اعتبر وزير خارجية الأردن الأسبق الدبلوماسي المعروف، مروان المعشر، أن
التهجير الإسرائيلي للفلسطينيين لم يعد مجرد سياسة عابرة، بل تحول إلى هدف استراتيجي واضح، ينتظر الفرص المناسبة لتنفيذه أو يسعى لإيجادها عبر خلق الظروف الملائمة لذلك. وأكد المعشر في تحليل نشره على موقعه أنه لا يتحدث عن خطاب انفعالي أو عاطفي، بل عن حقيقة تستند إلى معطيات واقعية راسخة.
وأشار في مقال لموقع "
القدس العربي" إلى أن الحقيقة الأولى تتمثل في أن الاحتلال الإسرائيلي لا يسعى لإقامة دولة
فلسطينية في
الضفة الغربية أو القدس أو قطاع
غزة، بل تعمل بوضوح على ابتلاع هذه الأراضي وضمها، وقد صرحت بذلك مراراً ودون مواربة.
أما الحقيقة الثانية، بحسب المعشر، فهي أن إسرائيل تواجه داخل الأراضي التي تسيطر عليها أغلبية فلسطينية لا يمكن استمرارها ضمن نظام فصل عنصري قائم، ما يجعل أمامها خياراً واحداً من منظورها: قتل أو تهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، والسيطرة على الأرض دون سكان، لضمان عدم قيام أغلبية فلسطينية على هذه الأرض.
وأكد المعشر أن هذا التحليل المنطقي يتيح فهماً أعمق للأقوال والأفعال الإسرائيلية، كما يبرز الحاجة الملحة إلى مراجعة جذرية للمقاربة العربية الرسمية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، والتي لا تزال تقوم على افتراض متفائل بأن إسرائيل قد تنسحب يوماً من الأراضي المحتلة وتقبل قيام دولة فلسطينية مستقلة، فيما تشير الوقائع والمعطيات بوضوح إلى العكس، ما يفرض إعادة تقييم شامل للسياسات العربية، استناداً إلى إدراك أن الاحتلال لا تتحرك ضمن منطق "التسوية"، بل ضمن مشروع إحلالي توسعي.
وأضاف المعشر أن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الأخيرة بشأن ضم 82% من الضفة الغربية، أي المناطق "ب" و"ج" وفق اتفاقية أوسلو، تمثل انعكاساً صريحاً لهذا النهج. وقال المعشر: "الترجمة الدقيقة لهذه التصريحات هي أن إسرائيل تريد ابتلاع الأرض دون السكان، للتخلص من كابوس الأغلبية الفلسطينية، دون أن تعلن بوضوح ما تنوي فعله بسكان هذه المناطق".
وأضاف المعشر أن ما يحدث في غزة من عمليات قتل وهدم وتجويع يمكن اعتباره جزءاً من نفس الهدف الاستراتيجي، وأن الضفة الغربية ستتبع نفس المنهج على مراحل، عبر اعتداءات المستوطنين وضم مناطق كبيرة تدريجياً.
وتناول المعشر تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما يسمى "حلم إسرائيل الكبرى"، الذي يشمل أجزاء من ست دول عربية ويعيش فوقها أكثر من مئة مليون عربي، مؤكداً أن هذه التصريحات ليست مجرد هذيان سياسي، بل تعكس رؤية استراتيجية لدولة لا تؤمن بالسلام، وتتصرف انطلاقاً من قناعة بأن قوتها العسكرية تتيح لها خرق أي قانون دولي دون محاسبة حقيقية.
وأضاف: "إسرائيل اليوم تواصل خرق سيادة سوريا ولبنان بلا رادع، ما يؤكد أن نهجها يقوم على القوة والتوسع، وليس على الشرعية الدولية أو متطلبات الاستقرار الإقليمي".
ودعا المعشر إلى مقاربة عربية أكثر شمولية في التعامل مع إسرائيل، قائلاً: "الجهود التي يبذلها الملك عبد الله الثاني بن الحسين، والرئيس عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم، تمثل خطوات دبلوماسية وإنسانية محمودة، لكنها تحتاج إلى البناء عليها وتوسيع دائرة تأثيرها، لتصبح استراتيجية عربية متكاملة تحمي الحقوق الفلسطينية وتواجه المشروع الإسرائيلي بأدوات سياسية وقانونية ودبلوماسية فعالة".
وأوضح المعشر أن الإجراءات العملية تشمل أولاً أخذ تصريحات نتنياهو وسموتريتش على محمل الجد، بما يؤدي إلى رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الحكومة الإسرائيلية، التي خرقت المعاهدات الدولية وميثاق الأمم المتحدة، لافتاً إلى أن دعوى كهذه يمكن أن تصدر حكماً ملزماً للدول، كما أنها تمثل إشارة واضحة بأن الأردن والدول العربية لا تقبل مرور هذه التصريحات دون مساءلة.
وثانياً، شدد المعشر على تفعيل كل الجهود الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لاستصدار قرارات واضحة لإدانة التصريحات والأفعال الإسرائيلية، مؤكداً أنها خرق فاضح للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
وثالثاً، دعا المعشر إلى إيلاء الجبهة الداخلية العربية والفلسطينية التحصين اللازم، مشيداً بخطوة الأردن في إعادة خدمة العلم، ومؤكداً أهمية مواجهة النظام السوري الجديد للاحتلال الإسرائيلي عبر إدماج مكونات الشعب السوري في الحكم، خاصة المكون الدرزي، لمنع أي اختراق إسرائيلي.
وأضاف المعشر أن هناك جهوداً دولية مشتركة بين المملكة العربية السعودية وفرنسا، تهدف إلى اعتراف دول غربية بدولة فلسطين، مؤكداً ضرورة عدم الاكتفاء بالرمزية، بل العمل على ترجمتها إلى دعم فعلي، يشمل فرض عقوبات اقتصادية على الاحتلال وحظر تصدير الأسلحة إليها ومنع استيراد المنتجات من المستوطنات، وتسهيل مهمة تقديم المسؤولين الإسرائيليين للمحكمة الجنائية الدولية.
واختتم المعشر تحليله بالتأكيد على ضرورة الجهد العربي المستدام والتنسيق بين الدول الفاعلة مثل الأردن ومصر والسعودية وقطر والإمارات، إلى جانب سلطة فلسطينية متجددة تعبر عن الشعب الفلسطيني، وقدرة القوة الديمغرافية الفلسطينية على الصمود على الأرض بدعم عربي حقيقي، قائلاً: "الفلسطينيون يثبتون يومياً صمودهم على أرضهم رغم كل ما تحاول إسرائيل من قتل أو تهجير، وما لم تحققه القوة العسكرية أو الدبلوماسية، قد تحققه هذه القوة الديمغرافية المدعومة عربياً".