مدونات

"السكوت من ذهب"... كيف حولت الإمارات الحكمة إلى أداة قتل؟

"اختبار أخلاقي للعالم"- الأناضول
السكوت من ذهب.. عبارة كنا نرددها في لحظات الحكمة لنمنح الصمت وقارا وجلالا، حتى اكتشفنا أن الذهب نفسه هو ما يجعل العالم صامتا، فحين يُشترى الصمت بذهب ملوث بالدم، وحين يُباع الضمير في مزاد النفوذ؛ تتحول الحكمة إلى جريمة.

اليوم من دارفور إلى عدن ومن طرابلس إلى مقديشو، تترك الإمارات آثار أقدامها في كل رقعة ملتهبة، لا كصانعة سلام بل كقوة مالية تحرك الحروب وتشتري السكون الدولي بثمن مدفوع سلفا.

دارفور.. حين يُغسل الذهب بالدم

في غرب السودان الجبال تئن من الحفر والأرض تنزف معادنها، المليشيات التي ترفع شعار الكرامة تسلحها أبو ظبي، والقوافل التي تمر عبر إثيوبيا محملة بالعتاد ليست سوى شريان ذهبي للحرب.. كل طلقة تطلق هناك مدفوعة من الخزائن.

الإمارات لم تكتف بتمويل الحرب، هي أعادت تشكيل خريطة السودان نفسها، أنشأت قواعد في الصومال الشمالي لنقل الأسلحة، دفعت بإثيوبيا لتكون ممرا بريا ولوجستيا، دعمت مليشيا الدعم السريع لتفكيك الدولة المركزية.

الإمارات لم تكتف بتمويل الحرب، هي أعادت تشكيل خريطة السودان نفسها، أنشأت قواعد في الصومال الشمالي لنقل الأسلحة، دفعت بإثيوبيا لتكون ممرا بريا ولوجستيا، دعمت مليشيا الدعم السريع لتفكيك الدولة المركزية

هكذا صارت دارفور ليست معركة سودانية فقط، بل منجما مفتوحا على الطاولة الدولية، يتقاسمه رجال المال والسلاح بينما يُقتل أهله بصمت.

من اليمن إلى ليبيا.. إمبراطورية الظل

منذ سنوات بنت الإمارات دولة موازية داخل العالم العربي، دولة لا تحكمها الدساتير بل الصفقات، ولا تحركها القيم بل الأرباح.. في اليمن حوّلت موانئ الجنوب إلى ثكنات ودعمت فصائل تمزق البلاد باسم التحرير، في ليبيا سلّحت المليشيات ومولت الانقلابات، وفي القرن الأفريقي اشترت الموانئ والجزر وأقامت قواعد عسكرية تحت راية الاستثمار.

كل ذلك ليس حبا بالهيمنة فقط بل خوفا من المستقبل. فالإمارات الصغيرة في المساحة الكبيرة في المال، تخشى أن ينقلب المال إلى هشيم إذا لم تثبت لنفسها موطئا في كل نزاع محتمل، هكذا قررت أن تصنع حروبها الخاصة لتضمن بقاءها

كيف يشتري الذهب صمت العالم؟

السؤال الأخطر ليس لماذا تفعل الإمارات ذلك؟ بل لماذا يسمح لها العالم أن يفعله؟! الإجابة مختبئة في خزائن البنوك الغربية وفي العقارات التي تمتد من لندن إلى باريس، وفي الاستثمارات التي تغرق الأسواق والشركات الكبرى، الإمارات لم تعد دولة فقط بل صندوق سيادي يملكه العالم نفسه، هي شريك في شركات السلاح التي تبيع الموت، وممول في الإعلام الذي يغسل الصور، ومستثمر في مراكز الفكر التي تكتب تقارير الاستقرار، كل من يفترض أن يدينها مدين لها، ولهذا يصمت الجميع لأنهم يأكلون من المائدة ذاتها.

مصر.. الاحتلال الناعم باسم الاستثمار
الأخطر من صمت العالم هو صمت أم الدنيا.. الأخت الكبرى، فمصر التي كانت يوما قلب العروبة النابض، أصبحت اليوم رهينة لمشروعات وهمية وأموال تغزو أرضها باسم الاستثمار

لكن الأخطر من صمت العالم هو صمت أم الدنيا.. الأخت الكبرى، فمصر التي كانت يوما قلب العروبة النابض، أصبحت اليوم رهينة لمشروعات وهمية وأموال تغزو أرضها باسم الاستثمار، اشترت الإمارات الموانئ والمستشفيات والبنوك، تملكت الأراضي في الشرق والغرب، واستحوذت على مفاصل الاقتصاد حتى لم يعد القرار الاقتصادي مصريا، بل مرهونا بتوقيع مستثمر من أبو ظبي.

ومع كل صفقة فقدت مصر شيئا من سيادتها، ومع كل قرض مموه بالمساعدات تراجع صوتها أكثر، حتى صارت عاجزة عن حماية حدودها الجنوبية، تراقب ما يحدث في دارفور من بعيد، كمن يرى النار تقترب من بيته وهو لا يملك ماء ولا صوتا.

ذلك ليس استثمارا بل احتلال ناعم مكتمل الأركان؛ استبدل الدبابات بالعقود والمعسكرات بالشركات، حتى أصبحت القاهرة نفسها أسيرة الممول الذي يدعي الصداقة بينما ينهشها في الخفاء.

شعب السودان في مرآة الجريمة

في دارفور يُدفن الناس في الرمال وتُنهب الأرض ببطء ودقة، النساء يُغتصبن باسم الأمن، والأطفال يتعلمون الخوف قبل اللغة، لكن خلف هذا المشهد الإنساني المروع، يقف تاجر أنيق في أبو ظبي يعد الأرباح من الذهب الخام.

إنها ليست حربا أهلية بل جريمة اقتصادية في ثوب عسكري، حرب تمولها الشركات وتغطيها الدبلوماسية، ويسوقها الإعلام كصراع داخلي بينما هي عملية نهب منظم لثروات القارة السمراء.

العالم الحر في اختبار الذهب

إن ما يجري اليوم اختبار أخلاقي للعالم؛ هل ما زالت العدالة قيمة قائمة أم أصبحت سلعة تُقاس بالأوقية، كلما ازداد الصمت ازداد بريق الذهب، وكلما لمع الذهب أكثر بهتت ملامح الإنسانية؟

لقد اشترت الإمارات سكوت العالم، لكنها لم تشتر نسيان الشعوب، فالأمم التي تُبنى على الدم لا تدوم، والذهب الذي يُغسل بالدماء لا يلمع طويلا بل يصدأ في التاريخ.

ختاما..

السكوت من ذهب نعم، لكنه ليس الذهب الإماراتي الذي سُبك في أفران الحروب، ورُصع بأوجاع السودان واليمن وليبيا وغزة وختم بوسم عار العرب. فهل سيأتي يوم تُكسر فيه سبائك الصمت تلك، ويُسأل العالم كم كان ثمن سكوتكم، وكم روحا بيعت مقابل صفقة واحدة من ذهب دارفور؟