث، في وقت لم يروا فيه أي خطر قانوني. قد تعود أحاديثهم ورسائلهم الإلكترونية غير المسؤولة آنذاك لتُلاحقهم.
لترامب سوابق في هذا الشأن. فهو يُحب مهاجمة وملاحقة "وسائل الإعلام الكاذبة" كما يرى منتقديه الإعلاميين، ولم يتردد في اللجوء إلى القضاء، مواجهًا بعضا من أكبر شركات الإعلام في الولايات المتحدة. مع ذلك، فقد كان سعيدًا بالتسوية. فقد توصل إلى تسوية بقيمة 15 مليون دولار مع شبكة ABC، التابعة لشركة ديزني، بسبب تعليقات أدلى بها المذيع جورج ستيفانوبولوس. وبالمثل، أبرم صفقة بقيمة 16 مليون دولار مع شركة باراماونت، المالكة لشبكة CBS News، بعد أن تم تحرير مقابلة مع منافسته الديمقراطية كامالا هاريس لصالحها، كانت كلتا الدعوتين بمبالغ أكبر بكثير، ولكن بعد مفاوضات مطولة وتعرضه لإهانة رمزية، تراجع.
يمكن للنجوم والشخصيات البارزة التحدث نيابة عن BBC كما يشاؤون، لكن ذلك لن يزيد إلا من كراهية ترامب لما يعتبره مؤامرة إعلامية ليبرالية وإبداعية لتقويضه، على أي حال، من غير المرجح أن يلقى أي منهم صدى لدى ترامب - إلا إذا كان من بينهم، بجدية، روري ماكلروي، وقد يلقى أحدهم صدى، وهو ستارمر نفسه. وربما آخر، الملك تشارلز. سيكون ذلك جذابًا: رئيس الوزراء والملك يتوسلان الصفح، ودفع المال، بالطبع.