مقالات مختارة

صندوق غزة

جيتي
خطة ترامب لغزة ليست سوى استعمار بوجه جديد؛ انتقال من الاحتلال الإسرائيلي إلى استعمار الشركات- جوش بول، مدير مكتب الشؤون العسكرية في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي قدّم استقالته في عهد إدارة بايدن احتجاجًا على قرار بيع مزيد من السلاح للكيان.

بدأت تتكشّف ملامح الخطة الأمريكية الهادفة إلى تحويل غزة، بعد تهجير أهلها وفق رؤية ترامب، إلى ما يُسمّى «ريفيرا الشرق الأوسط»: أبراج شاهقة، ومدن ذكية مسيّرة بالذكاء الاصطناعي، ومشاريع سياحية فاخرة. وقد كشف ويكيليكس، إلى جانب صحيفتي الفاينانشال تايمز والواشنطن بوست، أجزاء من هذه الخطة التي وردت في كتيّب من 38 صفحة بعنوان : صندوق غزة لإعادة البناء، تسريع الاقتصاد والتحول وهو ما يعرف اختصارا Great Trust.

وتزعم الخطة أن غزة قادرة على أن تتحول إلى مركز للتصنيع والتجارة والبيانات والسياحة، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي ومواردها وشبابها، بدعم من التكنولوجيا الإسرائيلية.

وقد شارك في رسم ملامحها بعض الصهاينة أنفسهم، وهم الذين يقودون ما يُسمّى مؤسسة غزة الإنسانية التي تُمارس القتل تحت غطاء المساعدات، بالتواطؤ مع مجموعة بوسطن الاستشارية.

وترتكز الخطة على وصاية دولية متعددة الأطراف تُدير غزة بقيادة الولايات المتحدة لفترة تمتد عقدًا أو أكثر، على أن تُسلَّم لاحقًا إلى إدارة فلسطينية بعد أن تكون قد «جُرّدت من السلاح وأُزيل عنها التطرف».

كما تكشف عن مشروع تهجير قسري لـ 500 ألف غزّي إلى دولة ثالثة، يُرحَّل 75% منهم بصورة دائمة، فيما يُترك الباقون داخل القطاع خلال مرحلة «التحوّل». أما من يقبل بالرحيل فيُمنح خمسة آلاف دولار، مع تغطية تكاليف الإيجار لأربع سنوات وبدل طعام وشراب لعام واحد.

ورُصد للصندوق ستة مليارات دولار لإسكان مؤقت لمن يبقون، وخمسة مليارات أخرى للمُهجّرين. بل وتذهب الخطة أبعد من ذلك، إذ تمنح مالكي الأراضي «رمزًا رقميًا» (Digital Token) بديلاً عن حقوقهم، ليُستخدم لاحقًا في شراء شقق في المدن الذكية الجديدة التي تُقام على أنقاض غزة.

وتقدّر الخطة حجم الاستثمارات المتوقعة بين 70 و100 مليار دولار من القطاعين العام والخاص، بما يشغّل مشاريع بقيمة 65 مليار دولار. أما العائدات المتوقعة خلال عقد واحد فتصل إلى 385 مليار دولار، مع إيرادات سنوية تُقدَّر بـ 4.5 مليار دولار.

ويقف خلف هذا المشروع تحالف من كبريات الشركات العالمية، وأكاديمي (المعروفة سابقًا بـ بلاك ووتر)، وC.A.C.I الأمريكية المتورطة في تعذيب معتقلين عراقيين في سجن أبو غريب، إلى جانب تسلا وأمازون وسلسلة فنادق ماندارين أورينتال، فضلًا عن شركات بارزة.

كما تضم الخطة عشرة مشاريع وُصفت بالعملاقة، أبرزها: ست مدن ذكية، ومركز لوجستي إقليمي فوق أنقاض رفح، وطريق مركزي، ومحطات كبرى للطاقة الشمسية والتحلية، ومركز بيانات أمريكي، ومنطقة تصنيع ذكية لإيلون ماسك، وجزر اصطناعية تُسمّى «جزر ترامب».

ولا تقف الخطة عند حدود المشاريع العمرانية، بل تمتد إلى أهداف استراتيجية كبرى للولايات المتحدة، في مقدمتها ترسيخ قبضتها على الشرق الأوسط والسيطرة على ثروة هائلة تُقدَّر بـ 1.3 تريليون دولار من المعادن النادرة، إلى جانب إحكام السيطرة على الممرات المائية وموارد النفط، وقطع الطريق على خصومها الدوليين وفي مقدمتهم روسيا والصين.

إن هذه الخطة ليست وليدة اللحظة، بل امتداد صريح لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه شمعون بيريز عقب توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وضمنه في كتابه بالعنوان نفسه. غير أن الفكرة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث يقوم جوهر مشروع بيريز على تكريس الهيمنة «الإسرائيلية» اقتصاديًا وسياسيا، عبر دمجها في المنطقة ضمن شبكة تجعلها المحرك الأساسي. ولأجل ذلك يُراد لهذا المشروع أن يُنجز بتمويل عربي مصدره دول النفط الغنية، وبالاعتماد على عمالة رخيصة من بلاد الشام ومصر، بينما تحتكر «إسرائيل» التكنولوجيا والقيادة.

إن خطة ترامب هي ذاتها خطة بيريز؛ إطار اقتصادي مزيَّن يخفي في جوهره مشروعا استعماريا إقصائيا يقوم على معادلة قاسية: تطهير عرقي مقابل إعمار. هدفه استنزاف ثروات العرب وتحويلهم إلى موظفين عند الصهاينة، ليتحقق الهدف الأكبر: انفرادهم بقيادة المنطقة. ولعل هذا ما يقصده الصهاينة من المحيط إلى الخليج، فيما تُترجم على الأرض بالإبادة الجماعية والاحتلال والضمّ، كخطوات عملية لفرض تلك الهيمنة.

الدستور الأردنية