قضايا وآراء

حول حل الإخوان..نحو حوار جاد

على الجماعة نفسها أن تأخذ المبادرة بمراجعة وتقويم عملها ومساراتها خلال المئوية المنصرمة من تاريخها، وأن تقرر بكامل حريتها وإرادتها الشكل الذي تراه مناسبا لدخول مئوية جديدة..
الدعوات لحل جماعة الإخوان المسلمين لم تتوقف على مدى العقد الأخير تحديدا، وذلك عقب نكسة الربيع العربي الذي تسيده الإخوان في الدول التي شهدت ازدهارا ديمقراطيا، ثم جرت الانقلابات عليهم، وزجهم في السجون والمنافي وحتى القبور، بعض هذه الدعوات تنطوي على نصيحة مخلصة من أصحابها، وأكثرها يحمل بغضا وعداوة ظاهرة، وهي محض صدى لنظم استبدادية تريد التخلص من أبرز خصم لها.

أنهت جماعة الإخوان المسلمين مئويتها الأولى قبل شهور بالتقويم الهجري (تأسست في شعبان 1347هجرية)، ويتبقى عامان ونصف العام لتكمل مئويتها بالتقويم الميلادي (تأسست في مارس آذار 1928)، وهذا وحده كاف لدفع الجماعة نفسها لتقييم تجربتها خلال المئوية المنصرمة، وتحديد توجهاتها للمئوية الجديدة إن أرادت أن يكون لها دور فيها، الأمر يستوجب حوارا داخليا في صفوف ومؤسسات الجماعة حول الشكل والسياسات والتوجهات والهياكل التي ستدخل بها الجماعة هذه المئوية الجديدة حتى لا تجد نفسها خارج التاريخ، فإن أحسنت تقديم نفسها فبها ونعمت، وإلا فإنها ستخضع لسنة الاستبدال.

أحدث دعوات حل الإخوان  خرجت من داخل قصر الحكم في سوريا، حتى وإن حاول مطلقها الدكتور أحمد موفق زيدان تأكيد أنها دعوة شخصية، فالمقال الذي حمل هذه الدعوة ممهور بصفته مستشارا للرئيس السوري أحمد الشرع، ورغم ما ذكره صاحبها وهو عضو سابق في الإخوان أن الدعوة هي للمصلحة الوطنية العليا، وأن عملية الحل ليست جديدة على إخوان سوريا وبعض فروع الأقطار الأخرى إلا أننا لا يمكننا تجاهل الضغط الإماراتي تحديدا على القيادة السورية الجديدة لعدم إتاحة أي فرصة للإخوان في العهد الجديد، رغم كل تضحياتهم التي هي الأقدم بدءا بمواجهة الاستعمار الفرنسي، ثم مواجهة الحكومات الاستبدادية منذ الستينيات، والتي دفعوا فيها مئات بل آلاف الشهداء والمفقودين والمشردين، وللتنبيه فإن حكومة الشرع إذا استجابت لطلب حل الإخوان فإنها ستجد نفسها أمام مطالب جديدة لملاحقة تنظيمات أخرى شاركت في الثورة أو التحرير، حتى يتم عزل الشرع عن أي ظهير شعبي له.

الحقيقة أن غالبية الدعوات لحل الإخوان تصدر من أبواق السلطة، أو داعميها، أو قوى سياسية وطائفية مناهضة للإخوان، وقانعة بأنها غير قادرة على منافستهم سياسيا وانتخابيا، وحين تصدر هذه الدعوات أو حتى قرارات الحظر الفعلية من السلطات الحاكمة فإنها لا تستهدف حماية الأوطان كما يدعون، بل حماية عروشهم وكروشهم، وهي ستفعل الشئ ذاته مع أي تنظيم يمثل خطرا عليها حتى لو كان ملحدا، وهل نسينا أن القصر كان في عداء مع الوفد حين كان الحزب الشعبي الأكبر في مصر؟!
لست ضد أي فكرة أو مبادرة صادقة لنزع فتيل الأزمات، ولبناء مشهد سياسي واجتماعي آمن دون توترات، يحافظ على مكتسبات الشعوب، بل ويطورها وينميها، ولكن هذا يحتاج إلى توافقات وحوارات جادة وعميقة بين كل المكونات، وليس عبر إقصاء أحدها، أو بعضها، إرضاء لآخرين، وبالتالي فإن الدعوة لحل الإخوان تحتاج إلى حوار جاد وحقيقي على مستويات عدة، وقد أشرت سلفا إلى ضرورة الحوار الداخلي بين أبناء ومفكري الجماعة ومسئوليها، ولكن هذا لا يمنع من حوار بين الجماعة وحلفائها في التيار الإسلامي، وآخر مع القوى والنخب المدنية الأخرى، وحتى مع النخب الحاكمة بحيث يتم التوصل إلى عقد اجتماعي سياسي جديد يحدد الأدوار والالتزامات لكل القوى الفاعلة في المشهد، وليت جهة موثوقة مثل الأزهر أو غيره تتبنى الدعوة لوضع هذا العقد الجديد الملزم للجميع، ومن يخرج عنه يتعرض لعقوبات قانونية، والأهم أنه يتعرض للنبذ المجتمعي العام.

الحقيقة أن غالبية الدعوات لحل الإخوان تصدر من أبواق السلطة، أو داعميها، أو قوى سياسية وطائفية مناهضة للإخوان، وقانعة بأنها غير قادرة على منافستهم سياسيا وانتخابيا، وحين تصدر هذه الدعوات أو حتى قرارات الحظر الفعلية من السلطات الحاكمة فإنها لا تستهدف حماية الأوطان كما يدعون، بل حماية عروشهم وكروشهم، وهي ستفعل الشئ ذاته مع أي تنظيم يمثل خطرا عليها حتى لو كان ملحدا، وهل نسينا أن القصر كان في عداء مع الوفد حين كان الحزب الشعبي الأكبر في مصر؟! وهل نسينا أن ناصر تصدى للشيوعيين كما تصدى للإخوان والوفد؟!، وهل نسينا أن السادات تصدى لليسار بجناحيه الماركسي والناصري حين كان يمثل خطرا عليه، ثم تصدى لجميع القوى السياسية التي عارضت زيارته للكيان الصهيوني وتوقيعه اتفاق السلام معه؟! وهل نسينا أن مبارك تصدى للجماعة الإسلامية ومن بعدها الإخوان حين كانا يمثلان خطرا عليه؟!.

دعونا نتساءل عن شكل الحل المطلوب للجماعة، هل المقصود حل التنظيمات الإخوانية في كل قطر، أم قطر معين؟ أم هل المقصود حل التنظيم الدولي (الهيئة التنسيقية بين تنظيماتهم القطرية)؟ هل المقصود حل التنظيم بشكله الحالي مع السماح له بإعادة التشكل وفق شكل جديد؟ هل ستسمح الأنظمة العربية وبينها النظام المصري للإخوان بتشكيل جمعيات مركزية ذات فروع كما فعل الإخوان في دول أخرى (الكويت- لبنان- الإمارات (سابقا)، اليمن الخ؟!).. الواضح أن المطلوب هو الاختفاء التام للإخوان، وعدم السماح لهم بإعادة التشكل تحت أسماء أخرى، وعدم السماح لأفرادهم بالعمل من خلال أحزاب سياسية أو جمعيات دينية قائمة أو تأسيس أحزاب أو جمعيات جديدة، إذن لم تترك الأنظمة المستبدة لهم أي خيارات أو بدائل آمنة، وهو ما يدفعهم للتمسك ببقاء جماعتهم والعض عليها بالنواجذ مع تقويمها وتطويرها.

لنفترض جدلا أن الجماعة في مصر أو في قطر آخر قررت حل نفسها فهل سيرحب النظام بذلك؟ وهل سيفرج عن السجناء؟!، وهل سيعيد رايات الحرية والديمقراطية؟!، وهل سيسمح بالمنافسة السياسية والانتخابية والإعلامية لبقية القوى السياسية؟ّ! كلا وألف كلا، فالنظام سيظل متشككا، وسيظل رافعا سيفه ضد الإخوان بعد حلهم لأنه يحتاج إلى عدو يفرغ فيه طاقات الغضب، ويخيف به دولا وحكومات أخرى، ولن يسمح للأحزاب التي رقصت لذبح الإخوان بالتنافس الطبيعي.. ولماذا نذهب بعيدا فالإخوان الآن غائبون بالفعل عن المشهد المصري بين سجين وشهيد ومطارد داخل الوطن أو خارجه، ومع ذلك رأينا كيف يتعامل النظام مع بقية القوى السياسية التي ابتهجت بالخلاص من الإخوان.

في العقدين الماضيين قررت بعض فروع الإخوان حل تنظيماتها، وإعادة التشكل تحت مسميات جديدة وبأفكار جديدة، حدث ذلك في قطر وفي تونس، والمغرب والسودان، كانت تلك التجارب ملهمة للبعض في بداياتها، لكن نهاياتها شابهت نهاية الإخوان في مصر، ففي قطر لم يجن الإخوان شيئا من قرار حلهم، وتركوا الساحة للتيار السلفي، وفي السودان ظل وصف الإخوان لصيقا بالأحزاب التي انبثقت عنهم رغم أنها تخلت عن التنظيم وحملت أسماء وأفكارا جديدة، وهو ما جرى مع حركة النهضة التونسية التي يصر النظام ومعارضوها السياسيون على وصفها بـ"الإخونجية" والأمر متكرر أيضا مع حزب العدالة والتنمية في المغرب الذي يوصف بأنه حزب الإخوان!! ربما يصلح الأمر وأقصد إعلان الانفكاك عن الإخوان وتكوين جمعيات بديلة في دول الغرب لكنه لا يصلح في دول العرب.

أعود للتأكيد أن على الجماعة نفسها أن تأخذ المبادرة بمراجعة وتقويم عملها ومساراتها خلال المئوية المنصرمة من تاريخها، وأن تقرر بكامل حريتها وإرادتها الشكل الذي تراه مناسبا لدخول مئوية جديدة، بعد أن تدير حوارا وطنيا جادا مع كل الشركاء والفرقاء للوصول إلى صيغة عصرية للعمل الدعوي والسياسي والاجتماعي، فهذا هو "الحل" الصحيح ولا "حل" غيره.