صحافة دولية

لماذا تكره إسبانيا إسرائيل تاريخيا؟

إسبانيا اتخذت مواقف حادة من الاحتلال خلال حرب الإبادة على غزة- الأناضول
نشرت صحيفة "فزغلياد" الروسية تقريرا استعرضت خلاله  العوامل التي أدت إلى توتر العلاقات تاريخيا بين إسبانيا وإسرائيل، والتي تفسر الموقف الإسباني الصارم من تل أبيب على خلفية حربها في غزة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العديد من الدول الأوروبية صعّدت في الآونة الأخيرة من لهجة الانتقادات ضد إسرائيل بسبب استمرار الحرب والحصار المفروض على قطاع غزة، لكن إسبانيا برزت بشكل خاص كصوت أكثر حدة وصرامة في خطابها تجاه تل أبيب.

وتضيف الصحيفة أن مدريد تبنّت خطة شاملة لمواجهة السياسات الإسرائيلية، وصلت حد الإعراب عن "الأسف لعدم امتلاكها قنبلة نووية" لاستخدامها في "ردع إسرائيل".

إجراءات غير مسبوقة
وفي خطوة غير مسبوقة، حظرت الحكومة الإسبانية استخدام القواعد العسكرية الرئيسية في البلاد، مثل قاعدة "روتا" و"مورون دي لا فرونتيرا"، في عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل. 

يأتي ذلك ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها مدريد مؤخرًا، شملت وقف صادرات الأسلحة لتل أبيب والمطالبة بمنع مشاركتها في مسابقة "يوروفيجن" الغنائية، بالإضافة إلى إلغاء المرحلة النهائية من سباق الدراجات الشهير في إسبانيا بعد احتجاجات حاشدة مؤيدة لفلسطين في العاصمة مدريد.

ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وحكومته بأنها "عار على إسبانيا"، مستذكرا تصريحاته بشأن "الندم على عدم امتلاك سلاح نووي"، واتهمه بالتحريض على إسرائيل. 

وكانت إسبانيا قد اعترفت بدولة فلسطين رسميًا العام الماضي، واعتبر بيدرو سانشيز تلك الخطوة "مسألة عدالة تاريخية واستجابة لتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة"، إضافة إلى كونها "خطوة ضرورية لتحقيق السلام".

وبحسب الصحيفة فإن موقف الحكومة الإسبانية ليس بمعزل عن المزاج الشعبي، حيث أظهر استطلاع أجراه معهد "إلكانو الملكي" للأبحاث الاجتماعية أن 82 بالمئة من الإسبان يعتبرون ما يجري في غزة "إبادة جماعية".


علاقة نظام فرانكو بالدول العربية
وذكرت الصحيفة أن فهم دوافع الموقف الإسباني المتشدد تجاه إسرائيل يتطلب العودة إلى تاريخ العلاقات الإسبانية الإسرائيلية، التي لم تبدأ رسميًا إلا سنة 1986. 

ففي ظل حكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو (1939–1975)، رفضت إسبانيا الاعتراف بإسرائيل، مفضّلة إقامة علاقات وثيقة مع دول جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك العديد من الدول العربية.

وكانت إسبانيا في تلك الفترة تعاني من عزلة دولية نتيجة دعم نظام فرانكو لدول المحور خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما أدى إلى حرمانها من عضوية الأمم المتحدة حتى سنة 1955، وسحب العديد من الدول الغربية سفراءها من مدريد.

وفي تلك الحقبة، استقبلت الجامعات الإسبانية أعدادًا كبيرة من الطلبة العرب، بينهم فلسطينيون، ما مهّد لحضور عربي دائم في إسبانيا، وفقا للصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن لوز غوميز، أستاذة الدراسات العربية والإسلامية في "جامعة مدريد المستقلة"، إن الإسبان لم يشاركوا في الحرب العالمية الثانية، لذلك "لم يشعروا أبدًا بمسؤولية خاصة تجاه وضع اليهود الأوروبيين الذين عانوا من النازية".

من جهتها، تؤكد روزا ماريا باردو سانز، مديرة قسم التاريخ المعاصر في الجامعة الوطنية للتعليم عن بُعد في إسبانيا، أن "الجنرال فرانكو كان يرفض دائمًا الاعتراف بدولة إسرائيل، سعيًا للحصول على أصوات الممالك العربية المحافظة في الأمم المتحدة، وكذلك أنظمة عبد الناصر في مصر وصدام حسين في العراق، على أمل أن يدعم العالم العربي مطلب إسبانيا باستعادة جبل طارق".

وتضيف سانز أن التحالفات مع الدول العربية ساعدت نظام فرانكو على "تجاوز أزمات النفط" و"تخفيف التوتر مع المغرب" بسبب قضية الصحراء الغربية، مؤكدة أنه يُشار أحيانًا إلى أن معارضة تل أبيب لرفع المقاطعة الدبلوماسية المفروضة على إسبانيا عام 1949 كانت من أسباب رفض فرانكو الاعتراف بإسرائيل.

ويقول هيثم عميرة فرنانديز، المدير التنفيذي لمركز الدراسات العربية المعاصرة إن الجنرال فرانكو تمكن من "تعزيز مكانة إسبانيا مقابل دعمه للدول العربية، التي كان العديد منها ينال استقلاله في تلك الفترة".

وبحسب الصحيفة فإن الدول العربية أصبحت حليفًا قويًا لمدريد في تلك الفترة وساهمت في دعم انضمام إسبانيا إلى الأمم المتحدة وتسهيل الاعتراف بنظام فرانكو تدريجيًا على الساحة الدولية.


مرحلة ما بعد فرانكو
وأوردت الصحيفة أنه عندما دخلت إسبانيا مرحلة انتقالية بعد وفاة فرانكو، كان الإسبان ينظرون بكل احترام وتقدير للشعب الفلسطيني، وهو ما يتضح من خلال زيارة ياسر عرفات لإسبانيا سنة 1979.

لاحقا أُقيمت علاقات رسمية بين مدريد وتل أبيب، حيث اعترفت حكومة فيليبي غونزاليس الاشتراكية بدولة إسرائيل سنة 1986، وكان ذلك شرطا وضعته الجماعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي حاليًا) لعضوية إسبانيا في المجموعة.

وبالمقابل، صوّتت الحكومة المحافظة بقيادة ماريانو راخوي في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، على منح فلسطين صفة مراقب غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأفادت الصحيفة أن العلاقات الوثيقة مع العالم العربي منحت مدريد دورًا مميزًا مكّنها من لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب لاختيار العاصمة الإسبانية مكانًا لانعقاد مؤتمر السلام سنة 1991، الذي كان تمهيدًا لاتفاقيات أوسلو.

ومنذ ذلك الوقت، حافظت إسبانيا على علاقات "دافئة وطبيعية" مع إسرائيل، شملت التعاون في مجالات التجارة والأمن والاستخبارات. 

وأتاح قانون سنة 2015، الذي منح أحفاد اليهود السفارديم المطرودين من إسبانيا في القرن الخامس عشر الحق في الحصول على الجنسية، واستفاد منه آلاف اليهود.

ويرى بعض المراقبين أن هذا القانون كان بادرة حسن نية تجاه إسرائيل، دون أن يتم سن قانون مشابه يمنح الجنسية للموريسكيين المسلمين الذين أُجبروا على اعتناق المسيحية ثم طُردوا من إسبانيا.

مع انتهاء العمل بذلك القانون سنة  2023، تدهورت العلاقات بين إسبانيا وإسرائيل بشكل متسارع، حتى وصلت إلى قطيعة شبه كاملة اليوم.

وبشكل عام يتعارض  تمسك إسبانيا بموقفها المؤيد لفلسطين مع المزاج العام في الاتحاد الأوروبي الذي يميل لدعم إسرائيل. 

وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة بأن  هذا التوجه لا يبدو مجرد مناورة سياسية ظرفية لانتزاع مكاسب من بروكسل، بل هو انعكاس لعوامل تاريخية راسخة تؤكد مكانة مدريد كأحد أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية في أوروبا.