مدونات

القوة ليست برد الفعل بل بالحكمة: لغة العالم الإسلامي الجديدة

"كشفت مأساة فلسطين وصمت العالم عن ازدواجيةٍ صارخة في معايير العدالة"- جيتي
يقف العالم اليوم على مفترق طرق تتغيّر فيه معايير القوة؛ لم تعد القوة في السيف ولا في الصوت المرتفع، بل في الكلمة والبصيرة. ضوضاء السياسة القديمة التي اعتمدت على الشعارات والانفعال تتراجع، لتحلّ مكانها قوة التفكير والعقل الهادئ. العالم الإسلامي، الذي مرّ بجراح واختبارات طويلة، يقف الآن على أعتاب نهضة فكرية جديدة؛ نهضة تُحوّل الغضب إلى وعي، وردود الفعل إلى رؤية.

لقد كشفت مأساة فلسطين وصمت العالم عن ازدواجيةٍ صارخة في معايير العدالة، لكنّ الرد هذه المرّة لم يكن صراخا فقط، بل مقاومة فكرية وصحوة وعي تتشكّل داخل الأجيال الجديدة. لم يعد الشاب المسلم يكتفي بالصوت، بل بات يسأل ويبحث ويفكك الروايات المضللة بثقة ووعي.

في الخليج، اختارت القيادات نهجا جديدا يقوم على القوة الاقتصادية والدبلوماسية الهادئة وبناء النفوذ المتدرج. المملكة العربية السعودية الإمارات وقطر، وكذلك تركيا، تتقدّم بخطى ثابتة، دون انحياز مطلق أو خصومة دائمة،
لم تعد المعارك اليوم دبابات وحديدا فقط، بل حرب روايات وتشكيل وعي، ومن يمتلك القدرة على صياغة الخطاب يمتلك مفاتيح التأثير
بل بموازنة دقيقة تحكمها المصالح الوطنية والرؤية المستقبلية. هذه ليست ضعفا، بل نضجا سياسيا وقدرة على اختيار اللحظة المناسبة.

وفي جنوب آسيا، تتحرك باكستان نحو سياسة خارجية متوازنة، لا تصطدم دون حساب ولا تتبع دون وعي؛ بل توازنٌ قائم على احترام السيادة والكرامة الوطنية. إنه وعي سياسي جديد يدرك أن التاريخ تصنعه العقول الهادئة لا الانفعالات.

لم تعد المعارك اليوم دبابات وحديدا فقط، بل حرب روايات وتشكيل وعي، ومن يمتلك القدرة على صياغة الخطاب يمتلك مفاتيح التأثير. بدأ العالم الإسلامي يتحرر من الخطاب المستعار ليبني لغته الخاصة، المرتبطة بهويته ورؤيته.

إن هذه اللحظة تحمل فرصة نادرة: تحويل العاطفة إلى رؤية، والحماسة إلى تخطيط. فالتاريخ لا يخلّد من يصرخ، بل من يصبر ويفكر ويصنع خياراته بهدوء وقوة. إننا لا ننسحب من ساحات الصراع، بل نعيد تعريف قواعده. نحن لا نرد على العالم، نحن نشارك في إعادة تشكيله.

هذه صحوة هادئة، ولكن أثرها سيُسمَع في الزمن. القوة الحقيقية اليوم ليست في الانفعال، بل في الحكمة والتوازن والقدرة على اختيار التوقيت. هذه هي لغتنا الجديدة في عالم يتغير؛ لغة وضوح، وتعقّل، وثبات.