صحافة دولية

مستشار الأمن القومي البريطاني قاد اتصالات سرية مع تنظيم مصنّف إرهابياً في سوريا

مستشار الأمن القومي البريطاني قاد اتصالات سرية مع تنظيم مصنف إرهابيا في سوريا - جيتي
كشفت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية، في تحقيق للصحفي توني دايفر، أن مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، جوناثان باول، لعب دورا محوريا في إنشاء قناة خلفية سرية بين جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني MI6 وتنظيم هيئة تحرير الشام في سوريا، المصنف لسنوات كجماعة إرهابية محظورة في المملكة المتحدة.

وبحسب الصحيفة، جاء التكليف لباول عام 2023 أثناء عمله ضمن نشاط خيري، وبطلب مباشر من الاستخبارات البريطانية التي سعت لفتح قناة تواصل مع التنظيم قبل سقوط نظام بشار الأسد، في محاولة للتأثير على مستقبل الحكم في سوريا.

قناة سرية بين "MI6" وهيئة تحرير الشام
وفق تحقيق التلغراف، استعانت الاستخبارات البريطانية بباول لإنشاء قناة خلفية مع هيئة تحرير الشام، التي وصفها التقرير بأنها جماعة “جهادية عنيفة” ومتهمة بارتكاب جرائم حرب من قبل الأمم المتحدة. 

وأشارت الصحيفة إلى أن الهيئة، التي كانت جزءا من القاعدة قبل انفصالها عام 2017، تمكنت من الاستيلاء على السلطة في سوريا نهاية العام الماضي بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقا باسمه الجهادي “أبو محمد الجولاني”.

وقالت الصحيفة إن الشرع، الذي أصبح “الرئيس السوري” الواقع بحكم الأمر الواقع، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض الأسبوع الماضي في تحول غير مسبوق لمسار علاقات التنظيم مع الغرب.

قانون الإرهاب.. ومنفذ قانوني للاتصالات السرية
على الرغم من اعتبار الشرع “هدفا دبلوماسيا عالي القيمة”، لم يكن ممكنا لوزارة الخارجية البريطانية التواصل معه رسميا بسبب تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية. فالقانون البريطاني لمكافحة الإرهاب يحظر عقد أي اجتماع في أي مكان حول العالم مع عضو في تنظيم محظور، تحت طائلة عقوبة تصل إلى 14 عاما.

وقالت الصحيفة إن المسؤولين البريطانيين بحثوا عن منفذ قانوني يتيح التواصل، فاستعانوا بباول وبالمؤسسة التي يديرها "Inter Mediate"، الناشطة منذ 2012 في سوريا بغطاء العمل الإنساني وحل النزاعات. وبحسب التلغراف، حصل باول على استشارة قانونية “تجيز” له التواصل مع المتمردين السوريين نيابة عن المملكة المتحدة، استنادا إلى بند في قانون الإرهاب يسمح بإجراء “اتصالات حميدة حقا” لأغراض إنسانية أو لحفظ السلام.

وتلفت الصحيفة إلى أن هذا المسار القانوني صيغ أصلا لتمكين المنظمات الإنسانية من العمل في مناطق النزاع، ولم يكن الهدف منه استخدام الجمعيات الخيرية كقنوات سرية لأجهزة الاستخبارات.

محاولات لتحويل الهيئة إلى منظمة سياسية
تذكر التلغراف أن باول عمل مع دبلوماسيين غربيين، من بينهم السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد، لإقناع الشرع بالتخلي عن العنف والتحول إلى كيان سياسي شرعي.

وكشف فورد أن “منظمة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل النزاعات” رتبت له زيارة للشرع عام 2023 بهدف “إخراجه من عالم الإرهاب وإدخاله في السياسة الطبيعية”. وتبين لاحقا أن المنظمة هي "Inter Mediate" وأن باول نفسه كان يقف وراء الترتيبات.

ورغم أن الشرع رفض الاعتذار عن الهجمات التي نفذتها جماعته في سوريا والعراق بين 2017 و2024، أشار فورد إلى أنه “أقنع بتقديم تنازلات”، من بينها إعادة عقارات وأراض كان عناصره قد استولوا عليها.

دور "MI6" وتمهيد الطريق للعودة إلى سوريا
وقالت الصحيفة إن الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية ريتشارد مور٬ أكد العام الماضي أن بريطانيا “أقامت علاقة مع هيئة تحرير الشام قبل عام أو عامين من الإطاحة ببشار الأسد”، الأمر الذي مكن الدبلوماسيين البريطانيين من “العودة إلى سوريا خلال أسابيع” من تولي الشرع السلطة.

وتؤكد مصادر التلغراف أن منظمة "Inter Mediate" عملت بمثابة “ذراع غير رسمي” للمخابرات البريطانية في دمشق.

ومنذ استيلاء الشرع على الحكم، نسب إلى جهود "Inter Mediate" الفضل في “تهيئة الظروف” لزيارة وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد لامي إلى سوريا في تموز/يوليو الماضي، ليصبح أول وزير بريطاني يزور البلاد منذ 14 عاما.

رفع هيئة تحرير الشام عن قائمة الإرهاب
بحسب التقرير، رفعت المملكة المتحدة اسم هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية الشهر الماضي، في خطوة غير مسبوقة من حيث إلغاء تصنيف جماعة “قبل” أن تغير سلوكها بالكامل. وتقول الصحيفة إن هذه الخطوة ستسهل تعامل لندن المباشر مع الحكومة السورية الجديدة.

تضيف التلغراف أن باول يحتفظ بسجل طويل من الاتصالات السرية مع أنظمة وشخصيات مثيرة للجدل، من بينها مسؤولون من كوريا الشمالية، التقاهم عام 2015. 

كما كشفت رسائل بريد إلكتروني مسربة من “ويكيليكس” أن باول ناقش مشروعات "Inter Mediate" مع فريق هيلاري كلينتون عام 2012، قائلا إنه يسعى إلى “تكرار تجربة أيرلندا الشمالية عبر إنشاء قنوات سرية بين المتمردين والحكومات”.

وتشير الرسائل إلى اجتماعاته مع كلينتون، ونائب وزير الخارجية آنذاك بيل بيرنز (الذي أصبح لاحقا مدير الـCIA)، ومع جيك سوليفان الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن.

ترقية مثيرة للجدل وانتقادات سياسية
في 2014، عين باول مبعوثا بريطانيا خاصا إلى ليبيا، قبل أن تعينه حكومة العمال العام الماضي مبعوثا لنزاع جزر تشاغوس، وهي مهمة انتهت بخسارة بريطانيا سيادتها على الجزر ودفعها تعويضات بمليارات الجنيهات لموريشيوس.

وعقب ذلك، تمت ترقيته إلى منصب مستشار الأمن القومي. لكنه واجه انتقادات بعدما تبين أنه ترأس اجتماعا حول قضية تجسس صيني قبل انهيارها في أيلول/سبتمبر. ونفى مكتب رئيس الوزراء ضلوعه في قرار اعتبرته الصحيفة سببا في انهيار القضية.

مطالب بالكشف عن تفاصيل دوره السري
أثار الكشف عن دور باول في إنشاء قناة خلفية مع هيئة تحرير الشام تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية البريطانية. ودعا وزير الداخلية في حكومة الظل كريس فيلب إلى “مزيد من الشفافية” حول ارتباط باول السابق بالحكومة البريطانية.

وقال فيلب: “كان ينبغي الكشف عن هذا التواصل عند تعيينه مستشارا للأمن القومي. على الحكومة أن توضح ما إذا كان باول قد صرح بهذه المعلومات خلال عملية التدقيق”.

ورد متحدث باسم الحكومة قائلا: “كما هو متوقع من شخصية لديها مسيرة طويلة في السياسة الخارجية وحل النزاعات، فإن باول التقى مجموعة واسعة من المنظمات حول العالم”.