عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، في مساء أمس الثلاثاء، وزير الدفاع سيباستيان
لوكورنو رئيسا للوزراء، غداة إسقاط
حكومة فرنسوا بايرو في البرلمان، في خطوة تعكس عمق الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا منذ أكثر من عام.
وكان ماكرون قد قبل استقالة بايرو بعد تصويت البرلمان، الاثنين الماضي، لصالح حجب الثقة عن حكومته التي لم تصمد سوى تسعة أشهر. وصوّت 364 نائبا ضد الحكومة مقابل 194 مؤيدا، لتصبح أول حكومة منذ عام 1958 تفشل في نيل الثقة في تصويت طلبته بنفسها.
بهذا التعيين، بات لوكورنو البالغ من العمر 39 عاما٬ سابع رئيس وزراء في عهد ماكرون، والخامس منذ بداية ولايته الثانية عام 2022. وهو من المقربين من الرئيس الفرنسي، إذ شغل حقيبة الدفاع في لحظة مفصلية مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كما كان مرشحا لمنصب رئاسة الحكومة نهاية 2023 قبل أن يتراجع ماكرون عن القرار حينها.
وُلد لوكورنو عام 1986، وبدأ مسيرته السياسية نائبا في البرلمان وهو في التاسعة عشرة من عمره. انتُخب رئيسا لبلدية فيرنون في سن السابعة والعشرين، وتولى مناصب وزارية متعددة منذ وصول ماكرون إلى الحكم عام 2017، قبل أن يصبح وزيرا للقوات المسلحة في حكومة بايرو.
أزمة سياسية متصاعدة
يأتي التغيير الحكومي في وقت يواجه فيه ماكرون مأزقا سياسيا خانقا بعد خسارة معسكره الأغلبية في الانتخابات التشريعية المبكرة صيف 2024، وما تبعها من تعيين ميشال بارنييه ثم فرنسوا بايرو، قبل أن يقرر الرئيس الفرنسي منح الثقة مجددا لأحد وجوه معسكره.
وصفت زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان الخطوة عبر منصة "إكس" بأنها "الرصاصة الأخيرة للمعسكر الماكروني"، مؤكدة أنه بات يعتمد فقط على "مجموعة صغيرة من الأوفياء". فيما هاجم زعيم اليسار٬ جان لوك ميلنشون، القرار قائلا إنه "ملهاة حزينة"، وجدد الدعوة إلى رحيل ماكرون.
يسود داخل الإليزيه الاعتقاد بأن التحالف الهش بين معسكر ماكرون واليمين لا يزال قائما، غير أن بقاء الحكومة المقبلة مرهون بموقف الحزب الاشتراكي، خاصة مع اقتراب معركة إقرار ميزانية 2026 التي تتضمن اقتطاعات قاسية بقيمة 44 مليار يورو، وكانت السبب المباشر في سقوط حكومة بايرو.
رفض ماكرون مقترح الحزب الاشتراكي بتعيين زعيمه أوليفييه فور رئيسا للوزراء وتشكيل "حكومة يسارية"، لكنه حضّ قادة معسكره على العمل مع الاشتراكيين لتوسيع القاعدة السياسية وضمان تمرير الملفات الأساسية.
ضغوط مالية واجتماعية
تواجه البلاد أيضا اختبارا اقتصاديا حساسا، إذ من المقرر أن تصدر وكالة "فيتش" الجمعة تصنيفها الجديد للدين الفرنسي، وسط مخاوف من خفض تصنيفها الحالي (-AA مع نظرة سلبية)، ما قد يرفع كلفة الاقتراض ويزيد أعباء الدين العام.
يشهد الشارع الفرنسي بالتوازي مع ذلك حالة غليان متزايدة، مع بروز حراك جديد على مواقع التواصل تحت شعار "لنغلق كل شيء"، تدعمه نقابات وقوى من اليسار الراديكالي، ويدعو إلى شلّ البلاد اعتبارا من الأربعاء.
أعلنت وزارة الداخلية نشر نحو 80 ألف شرطي وعنصر أمن لمواجهة الاحتجاجات المتوقعة في عموم
فرنسا، بينما توقعت المديرية العامة للطيران المدني اضطرابات وتأخيرات في كل المطارات الفرنسية.
وتأتي هذه التطورات في وقت تراجعت فيه شعبية ماكرون إلى أدنى مستوياتها منذ وصوله إلى الحكم عام 2017، إذ أظهر استطلاع حديث أن 77 بالمئة من الفرنسيين غير راضين عن أدائه.