نشرت
صحيفة
الغارديان مقالا للأستاذ الباحث في معهد KIFO لأبحاث الكنيسة والدين في أوسلو، سيندري
بانغستاد، تساءل فيه إن كان السياسيون سينصتون، مع اقتراب موعد الانتخابات،
لغالبية المواطنين الذين يريدون سحب استثماراتهم من شركات الأسلحة الإسرائيلية.
وأضاف الباحث بانغستاد:" لقد جعل النفط النرويج غنية للغاية، فلديها أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، والذي
أُنشئ بعائدات النفط عام 1990. صندوق التقاعد الحكومي العام (
GPFG )، الذي
يرأسه المصرفي الثري والمستثمر الفني نيكولاي تانغن، وتبلغ قيمته الحالية أكثر من 20,239
مليار كرونة نرويجية (1.4 تريليون جنيه إسترليني). وباستثماره في حوالي 8500 شركة
في 69 دولة مختلفة، يعد أكبر مستثمر فردي في العالم.
وقال أيضا:" تدعي النرويج اتباع سياسة خارجية قائمة على حقوق الإنسان، ويفترض أن يلتزم صندوق
الثروة السيادية بمجموعة من المبادئ الأخلاقية، وقد تستبعد
الشركات إذا كان هناك خطر من مساهمتها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو
مسؤوليتها عنها، أو تورطها في بيع أسلحة لدول تنتهك القانون الدولي في النزاعات المسلحة.
ويقدم مجلس للأخلاقيات توصيات بشأن الاستبعاد من محفظة استثمارات صندوق التقاعد
الحكومي العام، ولكن بعد وقوعها فقط.
ولفت الكاتب إلى أنه ومنذ
عام 2024، حذرت الحكومة النرويجية مرارا وتكرارا الشركات من الاستثمار في شركات
تدعم سياسات الاحتلال الإسرائيلي أو انتهاكات حقوق الإنسان. ولكن يبدو أنها لم
تواجه مشاكل تذكر مع حقيقة أن صندوق الثروة السيادية لديه استثمارات تبلغ قيمتها
الإجمالية 22.7 مليار كرونة نرويجية (1.6 مليار جنيه إسترليني) في 65 شركة
إسرائيلية.
ومنذ هجمات
حماس في 7 أكتوبر 2023 والرد الإسرائيلي اللاحق على غزة، زاد صندوق النفط
استثماراته في إسرائيل بنسبة 66%. وتدير هذه الاستثمارات ثلاث شركات استثمار
إسرائيلية، إحداها لها صلات واضحة بوزراء في الحكومة الإسرائيلية.
صندوق الثروة النرويجي مصدر استثمار رئيسي
لـ"إسرائيل"
في
نيسان/ أبريل من هذا العام، حذرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا
ألبانيز، من أن صندوق الثروة السيادية النرويجي لديه استثمارات في شركات أسلحة
إسرائيلية، وأنه "مصدر استثمار أوروبي رئيسي للاحتلال الإسرائيلي
المستمر". وحذرت من مخاطر التواطؤ في انتهاكات القانون الدولي.
رفض وزير
المالية النرويجي، ينس ستولتنبرغ (الأمين العام السابق لحلف الناتو)، تصريحات
ألبانيز، إلا أن العديد من المنظمات غير الحكومية النرويجية صعدت الضغط. وفي
حزيران/ يونيو، كشف تقرير من 118 صفحة صادر عن منظمة "مؤرخون من أجل
فلسطين" - استنادا إلى بحث كان من الممكن أن يجريه بسهولة مجلس الأخلاقيات
التابع لصندوق النفط، عن استثمارات حكومية نرويجية في شركات إسرائيلية يعتقد أنها
متورطة في الإبادة الجماعية في غزة.
وقد أُرسل
التقرير إلى وزارة المالية، لكنه لم يحظ بتأييد يذكر. ثم، عندما بدأ النرويجيون في
قضاء عطلاتهم الصيفية، وثق موقع إخباري آخر استثمارات صندوق الثروة في شركات
إسرائيلية، بما في ذلك شركة
Bet
Shemesh Engines ، التي
توفر الصيانة وتوريد قطع الغيار لطائرات F-15 وF-16 وطائرات
الأباشي التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، والتي روعت سكان غزة
المدنيين؛ وشركة Next
Vision Stabilized Systems، التي
تنتج كاميرات للمسيّرات التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في غزة.
بانغستاد أكد إمكانية الحصول على دليل واضح على أنشطة Bet
Shemesh من موقع الشركة الإلكتروني، الذي يعلن أنه "فخور " بشكل خاص بدعم طائرات مقاتلة ومروحيات الخطوط الأمامية التابعة لسلاح الجو
الإسرائيلي". في الوقت الذي تجاوز فيه عدد الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش
الإسرائيلي 20 ألفا، وبدأ علماء القانون يشيرون بشكل متزايد إلى حرب إسرائيل على
غزة على أنها إبادة جماعية، زاد صندوق GPFG من
أسهمه في Bet Shemesh، التي
ارتفعت قيمتها السوقية للأسهم بشكل كبير.
لطالما
طالبت أحزاب المعارضة اليسارية في النرويج بسحب استثمارات صندوق النفط في إسرائيل
بالكامل. ولكن في حزيران/ يونيو الماضي، صوتت أغلبية برلمانية ضد هذا الاقتراح.
ومن الردود التقليدية على منتقدي الاستثمار في الشركات الإسرائيلية أنه لا ينبغي
أن يكون هناك أي "تدخل سياسي" في قرارات الاستثمار. ومع ذلك، بعد أربعة
أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، أصدرت وزارة المالية تعليمات لصندوق GPFG بسحب
استثماراته من روسيا.
ولم
يتحول الأمر إلى فضيحة سياسية كاملة إلا بعد أن نشرت صحيفة "أفتنبوستن"
النرويجية الليبرالية المحافظة هذا الشهر خبر استثمارات صندوق GPFG في Bet Shemesh. وطالب
ستولتنبرغ آنذاك بإجراء مراجعة شاملة لاستثمارات الصندوق في الشركات الإسرائيلية.
بنك
النرويج سحب
استثماراته من 17 شركة إسرائيلية
وأعلنت
الحكومة الآن أن صندوق GPFG سيسحب استثماراته من 17 شركة إسرائيلية، بما في ذلك
شركة Bet Shemesh Engines، وأن
استثمارات الصندوق في إسرائيل لن تدار بعد الآن من قبل شركات استثمار إسرائيلية.
مع ذلك، استبعد رئيس الوزراء، يوناس غار ستور، سحب الاستثمارات بالكامل من
إسرائيل، وهو ما دعت إليه أحزاب المعارضة اليسارية.
لكن
تتوالى الإفصاحات الإعلامية حول استثمارات صندوق GPFG . ويتعلق آخرها بحصص في بنكين إسرائيليين
لعبت قروضهما دورا رئيسيا في شركة Elbit ، أكبر شركة خاصة لتصنيع الأسلحة في إسرائيل.
وكانت Elbit أول شركة إسرائيلية سحب منها صندوق GPFG استثماراته، عام 2009، متهما الشركة بتورطها في
انتهاكات للقانون الدولي.
"الخصوصية الشمالية" أمر بديهي لدى النرويجيين: فهم
يحبون اعتبار أنفسهم منارة في عالم مظلم، يقودون الطريق في أوروبا نحو الأخلاق
والفضيلة. اعترفت النرويج رسميا بدولة فلسطين عام 2024 (وهو ما وصفته حكومة اليمين
المتطرف الإسرائيلية بأنه عمل يكافئ الإرهاب). لكن فضيحة صندوق الثروة السيادية
النرويجي تختبر هذه الصورة الذاتية والإجماع السياسي حول سياسات النرويج الخارجية
القائمة على الأخلاق وحقوق الإنسان.
معظم النرويجيين يطالبون بسحب الاستثمارات
من إسرائيل
وتشير
استطلاعات الرأي إلى أن معظم النرويجيين يريدون سحب استثمارات صندوق الثروة
السيادية النرويجي من إسرائيل. لكن مع توجه البلاد نحو الانتخابات العامة في 8
أيلول/ سبتمبر، فإن مسألة التربح الجماعي من الاستثمارات في الشركات التي تصدر لمرتكبي
الإبادة الجماعية في غزة تحول معضلة أخلاقية إلى نقطة تحول سياسية.
ويواجه
الناخبون خيارا بين حكومة يسار الوسط ملتزمة ببناء الثروة الوطنية من خلال
الاستثمارات في إسرائيل، وحزب يميني (وهو المعارضة الرئيسية) يريد تجاهل الإبادة
الجماعية المستمرة في غزة وزيادة التجارة مع إسرائيل، واليسار الذي يدعو إلى سحب
الاستثمارات بالكامل من إسرائيل. حتى الآن، تشير استطلاعات الرأي إلى أن السياسة
الخارجية تحتل مرتبة أعلى في جدول أعمال الناخبين أكثر من أي وقت مضى. إذا كان هذا
صحيحا، فقد يُعاقب حزب العمال الحاكم بشدة على موقفه. قد يفتح هذا الباب أمام
حكومة ستكون أسوأ في قضية فلسطين، ولكن
إذا كانت السياسة الخارجية الأخلاقية تعني شيئا، فلا بد أن تكون غزة قضية حاسمة
بالنسبة للنرويج، ومرآة للنرويجيين أيضا.