بورتريه

رحل مقاوما وكتائب "الجبهة الشعبية" حملت اسمه (بورتريه)

اغتال الاحتلال أبو علي مصطفى بعد أن اتهمه بالمسؤولية عن عمليات تفجير في القدس وتل أبيب وبالقرب من مطار اللد ما بين عامي 2000 و2001- عربي21
أول قيادي سياسي فلسطيني من الصف الأول تغتاله سلطات الاحتلال خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عرفت  بـ"انتفاضة الأقصى".

وصف بأنه قائد يجسد صفات النقاء الثوري من خلال النضال الوطني، وكان يتمتع بشخصية وحدوية بسيطة وجامعة، عرف بمقولته الشهيرة: "عدنا لنقاوم لا لنساوم".

مصطفى علي العلي الزبري، المعروف باسمه الحركي أبو علي مصطفى، المولود في عام  1938 في بلدة عرابة جنوب مدينة جنين بالضفة الغربية، كان والده أحد المشاركين في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وعمل مزارعا في قرية عرابة بعد أن كان عاملا في سكة حديد حيفا. 

درس أبو علي مصطفى المرحلة الأولى في بلدته، ثم انتقل في عام 1950 مع بعض أفراد أسرته إلى العاصمة الأردنية عمان، وأكمل دراسته فيها.

عمل في بداية حياته مراسلا في "بنك الإنشاء والتعمير"، وعمل في منجرة ومحل للزجاج وفي مصنع للكرتون، وفي أعمال أخرى بسيطة ومتعددة.

انتسب إلى عضوية "حركة القوميين العرب" عام 1955، التي ضمت في صفوفها أردنيين وفلسطينيين وكويتيين وعراقيين، ومن أبرز الشخصيات التي شاركت في تأسيسها أحمد الخطيب، وجورج حبش، وحامد الجبوري، وهاني الهندي، ووديع حداد، وصلاح الدين صلاح.

وتعرف أبو علي مصطفى إلى بعض أعضائها من خلال عضويته في "النادي القومي العربي" في عمان.
شارك وزملائه في الحركة والنادي في مواجهة الحكومة الأردنية أثناء نشاط الحركة الوطنية الأردنية ضد الأحلاف في المنطقة العربية، ومن أجل إلغاء المعاهدة البريطانية والأردنية، ومن أجل تعريب قيادة الجيش وطرد الضباط الإنجليز من قيادته وعلى رأسهم غلوب باشا.

اعتقل لعدة شهور في عام 1957 إثر إعلان الأحكام العرفية في الأردن، وإقالة حكومة سليمان النابلسي ومنع الأحزاب من النشاط، ثم أطلق سراحه وعدد من زملائه، ليعاد اعتقالهم بعد أقل من شهر وقدموا لمحكمة عسكرية بتهمة بنشاطات ممنوعة والتحريض على السلطة وإصدار النشرات والدعوة للعصيان، فصدر عليه حكم بالسجن لمدة 5 سنوات أمضاها في معتقل الجفر الصحراوي.

أطلق سراحه في نهاية عام 1961، وعاد لممارسة نشاطه في الحركة وأصبح مسؤول شمال الضفة، وفي عام 1965 ذهب بدورة عسكرية سرية لتخريج ضباط فدائيين في "مدرسة انشاص" الحربية في مصر، وعاد منها ليتولى تشكيل مجموعات فدائية، وأصبح عضوا في قيادة العمل الخاص في إقليم الحركة الفلسطيني.

اعتقل من جديد في حملة واسعة قامت بها الأجهزة الأمنية الأردنية ضد نشطاء الأحزاب والحركات الوطنية والفدائية في عام 1966 وتم توقيفه إداريا لعدة شهور في سجن الزرقاء العسكري إلى أن أطلق سراحه والعديد من زملائه الآخرين بدون محاكمة.

في أعقاب حرب حزيران/ يونيو عام 1967 قام وعدد من رفاقه في الحركة بالاتصال مع الدكتور جورج حبش الذي عرف أيضا بـ"حكيم الثورة"  لاستعادة العمل والبدء بالتأسيس لمرحلة الكفاح المسلح، وكان هو أحد المؤسسين لهذه المرحلة حيث تأسست "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بقيادة "الحكيم". 

وقاد أبو علي مصطفى الدوريات الأولى نحو فلسطين عبر نهر الأردن، لإعادة بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية، وتنسيق النشاطات ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فلاحقته قوات الاحتلال واختفى لعدة شهور في الضفة الغربية في بدايات التأسيس.

تولى مسؤولية الداخل في قيادة "الجبهة الشعبية"، ثم المسؤول العسكري لقوات الجبهة في الأردن إلى عام 1971، وكان قائدها أثناء معارك المقاومة في سنواتها الأولى ضد الاحتلال.
غادر الأردن سرا إلى لبنان إثر انتهاء وجود المقاومة المسلحة في الأردن، وفي المؤتمر الوطني الثالث للجبهة في عام 1972 انتخب نائبا للأمين العام.

وأثناء وجوده في لبنان، شارك أبو علي مصطفى في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وخرج مع عناصر المقاومة الفلسطينية إلى سوريا.

عاد إلى فلسطين في عام 1999 حيث تولى مسؤولياته كاملة كنائب للأمين العام حتى عام 2000، وانتخب في المؤتمر الوطني السادس أمينا عاما  لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بعد استقالة جورج حبش أثر مشاكل صحية عانى منه أدت إلى وفاته لاحقا.

انتخب أبو علي مصطفى عضوا في المجلس الوطني منذ عام 1968، وأصبح عضو المجلس المركزي الفلسطيني، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ما بين عامي 1987 و1991.

وحين قرر العودة إلى الضفة الغربية بعد اتفاقيات "أوسلو"، دافع عن خيار العودة في مواجهة الانتقادات التي تعرض لها من بعض رفاقه في فصائل المقاومة التي رفضت نهج  منظمة التحرير الفلسطينية الذي وصف بـ"الاستسلام" والذي أدى في نهاية المطاف إلى اتفاقية "أوسلو".

وبرر أبو علي مصطفى ذلك بأنه يعتبر أن ساحة المواجهة المركزية مع الاحتلال هي الداخل المحتل، وعليه الوجود فيها، وإعادة بناء "الجبهة الشعبية"، وإعدادها ميدانيا لأي مواجهة قادمة مع الاحتلال، وهو الأمر الذي أدى إلى اغتياله على يد قوات الاحتلال أثناء "انتفاضة الأقصى" في 27 آب/ أغسطس في عام 2001، إثر قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية مكتبه في مدينة البيرة. 
بعد أن اتهمته سلطات الاحتلال بالمسؤولية عن عدد من عمليات التفجير في القدس وتل أبيب وبالقرب من مطار اللد ما بين عامي 2000 و2001. 

وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها لمحاولة اغتيال فقد سبقتها عدة محاولات، كان أبرزها في منطقة الكولا ببيروت حيث كان يسكن، وتم ركن سيارة مفخخة بالمتفجرات أسفل البناية، لكن يقظة جهازه الأمني جعلته يكتشف أمرها.

وقبل ذلك، وأثناء وجوده في منطقة الأغوار بالأردن، تعرضت سيارته لقصف مدفعي كثيف، وتمكن من إلقاء نفسه خارج السيارة والاختباء بمزارع الموز المجاورة حتى زال الخطر.
وخلفه في موقع الأمين العام  للجبهة الشعبية القيادي أحمد سعدات "أبو غسان" الذي لم يتردد في الثأر له، وذلك باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في عام 2001.

تم اختطاف سعدات من قبل مخابرات السلطة الفلسطينية وتم احتجازه في مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إلى أن قامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة مقر "أبو عمار" مطالبة بتسليمها سعدات وأربعة من رفاقه تتهمهم بالوقوف وراء اغتيال زئيفي. وتم عقد صفقة لفك الحصار عن مقر عرفات تم بناء عليها سجن سعدات ورفاقه في سجن أريحا الفلسطيني تحت حراسة رجال أمن أمريكيين وبريطانيين.

في عام 2006 انسحب المراقبون الأمريكيون والبريطانيون من سجن أريحا، وبعد خمس دقائق دخلت قوة عسكرية إسرائيلية إلى مدينة أريحا وحاصرت السجن وبدأت بهدم أجزاء منه بعد حصار دام 12 ساعة تم إلقاء القبض على سعدات ومجموعة من المطلوبين الفلسطينيين لقوات الاحتلال.
حكم علي سعدات في عام  2008 من قبل المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالسجن 30 عاما في سجن عوفر.

وتخليدا لذكرى أبو علي مصطفى، أطلق الجناح العسكري لـ"لجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" اسمه على "كتائب الشهيد أبو علي مصطفى" والتي تعتبر جزءا مهما في المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.

كان رجلا وحدويا فقد سعى طيلة حياته إلى تقريب وجهات النظر بين الفصائل وتوحيدها حول هدف واحد وهو مقاومة الاحتلال لتحرير فلسطين، وكان يقود أية جهود من شانها تطويق أي خلاف فلسطيني قد يستغله الاحتلال لشق الصف الوطني الفلسطيني.