في الوقت الذي تخوض
فيه دولة
الاحتلال حروبها العدوانية على الأرض ضد العديد من الجبهات العسكرية، فإن
هناك جبهة ما زالت تشعر فيها بانتكاسة حقيقية، رغم ما لديها من إمكانيات كبيرة، وهي
ساحة الدعاية، ولعل ما كشفت عنه شبكة إكس حول أماكن الحسابات الشائعة المعادية لإسرائيل،
دليل إضافي على التحديات التي تنتظر الاحتلال.
وكشفت الخبيرة الإسرائيلية
في مجال إنشاء المحتوى، وتأثير العوامل الخارجية على الرأي العام على منصات التواصل،
والذكاء الاصطناعي، الحملات وشبكات التضليل، إيلا كينان، أن "الساحة التي تُحدد فيها قدرة الاحتلال على
الدفاع عن نفسه تعمل 365 يومًا في السنة، في خدمة مئات ملايين الناس، معظمهم دون سن
35 عامًا، وبعضهم سيصبح قادةً وقادة رأي في العالم في المستقبل، ويعيشون على تيك توك،
وX،
وإنستغرام، وويكيبيديا، ومحركات الذكاء الاصطناعي، وهناك تتشكل رؤيتهم للعالم، وهذا
جوهر الحرب الدعائية".
وأضافت في مقال نشرته
صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21"، أن "أعداء الاحتلال أدركوا
خطورة هذه الجبهة القتالية منذ زمن بعيد، وهم يعلمون أن ذلك مقدمة لتقويض الدولة، في
ضوء أن حماس وإيران وقطر وروسيا ودول أخرى، جميعها استثمرت سنوات في بناء رواية معادية
على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الأخبار، والأوساط الأكاديمية، وغيرها".
وأشارت أن "النشاط
الدعائي على شبكات التواصل لم تعد تحمل فقط نقدًا جوهريًا للسياسة الإسرائيلية أو حكومتها،
وهو أمر مشروع بالطبع، بل إنكار لوجود الدولة بذاتها، من خلال رواية مُعدّة مسبقًا،
لأنه لا يمكن لها أن تستمر كدولة استبدادية، وغير قادرة حتى على توفير جميع احتياجاتها
من الأسلحة للحفاظ على قوتها العسكرية، وهي في نفس الوقت تحتاج إلى اقتصاد قوي، ومجتمع
مزدهر، وتحالفات اقتصادية وثقافية وأكاديمية وأمنية مع دول أخرى".
وأوضحت أن "كل
من نشأ على فكرة أن دولة الاحتلال والشعب اليهودي هم أصل مشاكل العالم لن يرغب بأن
يكون حليفًا، ورغم أنها قد بنت تفوقًا عسكريًا هائلًا جعلها لاعبًا رئيسيًا، إلا أنها
لم تدخل الميدان بعد في مجال الرأي العام، ومنذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023، عندما قتل
وخطف مدنيون إسرائيليون، انتشرت اتهامات "الإبادة الجماعية" ضد الفلسطينيين
في غزة على الإنترنت، ونشرت العديد من أكبر الحسابات المؤيدة للفلسطينيين، التي يملك
كل منها ملايين المتابعين، وتعمل من داخل الأراضي الفلسطينية وأمريكا الشمالية".
وأضفت أنه "بعد
48 ساعة من طوفان الأقصى، بدأت الاتهامات الموجهة لدولة الاحتلال أنها ترتكب إبادة
جماعية في غزة، وحصدت هذه المنشورات عشرات ملايين المشاهدات والمشاركات، ثم اندلعت
احتجاجات حاشدة ضدها في لندن ونيويورك وسيدني، وبينما كان الإسرائيليون يقاتلون للسيطرة
على المستوطنات على طول قطاع غزة، نشرت مجموعات منظمة على الإنترنت وفي الشوارع رواية
مختلفة تمامًا معادية لهم".
وأشارت أنه "في
الأسبوع الماضي، بدأت شبكة إكس بالكشف عن مواقع هذه الحسابات، وفجأة، أصبح
من الواضح أن "الصحفيين" الغزاويين الذين يغطون الأحداث هم في الواقع من
تركيا وهولندا وإندونيسيا وجنوب شرق آسيا، وعمل بعضهم كمصدر للتقارير لوسائل الإعلام
الغربية، إضافة لذلك، تعمل حسابات كبيرة معادية للاحتلال تقدم نفسها على أنها وطنية
أمريكية وأوروبية في الواقع من باكستان وبنغلاديش ونيجيريا".
وأوضحت أن "أحدها،
تايمز أوف غزة، الذي يتابعه مليون شخص، يقدم تقارير فورية عما يحدث في غزة، ويدعي أنه
يعمل من هناك، ويعتبر في الغرب مصدرًا موثوقًا للتقارير الواردة من القطاع، لكنه تبين
أنه يعمل من جنوب شرق آسيا، وتشير شبكة X إلى وجود قلق بشأن استخدام شبكة VPN لتغيير
الموقع".
وتحدثت الكاتبة
"عن حساب آخر لـ"صحفي" غزّي استخدمت بي بي سي تغريداته للإبلاغ عن البرد
والمعاناة وضجيج القصف، موجود في هولندا، وهناك المؤثر الغزاوي محمد السميري، الذي
يملك ملايين المتابعين على منصات التواصل، ويُظهر في سيرته الذاتية أنه يُغطي الأحداث
لحظة بلحظة من فلسطين، يعيش في إندونيسيا، وهناك أمثلة أخرى، وهذه عملية تأثير عالمية
منظمة ناجحة، ورغم كل نجاحات الأعداء في هذا الفضاء، فلا تزال دولة الاحتلال تستخدم
أدوات عفا عليها الزمن".
تكشف المخاوف الإسرائيلية
أن الخطوة الأولى لمواجهة هذا التهديد الجدي هي الاعتراف بأنها ساحة أمن قومي، وليست
"دعاية" خلال الحرب فقط، مما يستدعي من الحكومة وضع سياسة شاملة للتأثير
على عمليات التأثير المعادية، وإحباطها، في ضوء ما تشكله عوالم الشبكات الاجتماعية
وجيل Z من ترويج للرواية الفلسطينية، وانتكاسة لسردية
الاحتلال.