نشرت صحيفة "
فاينانشال تايمز" تقريرًا يسلط الضوء على السبب الجوهري الذي يحول دون استخدام البيتكوين كعملة فعلية مثل العملات التقليدية، وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي 21"، إن ما خسره "البيتكوين" منذ الذروة التي بلغها في 6 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي يعادل نسبة تضخم سنوي تقارب 900 بالمئة، وترى الصحيفة أن هذا الانهيار الحاد من 125 ألف دولار إلى نحو 82,500 دولار خلال أيام، يكشف "العيب القاتل" الذي يمنع
العملات المشفرة من أن تكون عملة فعلية.
التحكم في الطلب
وتوضح الصحيفة أن حجم المعروض من أي عملة مشفّرة محدود بطبيعته، أما البنوك المركزية التي تصك العملات التقليدية فأنها لا تخضع لهذا القيد، إذ يمكنها نظريًا طباعة ما تشاء من النقود، مع مراعاة عدم الإفراط في طباعة العملة حتى لا تفقد قيمتها.
وتضيف الصحيفة أن قيمة أي عملة لا تعتمد فقط على التحكم الصارم في المعروض النقدي، بل على التوازن بين العرض والطلب، وتجاهل حجم الطلب على العملة يقود إلى الكارثة، لأن هذا الطلب غير مستقر بطبيعته، وقد فهم مبتكرو العملات الورقية الأوائل أهمية الطلب على المال، ففي الصين خلال القرن العاشر، عُرضت العملة الورقية مع شرط قانوني أن تُدفع الضرائب بهذه العملة، ما خلق طلبًا فوريًا أعطى العملة قيمتها.
وتفتقر العملات المشفّرة إلى عامل الإجبار الذي تفرضه الحكومة، حتى إن منطقة "كانتون تسوغ" السويسرية، المعروفة بتسهيل التعامل بالعملات المشفّرة، لا تستلم هذه العملات لتسوية الالتزامات الضريبية، إذ يتم تسديد الضرائب بالفرنك السويسري فقط.
ويتيح "كانتون تسوغ" لسكانه الراغبين ببيع العملات المشفّرة شراء الفرنك السويسري عبر شركة خاصة، مع دفع رسوم تحويل بنسبة 1 بالمئة فوق قيمة الضريبة، ويحتاج الشخص الراغب حاليًا في تحويل العملة من أجل دفع الضرائب إلى بيع كمية أكبر من العملة المشفرة مقارنة بما كان يحتاج إلى بيعه قبل أسبوعين، بسبب تراجع سعر البيتكوين مع ثبات قيمة الفرنك السويسري.
مشكل تقليص المعروض
وأوضحت الصحيفة أن المشكلة الأخرى هي أن معروض البيتكوين لا يمكن أن ينخفض أبدًا، في حين أن البنوك المركزية تقلّص المعروض من عملاتها عند تراجع الطلب، كما حدث بعد الجائحة حين انخفض الطلب على النقد في كثير من الدول، فتدخلت البنوك المركزية وقلّصت المعروض النقدي حتى لا يرتفع التضخم، أما العملات المشفرة فإنها لا تملك هذا الخيار، حيث إن الانهيار الأخير في أسعار البيتكوين كان نتيجة تراجع الطلب، دون إمكانية خفض المعروض.
وذكرت الصحيفة أن التاريخ يقدم مثالاً مشابهًا لهذه الحالة، وكان ذلك بعد الطاعون في أوروبا خلال القرن الرابع عشر، حين تراجع عدد السكان وانخفضت المعاملات المالية والطلب على النقود، بينما ظل المعروض ثابتًا، فحدث تضخم سريع.
وحسب الصحيفة، من المتوقع أن يصبح انخفاض الطلب على المال أكثر شيوعًا مستقبلاً، إذ يأتي نصف الناتج المحلي العالمي من اقتصادات تشهد تراجعًا سكانيًا، ما يبطئ نمو الطلب على النقود أو يجعله سلبيًا أحيانًا. هذا ما تستطيع البنوك المركزية التفاعل معه، على عكس العملات المشفّرة.
وتختم الصحيفة بأن التضخم المفرط في العملات التقليدية لا يحدث إلا نتيجة سوء إدارة بشكل استثنائي مثلما حدث في ألمانيا عام 1923، أو قرار سياسي متعمد مثلما حدث في الاتحاد السوفيتي منذ عام 1917، لكن في حالة العملات المشفرة، يبقى خطر التضخم ملازمًا لها باستمرار، ما يشكل عائقًا أمام تحوّلها إلى عملة حقيقية.