تجري الحكومة
اليمنية المعترف بها دوليا نقاشات متواصلة مع صندوق
النقد الدولي، في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الأولى تزامنا مع مساعيها استعادة الإيرادات الحكومية وأزمة رواتب الموظفين العموميين.
فبعد أيام من نقاشات جرت بين الحكومة وبعثة صندوق النقد الدولي في العاصمة الأردنية، التقى محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، أحمد المعبقي، في واشنطن بممثل المجموعة العربية ودول المالديف في صندوق النقد الدولي، الدكتور محمد معيط، لبحث آخر مستجدات الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية في اليمن.
وذكرت وكالة " سبأ" الحكومية أن اللقاء شدد على ضرورة تعزيز أوجه التعاون والتنسيق المشترك بين اليمن وصندوق النقد، للحفاظ على النتائج الإيجابية المحققة على صعيد التحسّن والاستقرار الاقتصادي.
وأشارت إلى أهمية دعم صندوق النقد الدولي للجهود الحكومية المبذولة حالياً لمواصلة تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
عودة الثقة
وكان رئيس الوزراء اليمني سالم بن بريك، قد أعلن في الأيام الماضية عن "مشاورات جرت مع صندوق النقد الدولي بعد انقطاع دام 11 عاما".
وقال بن بريك إن هذه المشاورات خطوة تعكس "عودة الثقة الدولية بالحكومة اليمنية و بالنهج الإصلاحي الذي تنفذه رغم التحديات، واصرارنا على تصحيح الاختلالات واستعادة الاستقرار المالي والنقدي"، مشيرا على أنها محطة جديدة على طريق التعافي الاقتصادي، واستعادة مكانة اليمن في محيطه الإقليمي والدولي.
وبحسب رئيس الحكومة اليمنية فإن هذه المشاورات ليست مجرد تقييم اقتصادي، بل شهادة ثقة بقدرة الدولة على التعافي، ورسالة بأن "اليمن ماضٍ في طريق الإصلاح والشراكة مع المؤسسات الدولية"، مؤكدا على "مواصلة العمل بروح مسؤولة من أجل وطن يتعافى، وإثبات قدرة مؤسسات الدولة على النهوض من جديد.
اختبار للحكومة وبنكها المركزي
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي والمالي، وحيد الفودعي إنه يمكن وضع هذه المشاورات في سياق إعادة تطبيع العلاقة بين اليمن وصندوق النقد الدولي بعد انقطاع طويل دام أحد عشر عامًا، وهو "تطور يعكس عودة تدريجية للثقة المؤسسية في قدرة الحكومة على إدارة الملفات الاقتصادية وفق معايير الشفافية والانضباط المالي والنقدي".
وأضاف الفودعي لـ"عربي21" أن المشاورات ليست اتفاقًا تمويليًا بالمعنى المباشر، وإنما تشاور دوري فني تُجريه بعثات الصندوق مع الدول الأعضاء ضمن ما يُعرف بمشاورات المادة الرابعة، بهدف تقييم السياسات الاقتصادية الكلية وتقديم توصيات للإصلاح والاستقرار.
وأشار الخبير اليمني إلى أن هذه الجولة تمثّل اختبارًا لقدرة الحكومة وبنكها المركزي على التقدّم في مسار الإصلاحات واستعادة الثقة المحلية والدولية، لا سيّما بعد الإجراءات الأخيرة المتعلقة بسعر الصرف والرقابة المصرفية وتشكيل لجنة تنظيم وتمويل الاستيراد.
وأوضح أن البيان الختامي لبعثة الصندوق جاء متوازنًا...إذ أشار بوضوح إلى التحديات الهيكلية التي تواجه اليمن، لكنه في الوقت ذاته أبدى ترحيبًا حذرًا بالإصلاحات الجارية و بالتفاعل المؤسسي الجديد مع المؤسسات المالية الدولية.
وقال : "شخصيًا أراها إصلاحات نقدية فقط، من دون أي إصلاحات مالية تخص المالية العامة".
وبحسب الخبير الاقتصادي والمالي اليمني فإنه يمكن النظر إلى هذه المفاوضات كخطوة تمهيدية نحو شراكة أوسع في المستقبل، لكنها مشروطة بمدى التزام الحكومة بمواصلة الإصلاح المالي واستمرار الإصلاح النقدي وتعزيز الحوكمة والشفافية، وهو ما سيُحدّد ما إذا كانت هذه العودة ستتحوّل إلى دعم فعلي وبرامج تمويل لاحقة.
أزمة حادة وضعف كبير
وكانت بعثة صندوق النقد الدولي قد أصدرت بيانا الأسبوع الماضي، أكدت فيه أن سنوات من الحرب تركت اليمن واحدا من أكثر بلدان العالم هشاشة، حيث يواجه أزمة إنسانية حادة وضعف كبير في الاقتصاد الكلي.
وأضافت أنه على مدار العقد الماضي، انكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنحو 27 بالمئة وتراجع متوسط دخل الفرد، وأدى انخفاض قيمة العملة والتضخم إلى كبح الدخول الحقيقية.
وقالت إنه وبعد أن أوقفت هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية صادرات النفط في عام 2022، أصبح اليمن مستوردا للنفط. وتُصنف الأزمة الإنسانية في اليمن من بين أسوأ الأزمات في العالم، حيث يحتاج أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
وتابعت بأن النزاع الدائر تسبب في انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع، ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة، وتفشي الأمراض، ونزوح جماعي للأسر، مما ترك الأطفال على وجه الخصوص معرضين للخطر. وعلى الرغم من تقديم المنظمات الدولية والشركاء الثنائيين للمساعدات، إلا أن حجم الأزمة يفوق الموارد المتاحة.
ووفق البيان فإن الأوضاع المالية للحكومة ومواقفها الخارجية تدهورت بشكل حاد خلال الفترة نفسها، حيث انخفضت الإيرادات الحكومية من 22.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 إلى أقل من 12% في عام 2024، بينما ارتفع الدين العام إلى أكثر من نسبة 100% من إجمالي الناتج المحلي للمناطق المحررة، وتراكمت المتأخرات المستحقة لمعظم الدائنين الخارجيين.
وبالتوازي مع ذلك، توسع عجز الحساب الجاري من 2.1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 إلى ما يقرب من 11 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2024، وانخفضت تغطية الاحتياطيات الدولية انخفاضا كبيرا إلى أقل من شهر واحد من الواردات - على الرغم من الدعم المالي الكبير المقدم من المملكة العربية السعودية والذي بلغ مجموعه حوالي 2 مليار دولار خلال الفترة 2023-2024، بحسب ما ورد في بيان بعثة صندوق النقد الدولي.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت السعودية، تقديم دعم مالي جديد لليمن بربع مليار دولار لدعم الاستقرار الاقتصادي والموازنة العامة للدولة.
وقال بيان صادر عن الخارجية السعودية: "تعلن المملكة العربية السعودية عن تقديم دعمٍ اقتصاديٍّ تنمويٍّ جديد للجمهورية اليمنية بمبلغ مليار وثلاثمائة وثمانون مليوناً ومائتان وخمسون ألف ريال سعودي عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن".
ويشمل الدعم وفقاً للبيان، دعم موازنة الحكومة، والمشتقات النفطية، والميزانية التشغيلية لمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن، وفقاً لحوكمة تدعم جهود الحكومة اليمنية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
ويأتي هذا الدعم السعودي للحكومة اليمنية المعترف بها، في وقت تواجه صعوبات اقتصادية ومالية بسبب تراجع إيرادات النفط التي تشكل 70 بالمئة من إيرادات البلاد.
ويعاني الموظفون العموميون في عدن ومناطق إدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من عدمَ تسلّم رواتبهم منذ أربعة أشهر وسط استياء وسخط من عملية تأخير صرفها في ظل وضع معيشي متردٍّ يطاول جميع المواطنين.
وفي التاسع من الشهر الجاري، أعلنت الحكومة بدء صرف الرواتب المتأخرة لموظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري وفق خطة مالية وإدارية شاملة يجري تنفيذها بإشراف مباشر من رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك، وبالتنسيق بين وزارة المالية والبنك المركزي اليمني والجهات ذات العلاقة والقطاع المصرفي المحلي.
وأكدت الحكومة أنها تعمل حالياً وبالتنسيق مع البنك المركزي اليمني على خطة متكاملة لضمان انتظام صرف الرواتب شهرياً، وتصفية كل الأشهر المتأخرة تدريجياً، بالتوازي مع إصلاحات مالية وهيكلية تهدف إلى تحقيق الاستدامة في تمويل الرواتب وتحسين أوضاع العاملين في الدولة.
وبحسب مراقبين فإن تأخر الحكومة في دفع رواتب الموظفين للشهر الرابع، يعد "مؤشرا خطيرا على تفاقم عجز المالية العامة للدولة، وضعف سيطرة الحكومة على الموارد المحلية، خصوصاً أن هذه الأزمة تأتي لأول مرة منذ توقف الصادرات النفطية في أكتوبر 2022، وهو ما يعني أن هذا العجز المالي هو مضاعفات خطرة لفجوة الموارد التي تعاني منها الحكومة وتوقف الصادرات النفطية.
وشهدت العملة المحلية خلال الأشهر القليلة الماضية تحسنا كبيرا في قيمتها أمام العملات الأجنبية، حيث وصل سعر الدولار الواحد إلى 1617 ريالا، بعدما قاربت قيمته 3000 ريالا يمنيا لكل دولار.