ملفات وتقارير

كيف كشف طوفان الأقصى "الوجه الحقيقي" لليمين المتطرف حول العالم؟

سياسات الاحتلال العدوانية رغم إجرامها أدت إلى نتائج عكسية - الأناضول
شهد العالم في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا لتيارات اليمين المتطرف في مناطق عدة، من أوروبا إلى آسيا وأمريكا، مستفيدة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وخطابات الهجرة والأمن القومي، حيث تتبني هذه الحركات سياسات قومية متشددة، وتروج للقيم التقليدية، وتشكك في المؤسسات الدولية، مما أعاد تشكيل المشهد السياسي الداخلي والدولي

وارتبط صعود اليمين المتطرف بالعديد من الانتهاكات والتصرفات العنصرية، كما تزايد تأثيرها على القضايا العالمية الحساسة، مثل النزاعات الإقليمية وحقوق الأقليات، بما في ذلك حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة حيث تتبنى بعض هذه الأحزاب مواقف داعمة للاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر ودعما لمجازره مما زاد من تأثير اليمين المتطرف بعد "عامين من الإبادة" التي يمارسها الاحتلال في القطاع المحاصر فكشفته أمام العالم أجمع وكشفت إجرامه بحق الإنسانية، كما ساهم اليمين بتلك التصرفات بفضح نفسه وكشف الوجه الحقيقي له.

عامان على الإبادة في غزة يكشفان الوجه الحقيقي

وشهد الاحتلال الإسرائيلي صعودا ملحوظا لأحزاب اليمين المتطرف حيث أسفرت انتخابات 2022 عن فوز تحالف "الصهيونية الدينية" بـ14 مقعداً في الكنيست، وهو ما ساهم في تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

وضمت حكومة نتنياهو شخصيات يمينية متشددة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، واعتمدت سياسات متشددة تجاه الفلسطينيين، تضمنت توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والاقتحامات وزيادة صلاحيات جيش الاحتلال وشرطة في الأراضي الفلسطينية، حيث أظهر تقرير للأمم المتحدة أن هذه السياسات أدت إلى تصاعد التوترات وزيادة عمليات الاقتحام والاعتقال في الضفة الغربية مما كشف للعالم أجمع الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي، عقب التفات العالم للإبادة الجماعية في غزة.


من جانبه، أشار مركز "بتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي إلى ارتفاع عدد عمليات العنف ضد الفلسطينيين، بما في ذلك هجمات المستوطنين على المدنيين والممتلكات، مما يعكس تأثير السياسات الحكومية على الواقع الميداني في الأراضي المحتلة.



 صعود اليمين المتطرف في أوروبا
شهدت أوروبا خلال العامين الأخيرين صعودًا غير مسبوق لأحزاب اليمين المتطرف، في موجة وصفت بأنها "التحول الأخطر" داخل القارة منذ الحرب الباردة، ففي انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024، حققت الأحزاب اليمينية مكاسب كبيرة، إذ تصدر حزب "التجمّع الوطني" الفرنسي بزعامة مارين لوبان النتائج بنسبة 31 بالمئة من الأصوات، فيما فاز حزب الحرية النمساوي (FPÖ) بـ 28.8 بالمئة محققًا أفضل أداء انتخابي له منذ تأسيسه.

 كما واصل اليمين الشعبوي تحقيق تقدم في إيطاليا والمجر وهولندا، حيث أصبحت الأحزاب اليمينية جزءًا من الائتلافات الحاكمة أو القوى المؤثرة في صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي، بحسب بيانات المفوضية الأوروبية وتقارير البرلمان الأوروبي.

اليمين الأوروبي والتحالف مع الاحتلال الإسرائيلي
ورافق صعود اليمين المتطرف في أوروبا مع تحولات واضحة في المواقف تجاه الاحتلال الإسرائيلي، حيث أظهرت دراسة أجرتها شبكة European Leadership Network (ELNET)  على 317 نائبًا من 29 دولة أوروبية أن نحو 83 بالمئة من المشاركين أكدوا أهمية العلاقة مع إسرائيل، فيما دعا 72 بالمئة منهم إلى توسيع التعاون السياسي والعسكري معها.


ورغم التأييد الرسمي للاحتلال الإسرائيلي كشف استطلاع حديث أجرته مؤسسة "يوغوف" في ست دول أوروبية (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، الدنمارك والمملكة المتحدة) عن تراجع التأييد الشعبي لإسرائيل إلى أدنى مستوياته، إذ عبر ما بين 13 بالمئة و21 بالمئة فقط من المشاركين عن نظرة إيجابية تجاهها، بينما أبدى أكثر من 60 بالمئة مواقف سلبية، معتبرين أن الحرب على غزة "انتهاك صارخ للقانون الدولي".

تأثير صعود اليمين المتطرف على القضية الفلسطينية
أثر صعود اليمين المتطرف في إسرائيل وأوروبا بشكل مباشر على القضية الفلسطينية، ففي إسرائيل، تتبنى الحكومة سياسات تزيد من تعقيد الوضع، مثل توسيع المستوطنات، وفرض قيود على الفلسطينيين، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، ما أدي إلى كشف الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي خاصة بعد طوفان الأقصى، وذلك رغم سنوات من المعاناة لم يعترف أحد بما يحدث في فلسطين.

أما في أوروبا، رغم تزايد التأييد للأحزاب اليمينية المتطرفة إلا أن الوعي الشعبي الذي تسبب فيه طوفان الأقصى، زاد من الغضب من مواقف الاحتلال الإسرائيلي، ومن يؤيده.

ياغي: طوفان الأقصى كشف الوجه الحقيقي لليمين الإسرائيلي وأحلام "إسرائيل الكبرى"

قال المختص في الشأن الإسرائيلي فراس ياغي إن عملية طوفان الأقصى كانت بمثابة الحدث الفاصل الذي كشف الوجه الحقيقي لليمين المتطرف في إسرائيل، مبيّنًا أن ما جرى فضح النوايا الكامنة وراء فكر "إسرائيل الكبرى"، وأظهر أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرى نفسه بمثابة "رسول للشعب اليهودي" الساعي لتحقيق حلم إقامة "المملكة الإسرائيلية" التي طالما بشر بها التيار الديني المتطرف.


وأضاف ياغي في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن هذا التيار الديني اليميني يسعى إلى بسط نفوذه الإقليمي من خلال السيطرة الاقتصادية والعسكرية، سواء عبر الشركات متعددة الجنسيات أو عبر التحكم في موارد الطاقة مثل الغاز والنفط في البحر المتوسط والساحل السوري واللبناني، مشيرًا إلى أن ذلك يندرج ضمن مشروع اليمين لتوسيع الهيمنة الإسرائيلية على حساب الجغرافيا والسيادة الإقليمية لدول المنطقة.

وأوضح ياغي أن اليمين الإسرائيلي ينقسم داخليًا إلى تيارين رئيسيين؛ الأول هو الصهيونية الدينية، التي يمثلها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهي الأكثر تطرفًا وحدة من حيث الأيديولوجيا والمعتقدات الدينية، حيث تؤمن بإقامة "مملكة إسرائيل التوراتية". أما التيار الثاني فهو اليمين المتدين الصهيوني الذي يقوده وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي يعد أقل تشددًا نسبيًا لكنه يلوح دائمًا بالانسحاب من الحكومة لإبقاء الضغط على الائتلاف الحاكم.




وأشار ياغي إلى أن اليمين الإسرائيلي لم يكن ليصل إلى هذا القدر من التأثير لولا التحالف الحكومي الحالي، الذي سمح له بفرض أجندته داخل الكنيست، مضيفًا أن هذا التيار يتبنى سياسات تهدف للسيطرة على القضاء وتقليص صلاحيات المحكمة العليا، إذ يرى أنها تمثل "عائقًا أمام تنفيذ المشروع التوراتي"، ويسعى لتغيير القوانين بما يتناسب مع أيديولوجيته الدينية المتشددة.

يضغط على الحكومات الأوروبية
وبيّن ياغي أن التطرف المتزايد داخل إسرائيل بدأ يثير قلقًا واسعًا في أوروبا، حيث باتت الأحزاب اليمينية الأوروبية تتحفظ على دعم حكومة نتنياهو بسبب تجاوزاتها القانونية والأخلاقية، بخلاف اليمين الأوروبي الذي، رغم تطرفه، يلتزم بالقانون والمؤسسات، أما داخل إسرائيل، فيرى اليمين نفسه فوق كل سلطة، بما في ذلك القضاء، مما جعله "عبئًا على حلفائه الغربيين".

ممارسات قبل السابع من أكتوبر
وأكد ياغي أن ممارسات اليمين الإسرائيلي في الضفة الغربية قبل السابع من تشرين الأول / أكتوبر، من توسع استيطاني وتضييقات وانتهاكات إنسانية، لم تكن تحظى بالاهتمام الدولي الكافي، لكن الحرب على غزة كشفت للعالم الوجه الحقيقي لهذا التيار، وأدت إلى تحوّل جذري في الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل.

وختم ياغي بالقول إن تداعيات الحرب الأخيرة أظهرت أن "اليمين المتطرف أصبح وباءً سياسيًا يهدد إسرائيل من الداخل"، بعدما تسبب في عزلة دولية متزايدة، مضيفًا أن تلك التحولات تصب في مصلحة القضية الفلسطينية بعد انكشاف سياسات الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين في غزة.



صورة زائفة كشفها طوفان الأقصى
وفي تصريحات خاصة لـ"عربي21” أكد عضو المكتب التنسيقي لمبادرة فلسطينيي أوروبا نور الدين عبد الرزاق، إن صعود التيارات اليمينية المتطرفة في العالم، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، أسهم بشكل غير مباشر في فضح الاحتلال الإسرائيلي، وكشف حقيقته أمام الرأي العام الدولي، بعد سنوات من الترويج لصورة زائفة عن "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وأن كان الأصل هو أن طوفان الأقصى هو من كشف تلك الحقائق وكشف زيف اليمين المتطرف.

وأكد عبد الرزاق أن اليمين المتطرف، الذي كان يسعى إلى دعم الاحتلال ومساندته سياسيًا وإعلاميًا، ارتكب أخطاءً استراتيجية فادحة جعلته يظهر أمام العالم كوجه مكشوف للعنصرية والعنف، الأمر الذي أيقظ الضمير الإنساني تجاه الشعب الفلسطيني، وولد موجة تضامن عالمية غير مسبوقة منذ عقود وكشفته حرب غزة وطوفان الأقصى.


فضيحة أخلاقية للاحتلال أمام العالم
وشدد عضو مبادرة فلسطينيي أوروبا على أن الاحتلال الصهيوني، بعد طوفان الأقصى ومن خلال سياسات اليمين المتطرف الذي يهيمن على حكومته، أظهر وجهه الحقيقي أمام العالم، حيث لم يعد يخجل من المجاهرة بسياسات الاستيطان، أو من استهداف المدنيين في غزة والضفة الغربية، أو من مخالفة القوانين الدولية.

وقال إن هذه الممارسات الوحشية، خصوصًا خلال الحرب الأخيرة على غزة، أدت إلى انكشاف الصورة الزائفة التي روّج لها الاحتلال لعقود، باعتباره "الجيش الأكثر أخلاقية" أو "الواحة الديمقراطية" في الشرق الأوسط، لتتحول تلك الادعاءات إلى مادة للسخرية في الإعلام الغربي ذاته.


إحياء عالمي للقضية وتراجع مكانة الاحتلال
وأكد عبد الرزاق أن هذه التطورات ساهمت في إعادة إحياء القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، بعد فترة من الفتور والنسيان، إذ خرجت مظاهرات حاشدة في أوروبا وأمريكا الجنوبية وكوريا الجنوبية دعماً لفلسطين، وبدأت أجيال جديدة من الشباب في التعرف على القضية ومتابعة تفاصيلها اليومية.

وأشار إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا أظهرت تراجعاً غير مسبوق في تأييد الاحتلال، مقابل تنامي التعاطف مع الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة.


مواجهة انتخابية عبر بوابة فلسطين
وتحدث عبد الرزاق عن البعد السياسي داخل أوروبا، موضحًا أن القضية الفلسطينية أصبحت محورًا في التنافس بين اليمين واليسار داخل القارة، بعد أن كانت سابقًا قضية هامشية لا تذكر في البرامج الانتخابية.

وقال إن كثيرًا من الأحزاب الأوروبية، خصوصًا اليسارية، بدأت تستخدم موقفها من فلسطين كجزء من خطابها الانتخابي لجذب الناخبين، إذ أظهرت الاستطلاعات أن المواطن الأوروبي بات يحدد صوته بناءً على الموقف من العدوان الإسرائيلي.

وأضاف أن هذا التطور جعل فلسطين حاضرة بقوة في الخطاب السياسي الأوروبي، سواء من زاوية إنسانية أو حقوقية، مؤكداً أن "القضية لم تعد محصورة في الشرق الأوسط، بل أصبحت معياراً لضمير الإنسانية المعاصر".


القانون العنصري وفضح الدعاية الصهيونية
وأشار عبد الرزاق إلى أن إقرار الاحتلال لقانون "القومية اليهودية" عام 2018، الذي ينص على أن إسرائيل هي الدولة القومية لليهود فقط، مثّل تتويجا لسياسات اليمين المتطرف، وكشف طبيعة النظام العنصري بشكل رسمي أمام المجتمع الدولي.

وأوضح أن هذا القانون وغيره من الممارسات، مثل مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات وتجريف أشجار الزيتون وبناء جدار الفصل العنصري، أظهرت أن الكيان الصهيوني قائم على منظومة استعمارية لا تختلف عن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا سابقًا.

نتائج عكسية للعدوان
واختتم عضو المكتب التنسيقي لمبادرة فلسطينيي أوروبا حديثه بالتأكيد على أن سياسات الاحتلال العدوانية، رغم إجرامها، أدت إلى نتائج عكسية تمامًا لما أرادته إسرائيل، إذ ساهمت في توحيد صفوف المؤيدين للقضية الفلسطينية حول العالم، وفي إعادة بناء الوعي العالمي بعدالة القضية.

وقال إن "اليمين الصهيوني، بجرائمه وغطرسته، لم يقدم خدمة لفلسطين عن قصد، لكنه أيقظ العالم على حقيقة الاحتلال، وأعاد للقضية زخمها الأخلاقي والإنساني، وهو ما يجب أن نبني عليه في المرحلة القادمة".