نشر موقع "ذا هيل" الأمريكي
تقريرًا تناول فيه القيود المفروضة على حرية التعبير في مهرجان
الرياض للكوميديا، مبينًا كيف تحوّل حدث ترفيهي إلى أداة لتلميع صورة النظام السعودي.
وأفاد الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، أن الممثل الكوميدي الأمريكي تيم ديلون كان على دراية بالقواعد حين قبل دعوة للمشاركة في مهرجان الرياض للكوميديا، الذي يُقام في
السعودية بين 26 أيلول/ سبتمبر و9 تشرين الأول/ أكتوبر، مقابل أجر يُقدّر بـ375 ألف دولار.
وأوضح الموقع أن ديلون، إلى جانب مجموعة من أبرز نجوم
الكوميديا الذين وافقوا على المشاركة - من بينهم ديف شابيل وبيت ديفيدسون وكيفن هارت وبيل بور ولويس سي. كيه - كان عليهم الالتزام بـ"قيود المحتوى" التي تفرضها الحكومة السعودية على النكات، والتي تحظر أي مادة فكاهية قد تُسبب "إحراجًا" للبلاد أو للعائلة المالكة.
وأضاف الموقع أن تيم ديلون انتهك قواعد الرقابة الذاتية حين سخر من اعتماد السعودية على العاملات المنزليات المهاجرات اللواتي يعملن في ظروف أشبه بالعبودية. وقال ساخرًا في دفاع هزلي عن هذا الواقع: "العبيد يعملون بجد، وغالبًا ما يكونون متطيعون". لذا، لم يكن مستغربًا أن يتم طرده لاحقًا من مهرجان الرياض للكوميديا، أليس كذلك؟
في الواقع، كان الأمر مفاجئًا، لأن ديلون أطلق هذه النكتة قبل بدء المهرجان، ولم يكن حتى في السعودية، بل في الولايات المتحدة، خلال ظهوره في بودكاست جو روغن. لكن الحكومة السعودية كانت على ما يبدو تتوقع، مقابل الأجر السخي الذي حصل عليه، أن يفرض على نفسه الرقابة حتى وهو في أمريكا. قال مدير أعماله للكوميدي: "لقد سمعوا ما قلته عن امتلاكهم للعبيد، ولم يعجبهم ذلك".
أما الفنانون الذين رفضوا الدعوات للمشاركة في المهرجان، فقد فعلوا ذلك في الغالب بدافع أخلاقي، بعضهم أشار إلى منفذي هجمات 11 أيلول/ سبتمبر السعوديين، وإلى مصير الصحفي جمال خاشقجي الذي قُتل ومُزق جثمانه في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 بعد أن رفض فرض الرقابة على نفسه. وقال الكوميدي شين غيليس، على سبيل المثال، إنه رفض "حقيبة مالية ضخمة" مقابل الأداء، مضيفًا: "اتخذت موقفًا مبدئيًا، لكنك لا تقوم بـ11 أيلول/ سبتمبر لأصدقائك".
أما بالنسبة لبعض الكوميديين الآخرين، فالأمر كان ببساطة: "أرِني المال"، واقتنع بيت ديفيدسون، الذي قُتل والده الإطفائي في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، بالعرض المالي، مضيفًا: "رأيت خط الرحلة ثم الرقم، فقلت لنفسي: سأذهب". أما الكوميدي جيم جيفريز فبرر مشاركته بالقول: "قُتل صحفي واحد على يد الحكومة السعودية - أمر مؤسف، لكنه ليس الجبل الذي سأموت عليه".
وأشار الموقع إلى أن نجوم دوري كرة القدم الأمريكية سيشاركون قريبًا في بطولة علمية تُقام في السعودية، وأن لاعبي الغولف الأمريكيين سبق أن وقعوا عقودًا للمشاركة في بطولة "ليف" السعودية المنافسة لجولة الـ"بطولة الغولف"، كما أبرمت دار الأوبرا المتروبوليتان اتفاقًا لتكون الفرقة المقيمة شتاءً في دار الأوبرا الملكية الجديدة بالدرعية. فَلِمَ لا يحصل الكوميديون أيضًا على نصيبهم من الأموال السعودية؟
لكن إلى جانب استقطابها للمواهب الرياضية والترفيهية الهائلة، تشتري السعودية من خلال ذلك الاحترام الدولي وتصرف الأنظار عن انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان، التي لم تنتهِ بمقتل خاشقجي. ووفقًا لتقرير "هيومن رايتس ووتش"، فإن المهرجان انطلق بعد بضعة أشهر فقط من إقدام السلطات السعودية على "إعدام صحفي على ما يبدو بسبب آرائه العلنية".
وأوضح الموقع أن الكوميديين يختلفون عن لاعبي الكرة ومغني الأوبرا، إذ إن مشاركتهم في المهرجان كانت مشروطة بالرقابة الذاتية على دورهم الأساسي في قول الحقيقة للسلطة عبر السخرية. ونقل عن الكوميديان ميل بروكس قوله إن الكوميديا وحدها قادرة على تفجير فقاعة الغطرسة والخطاب الديكتاتوري، مؤكدًا أن الأنظمة الاستبدادية لا تستطيع البقاء من دون تلك الفقاعة.
وأرجع الموقع سبب كراهية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمعارض أليكسي نافالني إلى استخدام الأخير أسلوب السخرية اللاذعة في فضح فساد السلطة، إذ استخدم مهارات الكوميديان المحترف في نقد بوتين، فكشف في فيلمه "قصر بوتين: قصة أكبر رشوة في العالم" عن القصور الفاخرة التي يملكها، ووصفه ساخرًا بـ"فلاديمير مسمّم السراويل الداخلية" في إشارة إلى محاولة اغتياله السابقة، مضيفًا أن هذا ما يفسّر أيضًا رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إقصاء مقدمي البرامج الكوميدية الليلية.
واختتم الموقع بالإشارة إلى أن الكوميديين فقدوا شيئًا ما في اللحظة التي وافقوا فيها على تقييد أنفسهم بالرقابة الذاتية مقابل الأموال القادمة من النظام الاستبدادي في الرياض.