سياسة دولية

القتال يعود بقوة بين جيش الكونغو والمتمردين بعد انهيار اتفاق السلام

اتفاق السلام لم يصمد كثيرا بين الجيش الكونغولي والمتمردين- إكس
عاد القتال بقوة مجددا بين جيش الكونغو الديمقراطية وحركة "ام23" المتمردة، وذلك بعد أسابيع من توقيع اتفاق سلام برعاية أمريكية قطرية، كان ينتظر منه أن يوقف أطول صراع بمنطقة البحيرات الكبرى الأفريقية.

فقد شنت حركة "ام23" على مدى الأيام الماضية سلسلة هجمات استهدفت الجيش الكونغولي، فيما نفذت القوات المسلحة التابعة لحكومة كينشاسا (عاصمة الكونغو) عمليات واسعة استهدفت متمردي حركة "ام23".

وتصاعد القتال منذ مطلع آب/ أغسطس الجاري في محيط بلدة مولامبا، وذلك بعد أسابيع من الهدوء النسبي. ويؤكد متابعون للشأن الأفريقي أن التصعيد الأخير بين الطرفين يعني عمليا انهيار اتفاق السلام الذي وقع برعاية أمريكية قطرية يوليو الماضي.

اتهامات متبادلة
وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن خرق الاتفاق، حيث اتهم جيش الكونغو الديمقراطية، المتمردين المدعومين من رواندا بشن هجمات متعددة في شرق البلاد، معتبرًا أنها تنتهك الاتفاقات الموقعة في واشنطن والدوحة. وقال الجيش الكونغولي في بيان، إن حركة "ام23" شنت هجمات على الجيش، وإنها تحشد المزيد من القوات، استعدادا لشن مزيد من الهجمات.

وفي السياق ذاته نقلت وسائل إعلام دولية عن زعيم "حركة إم23" برتراند بيسيموا، قوله إن كينشاسا لم تحترم إعلان المبادئ الموقع بين الطرفين.

استئناف المفاوضات
وعقبت انهيار اتفاق السلام عمليا، أفادت مصادر إعلامية بأن جهودا تبذل لاستئناف المفاوضات بين الطرفين. ونقل موقع أفريكا نيوز عن مسؤول قطري قوله إن مسودة اتفاق لإنهاء القتال بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة "إم 23" قد تم تبادلها مع الحكومة والمتمردين.

وأضاف المسؤول المعني بجهود الوساطة -دون أن يورد الموقع اسمه- "ندرك التحديات القائمة على الأرض، ونأمل أن يتم تجاوزها سريعا عبر الحوار والالتزام الصادق". وأوضح المسؤول أن الجدول الزمني لم يُحترم، لكن "الطرفين استجابا بشكل إيجابي للوسيط، وأعربا عن رغبتهما في مواصلة المفاوضات".

اتفاق هش انهار سريعا
وكانت الكونغو الديمقراطية ورواندا (الداعم الرئيسي لحركة ام 23) وقعتا في يوليو الماضي اتفاق سلام بوساطة أميركية وقطرية، في واشنطن، لإنهاء التوتر الدائر بشرق الكونغو. وتضمن الاتفاق مبادئ وأحكاما حول "احترام وحدة الأراضي"، و"وقف الأعمال العدائية" في شرق الكونغو، إضافة إلى "تسهيل عودة اللاجئين".

وفي احتفال حضره وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بمقر وزارة الخارجية الأمريكية، وقع وزيرا خارجية البلدين على اتفاق تعهدا فيه بتنفيذ بنود اتفاق عام 2024 الذي يقضي بانسحاب القوات الرواندية من شرق الكونغو في غضون 90 يوما.

وحينها قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن توقيع هذا الاتفاق يعد "لحظة مهمة بعد 30 عاما من الحرب" في الشرق الكونغولي الغني بالمعادن. وأضاف روبيو أنه "ما يزال هناك المزيد من العمل يتعين القيام به"، مشيرا إلى أن السلام "يمنحنا شركاء نتعامل معهم، وشركاء نعمل معهم لمعالجة انعدام الأمن والتهديدات التي يتعرض لها أمننا الوطني وأمننا القومي الجماعي".

ويرى الصحفي المتابع للشأن الأفريقي أحمد محمد فال، أن الاتفاق كان هشا لذلك انهارا سرعيا.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن الصراع في الكونغو الديمقراطية صراع طويل ومعقد، ومن الصعب وقفه بشكل فوري، منبها إلى أن هذا الصراع تتداخل فيه عوامل داخلية وخارجية تجعله من بين أكثر الصراعات تعقيدا.

ولفت إلى أن الاتفاق كان خطوة مهمة في مسار إنهاء الصراع، ويمكن البناء عليه في المفاوضات المتوقع استئنافها في الدوحة، لكن صمود أي اتفاق يتطلب إشراك مختلف الأطراف بما فيها دول الجوار، ومتابعة وضغط دولي على الأطراف المتصارعة لإرغامها تنفيذ جميع بنود الاتفاق.
وكان مختصون في الشأن الافريقي توقعوا في تصريحات سابقة لـ"عربي21" انهيار الاتفاق.

وأكد الباحث المختص في الشأن الأفريقي سيدي ولد عبد المالك، في حديث سابق لـ"عربي21" أن الطريقة التي يدير بها الرئيس الأمريكي الحالي ترامب الملفات الإقليمية وحجم الازمة بين الكونغو الديمقراطية وروندا التي هي أزمة تاريخية تجعل هذا الاتفاق اتفاق مرحلي هش قابل للانهيار في أي لحظة.

وأوضح حينها أن تاريخ الأزمات في شرق الكونغو، وتعدد أوجه الصراع وتعقيدات المنطقة وتعقيد المشهد الميداني شرق الكونغو، تجعل هذا الاتفاق عرضة للانهيار في أي لحظة والعودة للصراع من جديد.

ولفت إلى أن السياسيين خاصة داخل المعارضة في الكونغو الديمقراطية، يرون أن الاتفاق تنازل عن السيادة الوطنية وأن فيه غبنا باعتبار أنه يثبت وصاية "حركة ام23" المتمرة على الأقاليم التي انتزعتها لحد الساعة وهو ما يعني في النهاية أن الحوزة الترابية للكنغو الديمقراطية جزء رئيسي منها أصبح تحت وصاية رواندا.

عقود من الصراع
ويعد الصراع في شرق الكونغو، أطول صراع بمنطقة البحيرات الكبرى بأفريقيا، حيث بدأ منذ حقبة الاستعمار البلجيكي، لكنه تصاعد بشكل كبير على خلفية اتهام رواندا للكونغو بإيواء جماعات مسلحة معارضة لها.

واستمر هذا التوتر في التفاقم بعد أن اتهمت الكونغو الديمقراطية، رواندا، بدعم "حركة 23 مارس" (M23) ومحاولة احتلال أراضيها الغنية بالمعادن مثل الذهب وغيره. وتأسست هذه الحركة (M23) سنة 2012 على يد منشقين عن الجيش الكونغولي، بحجة أن الحكومة المركزية في العاصمة كينشاسا لم تف بالتزاماتها معهم وفقا لاتفاقية سلام أبرمتها معهم عام 2009 وأنهوا بموجبها تمردهم وانضموا إلى القوات المسلحة للبلاد.

وتمكنت الحركة خلال السنوات الأخيرة من السيطرة على العديد من المناطق في الكونغو الديمقراطية، خصوصا في شرق البلاد الذي تنتج مناجمه كميات كبيرة من الذهب، بالإضافة إلى العديد من المعادن الأخرى.

وتقول الحركة، إنها تدافع عن مصالح "التوتسي" خاصة ضد "مليشيات الهوتو العرقية" مثل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي أسسها "الهوتو" الذين فروا من رواندا بعد مشاركتهم في حملة إبادة جماعية عام 1994 لأكثر من 800 ألف من "التوتسي".

نزوح نحو دول الجوار
وعلى مدى السنوات الماضية ظلت كينشاسا (عاصمة الكونغو) تؤكد أن رواندا تسعى إلى نهب مواردها الطبيعية، لكن الأخيرة تنفي وتتحدث عن التهديد الذي تشكّله الجماعات المسلحة المعادية لها في شرق جمهورية الكونغو، خصوصا تلك التي أنشأها زعماء من الهوتو، وتعتبرهم مسؤولين عن الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا عام 1994.

ومطلع العام الجاري تصاعدت حدة الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية، ما تسبب في نزوح مئات الآلاف من السكان إلى بلدان مجاورة.

وخلف هذا الصراع خلال السنة الحالية فقط أكثر من 7 آلاف قتيل، كما أنه تسبب في عمليات لجوء ونزوح واسعة، فضلا عن تداعياته الاقتصادية والصحية.

وتعد منطقة شرق الكونغو ساحة صراع تتداخل فيها عوامل داخلية وإقليمية، وتنتشر فيها جماعات متمردة ومليشيات محلية تسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية، خاصة المعادن.