ملفات وتقارير

علامات استفهام حول مستقبل الاستثمارات السعودية والإماراتية في مصر

وزير السياحة السعودي: لم نقرر بعد الاستثمار في البحر الأحمر المصري - الأناضول
أثار تصريح لوزير سعودي حول استثمارات بلاده في مصر الأحد الماضي، إلى جانب قرار من البنك المركزي المصري الثلاثاء الماضي بحق أكبر بنك إماراتي عامل في البلاد، علامات استفهام واسعة حول مستقبل الاستثمارات السعودية والإماراتية في ثاني أكبر اقتصاد أفريقي، وثالث أكبر اقتصاد عربي.

وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب، وفي معرض حديثه عن استثمارات بلاده استعدادا لكأس العالم 2034، قال إنها "تركز على إضافة المزيد من المساحات الفندقية المحلية"، وبينها "مشروعات على شواطئ البحر الأحمر لديها، مؤكدا أنها "لم تقرر بعد ما إذا كانت ستستثمر في منطقة مطلة على البحر الأحمر في مصر".

خبراء، أكدوا أن حديث الخطيب، بأن الاستثمار السعودي بالساحل الغربي للبحر الأحمر في مصر لم يعد من أولويات الرياض، له أثر سلبي على قطاع مصري شهد انتعاشا بصفقة "رأس الحكمة"، مع الإمارات شباط/ فبراير 2024، وما تلاها بساحلي المتوسط والأحمر، وكان للسعودية وقطر نصيب منها.

وفي نيسان/ أبريل 2024، تقدمت مجموعة "عجلان" السعودية، بعرض للحكومة المصرية لاستثمار 5.1 مليار دولار، بمنطقة "رأس جميلة" الساحلية قرب مدينة شرم الشيخ على البحر الأحمر، لإنشاء 10 فنادق تضم 3 آلاف غرفة فندقية.

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أُعلن عن مشروع "مراسي ريد" السياحي بمساحة  10.2 مليون متر مربع بـ"خليج سوما" بالساحل الغربي للبحر الأحمر بشراكة بين شركة "سيتي ستارز" للسعوديين حسن شربتلي، وفهد الشبكشي، و"إعمار" الإماراتية، باستثمارات 900 مليار جنيه (20 مليار دولار).

أولوية كأس العالم أم خلاف سياسي؟
وبينما يرى مراقبون للمشهد المصري السعودي أن وقف مشروعات السعودية السياحية واستثماراتها المعلن عنها سابقا بمصر أو تأجيلها، يأتي للتركيز على إنشاءاتها السياحية الداخلية استعدادا لكأس العالم، يعتقد آخرون أن للأمر جوانب سياسية.

وأشاروا إلى تغبر في الأجواء السياسية الفترة الماضية بين القاهرة والرياض، ملمحين إلى غياب ولي العهد محمد بن سلمان، عن قمة "شرم الشيخ"، لأجل غزة، والتي حضرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، 13 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

وتحدث البعض عن وجود أزمات عميقة وخلافات في ملف غزة، وغيرها، مستندين في رؤيتهم إلى ما أطلقه رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، من تصريحات حملت انتقادات لاذعة، عبر "بودكاست"، 16 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، فُهمت أنها موجهة لمصر.



وأشاروا إلى أن القاهرة في المقابل، ردت عليه بظهور زوجة آل الشيخ السابقة المطربة آمال ماهر، والممثل محمد سلام، الذي انتقد إقامة موسم الرياض أثناء حرب غزة، في احتفالية كبيرة في العاصمة الإدارية حضرها السيسي، السبت الماضي.




نقاط الخلاف
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أرجع السياسي المصري محيي عيسى، انسحاب السعودية من مشروع استثماري كبير في مصر "رأس جميلة"، بعد خلاف متصاعد بين البلدين وحرب كلامية إعلامية، إلى عدة أزمات بين مصر والسعودية.

وأشار إلى خلاف بينهما حول تسليم جزيرتي "تيران وصنافير"، ووضع قطاع غزة، وبقاء حركة المقاومة الإسلامية حماس، ونزع سلاح المقاومة، وحول وجود قوات عربية تقودها مصر في القطاع، إلى جانب ملف الحرب في السودان، وأزمة مياه النيل بين مصر وإثيوبيا، ملمحا إلى خلاف الإمارات أيضا مع مصر في الملفات الثلاثة.



غرامة على بنك إماراتي
وفي سابقة بعلاقات مصر والإمارات الاقتصادية، فرض البنك المركزي المصري، الثلاثاء الماضي، غرامة مالية مليار جنيه (21 مليون دولار) على بنك (أبوظبي الأول– مصر)، ثالث أكبر بنك أجنبي بالسوق المحلية، فيما تعادل الغرامة 4 بالمئة من صافي أرباح البنك العام الماضي، والبالغ 3.26 مليار جنيه.

القرار الذي أثار جدلا بالسوق المصرية وأثر على البورصة المحلية، جاء نتيجة لمخالفة البنك القواعد المنظمة لمنح التسهيلات الائتمانية لشركة (بلتون القابضة) التابعة لمجموعة (شيميرا) الإماراتية، واستخدام التسهيلات لغير الغرض المخصص، بحسب "بلومبيرغ".

كما قرر المركزي المصري أيضا، إقالة رئيس قطاع المخاطر في (أبوظبي الأول– مصر)، إلى جانب الغرامة المالية التي تُعد الأكبر بتاريخ الجهاز المصرفي، وسط توقعات بإقالة مسؤولين آخرين.

البنك الإماراتي أكد في بيان الأربعاء، التزامه بكافة القوانين واللوائح الصادرة عن المركزي المصري، والتعاون الكامل مع الجهات الرقابية، ما رأى فيه البعض اعترافا من البنك بالمخالفات الجسيمة، وإقرارا رسميا بها.

مشهد معقد
المشهد وفق مراقبين، معقد، ويدعو للتساؤلات حول أسباب قرار البنك المركزي بهذه القيمة الكبيرة بحق بنك إماراتي، منحته السلطات المصرية تسهيلات وامتيازات استحوذ من خلالها على عدة صفقات وتوسع كثيرا بالأعوام الماضية.

"أبوظبي الأول"، استحوذ على بنك "عودة مصر"، وأصبح ثالث أكبر بنك أجنبي بالبلاد بـ72 فرعا، فيما جرى الكشف عن آخر عملياته التوسعية الثلاثاء الماضي، حيث تشير تقارير إلى سعيه للاستحواذ على محفظة الأفراد ببنك "HSBC" مصر.

كذلك وفي السياق، فإن القرار المصري يمس إحدى المؤسسات المملوكة بنسبة أغلبية لشقيق رئيس الإمارات محمد بن زايد، صاحب العلاقات الواسعة مع رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وداعمه الأول في مشهد 2013.

"بلتون" القابضة، المستفيدة من التسهيلات الائتمانية محل المخالفة، إحدى أكبر المؤسسات المالية بمصر، وتضم 18 شركة، وتستحوذ شركة "شيميرا الإماراتية" المملوكة لطحنون بن زايد، على 56 بالمئة من أسهمها.

الشركة التي تأسست عام 2006، وطرحت أسهمها بالبورصة عام 2008، وتعود نسبة27  .7 بالمئة منها لشركة "أكت فايننشال"، و5.05 لرجل الأعمال المصري أحمد أبوهشيمة، شهدت نموا وزيادتين برأسمالها في 2023، و2025، جمعت خلالهما 20 مليار جنيه، آخرها نيسان/ أبريل الماضي بقيمة 5.10 مليار جنيه.

وارتفعت إيراداتها إلى 8.2 مليار جنيه، بالربع الأول من 2025، مقارنة بـ3.1 مليار جنيه في نفس الفترة من 2024، وتبلغ محفظة قروضها 4.22 مليار جنيه حتى تموز/ يونيو الماضي.

وفي أول رد فعل من الشركة، قالت الأربعاء، إنها لم ترتكب أي مخالفات، فيما أغلقت أسهمها بتعاملات البورصة المحلية، الأربعاء، على تراجع 3.1 عند 09.3 جنيه للسهم من 4.15 جنيه.

وعقب غرامة المليار جنيه على بنك "أبوظبي الأول– مصر" بسبب مخالفات تمويلة مع "بلتون"، قرر البنك المركزي المصري، تغريم "بنك الكويت الوطني- مصر"، نحو 170 مليون جنيه بسبب "بلتون"، وتغريم بنك "SAIB"، بقيمة أقل.

عدد من المصرفيين أكدوا لنشرة "إنتربرايز"، أن حجم الغرامة التي وصفت بأنها "الأضخم في تاريخ القطاع المصرفي"، يبعث رسالة قوية وواضحة للقطاع المصرفي، فيما أوضحت شركة "الأهلي فاروس"، أن الغرامة "إشارة على تشديد الرقابة المصرفية"، مرجحة "تقييد خطط الشركة التوسعية".

وكشف مصدر مُطلع، لموقع "مدى مصر" أن "بلتون" استخدمت الائتمان الممنوح لها في زيادة رأس مالها التي جرت نيسان/ أبريل الماضي، والذي لم يكن الغرض المُخصص له الائتمان الذي حصلت عليه من البنوك، آنذاك، لافتا إلى أن العقوبة أول تطبيق للمادة (104) من قانون البنك المركزي (رقم 194 لسنة 2020"، متوقعا نظر هيئة الرقابة المالية في مخالفة "بلتون"، الخاضعة لإشرافها.

جدل الوزيرة السابقة
قرار البنك المركزي تغريم البنوك الثلاثة يثير علامات الاستفهام حول ماهية تلك المخالفات ونوعيتها وعلاقتها بالمؤسسات الحكومية، خاصة وأن وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد زوجة محافظ البنك المركزي الأسبق طارق عامر، تتولى منصب الرئيس التنفيذي لـ"بلتون"، منذ آب/ أغسطس 2022، وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، جرى انتخابها مجددا لمدة 3 سنوات.

خورشيد، أحد أذرع الأجهزة السياسية في قطاع المال والاقتصاد عبر شركة "إيجل كابيتال" للاستثمارات المالية المملوكة لجهاز المخابرات، والتي كانت تسيطر على سوق الإعلام والدراما بمصر، تشير استجوابات قدمها أعضاء بمجلس النواب المصري، إلى تورطها في عمليات فساد مالي وإداري والحصول على عمولات ورشا، في قضايا تم التكتم عليها.

وهنا يثار التساؤل: كيف تؤثر تلك الواقعة على علاقات مصر والإمارات الاستثمارية؟، وإلى أين تسير علاقات القاهرة والرياض الاقتصادية بعد تصريح الوزير السعودي؟.

دخول مؤسسي وانتقائي
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور علي شيخون: "تصريح وزير السياحة السعودي لا يُفهم بوصفه تراجعا عن الاستثمار في مصر، بل يعكس تحولا في منهج إدارة الاستثمارات السعودية، يقوم على التركيز على المشاريع ذات العائد الاستراتيجي والجدوى المؤسسية الواضحة".

مستشار التطوير المالي والإداري، وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "السعودية اليوم تُعيد توجيه استثماراتها وفق أولويات رؤية 2030، مع ميل نحو الداخل وتركيز على القطاعات ذات الأثر الإنتاجي المستدام".

ويعتقد أن "هذا التريث في القرار الاستثماري الخارجي يعكس نضجا في السياسة المالية السعودية، وانتقالها من الاستثمارات الرمزية أو السياسية إلى الاستثمارات الاقتصادية المحسوبة التي تراعي المخاطر السيادية والتقلبات النقدية في الأسواق المستقبلة".

وأوضح أن "مصر بالنسبة للرياض تبقى سوقا استراتيجية مهمة، لكن الدخول المستقبلي سيكون مؤسسيا وانتقائيا عبر الصندوق السيادي السعودي وشركات البنية التحتية والطاقة".

إجراء تنظيمي وأبعاد مزدوجة
ويعتقد شيخون ، "قرار البنك المركزي المصري بفرض غرامة على بنك إماراتي كبير هو إجراء تنظيمي له أبعاد مزدوجة"، مشيرا أنه "داخليا يؤكد حرص البنك المركزي المصري على ضبط قواعد الإقراض والشفافية المصرفية في ظل ضغوط مالية معقدة".

و"خارجيا يحمل رسالة بأن القانون يُطبّق على الجميع بلا استثناء، حتى على المؤسسات الخليجية الكبرى، في خطوة تهدف لتعزيز الثقة المؤسسية أكثر من كونها إجراء عقابيا أو سياسيا".

ويرى أنه "من غير المتوقع أن يؤثر القرار جوهريا على العلاقات المصرفية المصرية–الإماراتية، نظرا لكون التعاون بين الجانبين قائما على مستويات سيادية، لا تجارية فحسب".

توجه جديد بالاستثمار الخليجي
الخبير المصري، خلص للقول إن "ما يجمع بين الواقعتين هو أنهما تعبّران عن مرحلة إعادة تموضع اقتصادي خليجي أكثر عقلانية في السوق المصرية".

وقال إن "السعودية والإمارات تتجهان حاليا نحو الاستثمار في القطاعات ذات العائد الطويل والاستقرار المرتفع مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر؛ الموانئ والخدمات اللوجستية؛ الخدمات المالية الرقمية والتقنيات المصرفية (Fintech)".

وبين أن "هذا التوجه تؤكده تحركات صناديق الثروة السيادية الخليجية وشيميرا منذ 2023، إذ تُفضّل الأصول الإنتاجية والبنية التحتية على الاستحواذات قصيرة الأجل أو العقارات، لما تمنحه من تحكم استراتيجي في سلاسل الإمداد والطاقة والتجارة الإقليمية".

النظرة المستقبلية
وفي رؤيته المستقبلية يعتقد شيخون، أن "العلاقات الاقتصادية بين مصر والسعودية والإمارات لن تتراجع، لكنها ستتغيّر في طبيعتها من ضخّ مالي سريع إلى شراكات مؤسسية طويلة الأمد".

و"من المجاملات السياسية إلى حسابات استثمارية دقيقة قائمة على الشفافية والحوكمة؛ ومن التركيز على الأصول الجاهزة إلى المشروعات التحويلية ذات القيمة المضافة".

الاستثمارات وصفقات الاستحواذ
تُعد الإمارات أكبر مستثمر عربي في مصر، وشهدت استثماراتها قفزة هائلة بفضل صفقة "رأس الحكمة"، وتبلغ إجمالي الاستثمارات 21.8  مليار دولار  في شباط/ فبراير 2025, وفقا لإحصاءات "جهاز التمثيل التجاري" المصري، فيما بلغت تدفقات الاستثمار بالنصف الأول من (2024/2025)، 2.2 مليار دولار، بحسب "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء".

وتُعتبر السعودية من الشركاء التجاريين والاستثماريين الرئيسيين لمصر، بإجمالي استثمارات تبلغ نحو 25 مليار دولار، وفقا لتصريح وزير الاستثمار المصري حسن الخطيب 6 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

وخلال السنوات الماضية حصلت الإمارات على استحواذات كثيرة على شركات خاصة، وأصول عامة، وأراضي استراتيجية، وعقود انتفاع لمرافق حيوية، بينها موانئ مصرية عديدة، فيما تظل أهم الصفقات أرض "رأس الحكمة"، بالساحل الشمالي.

وفي نيسان/ أبريل 2022، استحوذت القابضة (ADQ) الإماراتية، على حصص أقلية بـ 5شركات مملوكة للدولة بقيمة 8.1 مليار دولار، هي: البنك التجاري الدولي، و"فوري"، و"أبوقير" و"موبكو" للأسمدة، و"الإسكندرية لتداول الحاويات".

وعبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي، استحوذت الرياض في آب/ أغسطس 2022 ، على حصص بـ4 شركات حكومية، بقيمة 3.1 مليار دولار، هي: "أبوقير" و"موبكو" للأسمدة، "الإسكندرية لتداول الحاويات"، و"إي فاينانس".