سياسة دولية

ال باييس: ترحيل المهاجرين يضرب عصب الاقتصاد الأمريكي والعواقب تتسارع

كان العمال يطلبون من الغرباء التعريف بأنفسهم، متوترين من وجود كاميرات..- جيتي
نشرت صحيفة "إل باييس" الإسبانية، تقريرًا، يسلط الضوء على تأثير حملات مداهمات الهجرة التي تقودها إدارة ترامب على قطاعات البناء والزراعة في الولايات المتحدة، وكيف تُعيق توفّر اليد العاملة وتلحق ضررًا بالاقتصاد الوطني.

وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21" إنّ: "حي النسيج في لوس أنجلوس يشهد فراغًا تامًا، ويؤكد مربو الأبقار في تكساس أن العمال لم يعودوا يتوافدون لحلب الأبقار. أما منتج البصل في أيداهو، فيحذر من تفاقم نقص اليد العاملة".

وتابعت: "في فينتورا بكاليفورنيا، يقر نائب العمدة دوغ هالتر بأن حملات المداهمة التي نفذتها سلطات الهجرة قرب "هوم ديبوت" أدّت إلى اختفاء العمال من أصول لاتينية، حيث رأى فقط أشخاصًا من البيض، وهو أمر غير مألوف في المنطقة".

وبيّنت الصحيفة أنّ: "هذه المداهمات التي تنفذها سلطات الهجرة المجهزة عسكريًا تؤثر على سوق العمل، إذ يفرّ العمال غير المصرح لهم، ما يترك أصحاب الأعمال في تحدٍ للحفاظ على استمرارية أعمالهم. ويشكّل المهاجرون غير المصرح لهم نحو خمسة في المئة من القوة العاملة الأمريكية، خصوصًا في قطاعات البناء وتجهيز الأغذية التي تعاني نقصًا مزمنًا".

وتابعت: "في ظل حملة الترحيل الكبرى التي يسعى ترامب لتنفيذها، انخفض حجم القوة العاملة الأمريكية في مايو/ أيار، مع تراجع أعداد العمال المولودين خارج البلاد. ويُقدّر أن ولاية كاليفورنيا قد تخسر 275 مليار دولار من إنتاجها الاقتصادي و23 مليار دولار من الإيرادات الضريبية سنويًا، مع أضرار لقطاعات حيوية مثل البناء والزراعة، وفق تقرير صادر عن المعهد الاقتصادي لمجلس منطقة الخليج وجامعة كاليفورنيا في ميرسيد".

ويحذّر المدير التنفيذي لشركة "أوواهي بروديوس" في أيداهو، شاي مايرز، من خطورة ترحيل العمال، مشيرًا إلى حاجته السنوية لنحو تسعين عاملًا زراعيًا يحملون تأشيرات من المكسيك لرعاية أربعة آلاف هكتار، واصفًا الوضع بأنه "سوف نموت جوعًا دون هؤلاء العمال، بسبب صعوبة تأمين عدد كافٍ منهم"، مما اضطره لترك بعض المحاصيل دون زراعة.

40 بالمئة من العمّال بلا وثائق قانونية
قالت الصحيفة إنّ: "المزارع الأمريكية تعتمد على عمال، أكثر من 40 بالمئة منهم بلا أوراق إقامة قانونية. وشهد القطاع حالة ترقّب بسبب تذبذب موقف إدارة ترامب، التي ألمحت أولًا إلى استثناء المزارع والفنادق والمطاعم من المداهمات، ثم عادت وزارة الأمن الداخلي لتؤكد ضرورة ملاحقة كل من لا يحمل تصريح إقامة، بغض النظر عن مكان العمل".

وأوضحت الصحيفة أنّ: "هذا التقلّب يعكس خلافات داخل البيت الأبيض بين المتشدّدين، مثل المستشار ستيفن ميلر، الذين يطالبون بترحيل صارم، وبين وزيرة الزراعة، بروك رولينز، التي أبدت تفهّمًا لمخاوف نقص اليد العاملة". فيما أشار مدير مركز سياسات كاليفورنيا، إدوارد رينغ، إلى أنّ: "ترامب يدرك خطورة تدمير القطاع الزراعي".

وأفادت الصحيفة أنّ: "مئات المدن الأمريكية شهدت تظاهرات ضد سياسة الترحيل، خصوصًا بعد مداهمات مكثفة في لوس أنجلوس أدت إلى غياب العمال وإغلاق المصانع والمتاجر، مع تراجع عدد الزوار والعمال بنسب كبيرة".

وأشارت إلى أنّ: "ترامب خصّص مساعدات بمليارات الدولارات لمزارعيه لتعويض خسائر حربه التجارية مع الصين، واعتبر العمال الزراعيين أساسيين أثناء جائحة كورونا في 2020، مع مرونة في منح التأشيرات. ولفت في تصريحات قبل أيام إلى أنه يسعى لتمكين المزارعين من تحمّل مسؤولية العمال "ذوي السمعة الطيبة" الذين يعملون لسنوات طويلة".

ومنذ عام 2020، انضم نحو 5.5 ملايين مهاجر إلى سوق العمل، لكن ترامب يبرّر حملات القمع بحماية الأمن والوظائف، وتحظى بتأييد أكثر من 80 بالمئة من الأميركيين بحسب استطلاع مركز "بيو" في آذار. وسجّلت إدارة الهجرة في حزيران متوسط 1600 توقيف يوميًا، بزيادة 450 بالمئة عن عهد بايدن، رغم عدم نشر بيانات يومية رسمية.

إطلاق مسار قانوني للعمل
أفادت الصحيفة أن القيصر الحدودي في إدارة ترامب، توم هومان، صرّح بأنه لم يناقش مع الرئيس آرائه الأخيرة حول الزراعة والفنادق، رغم التوتر القائم بين احتياجات اليد العاملة وسياسة الهجرة. وقال: "نحتاج إلى يد عاملة ومسار قانوني".

وأشار إلى مخاوف أصحاب الفنادق والمزارعين، وأنّ حملات المداهمة مستمرة مع التركيز على المجرمين الأكثر خطورة. فيما أوضحت الصحيفة أن سيد ميلر ومايرز وآخرين يرون أنّ: "تسهيل إصدار تأشيرات العمال الزراعيين المؤقتة يحل مشكلة الهجرة غير النظامية ويضمن استمرارية اليد العاملة". لكن المزارعين يؤكدون أن الحصول على عمال قانونيين يستغرق 90 يومًا أو أكثر، مع تكاليف تصل إلى 21.250  دولارًا لكل عامل موسمي مقابل 125 يوم عمل، وفقًا لفيليب مارتن.

وسلّطت الصحيفة الضوء على تزايد الضغوط داخل القطاع، حيث يسعى ممثلو رابطة مربي الماشية في كانساس إلى إقناع البيت الأبيض بالسماح للعمال غير الموثّقين الملتزمين بالقانون بالحصول على وضع قانوني، نتيجة نقص اليد العاملة في المزارع ومصانع تجهيز اللحوم، وفقًا لما ذكره المدير التنفيذي مات تيغاردن. 

وأبرز تيغاردن: "إما أن نعتمد على عمال أجانب لإنتاج طعامنا، أو نستورد الغذاء من الخارج"، مضيفا: "من منظور الأمن القومي والغذائي، لا نرغب في استيراد الطعام". ودعا معهد اللحوم، ممثل شركات إنتاج اللحوم والدواجن، إدارة ترامب إلى إدراج شركات التعبئة والتجهيز ضمن مبادرات تحسين برامج العمال الزراعيين.

وفي السياق نفسه؛ أكد رئيس رابطة مزارعي الفستق، ريتشارد كريبس، أن مجموعته تسعى للاستفادة من حملة ترامب ضد الهجرة غير النظامية لدعم برنامج خاص بالعمال الزراعيين المؤقتين على غرار "برنامج براسيرو" الذي أُطلق منتصف القرن الماضي ومكّن ملايين المكسيكيين من العمل في الزراعة داخل الولايات المتحدة.

الصناعة تردّ
أكدت المدير التنفيذي للجمعية الأمريكية للفنادق والإيواء، روزانا ماييتا، في رسالة إلكترونية أنّ: "الجمعية أجرت عدّة اجتماعات مكثفة مع مسؤولي الإدارة لعرض التحديات الخطيرة التي تواجهها بسبب نقص القوى العاملة".

وبيّنت الصحيفة أنه على بُعد نحو 70 ميلاً شمال غرب لوس أنجلوس، في مقاطعة فينتورا، يشهد موسم جني الفراولة وكرنب بروكسل ذروته. وبعد أيام من حملات المداهمة المكثفة التي استهدفت العمال الزراعيين، وسُجلت مقاطع فيديو لوكلاء يطاردون العمال في الحقول، عاد معظمهم إلى العمل. 

ويُعد هذا الموسم فترة عمل مستقرة، حتى إن العمال الذين كانوا قلقين من مداهمات وكالة الهجرة والجمارك قبلوا المخاطرة. وكان العمال يطلبون من الغرباء التعريف بأنفسهم، متوترين من وجود كاميرات أو أشخاص يتجسسون على الحقول عبر الأسوار المعدنية.

وفي الختام، نقلت الصحيفة عن نائب الرئيس الوطني لمنظمة عمال المزارع المتحدة، رومان بينال، قوله إنّ: "العمال الزراعيين يعيشون من أزمة إلى أخرى"، لافتًا إلى أن عمال الحقول في مقاطعة فينتورا عملوا لأيام وسط دخان حرائق الغابات في لوس أنجلوس خلال يناير، وكذلك أثناء مداهمات الهجرة في وادي وسط كاليفورنيا خلال نفس الشهر.