ملفات وتقارير

مبادرة مدنية دولية لإحياء اتحاد المغرب العربي وإنهاء الخلاف المغربي الجزائري

حلم اتحاد المغرب العربي لا يزال قائماً رغم الصعوبات، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية ورؤية واضحة، بالإضافة إلى دعم فاعل من المجتمع المدني من أجل تجاوز كل العقبات.. فيسبوك
أطلقت مجموعة من الفاعلين المدنيين الدوليين، بينهم جمال بنعمرو وكيل الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق، مبادرة تهدف إلى تهيئة أجواء المصالحة بين الجزائر والمغرب، مع التركيز على أهمية إعادة التواصل بين الشعبين وتجاوز الأزمة السياسية الراهنة بين البلدين الجارين، مبادرة جديدة تهدف إلى إحياء "المشروع المغاربي المشترك".

المبادرة تؤكد أنه رغم الصورة القاتمة التي يفرضها الواقع السياسي، فإن الغالبية العظمى من شعوب المنطقة ما زالت تحلم بوحدة مغاربية، وأن الخلافات السياسية بقيت محدودة على مستوى الأنظمة، ولم تصل إلى مستوى الشعوب، رغم تصاعد خطابات الكراهية.

وترى المبادرة، التي يشرف عليها "المركز الدولي لمبادرات الحوار"، في ملف الاتحاد المغاربي "إطاراً ممكناً لنقاش القضايا الخلافية، والتفكير في حل الأزمات الراهنة، والوقاية من صراعات جديدة لا طائل منها"، مضيفاً أن الهدف هو "كسر جدار الصمت الذي تختبئ وراءه الأغلبية الصامتة المؤيدة للاتحاد المغاربي، في ظل طغيان الصوت العالي لدعاة القطيعة".

ومن المنتظر أن يوفر المركز منصة لإنشاء "لجنة متخصصة في التفكير الإيجابي بشأن المشروع المغاربي المشترك" تضم شخصيات مغاربية مستقلة فكرياً، مهمتها تشخيص العوائق، واقتراح الحلول، ورأب الصدع، وإصدار أبحاث وأوراق سياسات لفهم معضلة الوحدة المغاربية.

وتشير المبادرة، التي نشرها المركز وجمال بن عمر على صفحته على منصة "إكس"، إلى أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب في غشت 2021 مثل نقطة تحول من البرود المزمن إلى التجمّد، مما زاد من تفاقم التوترات والاحتقان، مع تصاعد سباق التسلح وانتشار خطاب الكراهية عبر الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ما يهدد احتمال صدام عسكري مستقبلي، ويقوّض الاستقرار في المنطقة.

يذكر التصور أن العلاقة بين البلدين طوال ستة عقود اتسمت بالقطيعة أكثر من الاتصال، وسادت حالة من "اللاعداء" و"اللاتقارب"، لكن ذلك حال دون وقوع مواجهة عسكرية مباشرة، في حين أن التصعيد الحالي يفتح أبواب سيناريوهات خطيرة.

رغم ذلك، تؤكد المبادرة أن حلم بناء الاتحاد المغاربي لا يزال قائماً، لكنه أصبح أبعد من أي وقت مضى دون ترميم العلاقة بين أكبر دولتين مغاربيتين، المغرب والجزائر.

ويبرز التصور الطبيعة المعقدة للعلاقات المغربية الجزائرية، التي ظلت العقبة الأساسية أمام بناء الاتحاد، بدءاً من التاريخ المعقد، والتنافس على الريادة الإقليمية، ووصولاً إلى إغلاق الحدود لأكثر من ربع قرن، ما شكل عقاباً جماعياً لسكان المناطق الحدودية.

كما يشير إلى أن عوامل عدة أخرى تعيق المشروع، منها المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وغياب التنسيق المغاربي لمواجهة التحديات الأمنية والإرهابية في المنطقة، وافتقاد التكامل الاقتصادي الحقيقي بين الدول، التي لا يتجاوز تبادلها التجاري 5% من مبادلاتها.

ويؤكد أن السنوات الضائعة بسبب الخلافات السياسية أدت إلى هدر للموارد وفرص التنمية، لتصبح المنطقة أقل مناطق العالم اندماجاً، مقارنةً بتحركات التكتلات الإقليمية الأخرى.



أهم مراحل اتحاد المغرب العربي ومحاور الخلاف المغربي الجزائري

تأسس اتحاد المغرب العربي عام 1989 في مراكش، بمبادرة من خمس دول: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريتانيا، بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي. مر الاتحاد بمراحل مختلفة من التفاؤل ثم التوترات، حيث توالت الخلافات التي كانت دائماً تتركز حول قضايا الحدود، النزاعات السياسية، وأبرزها الخلاف حول الصحراء الغربية الذي ظل يجهض أي تقدم في العلاقات بين المغرب والجزائر.

شهد الاتحاد توقفاً فعلياً في نشاطه إثر تأزم العلاقات بين المغرب والجزائر، خاصة بعد أزمة الحدود التي تلت خروج الاحتلال الإسباني من الصحراء، وتصاعد الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو، مما أدى إلى توتر مستمر وخروج العلاقات من إطار التعاون إلى الصراع. في 24 آب / أغسطس 2021، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، ليصل التوتر إلى درجة تجميد شبه كامل لأي تواصل رسمي، مما عمق جراح الاتحاد وعرقل آفاق الوحدة المغاربية.

غياب الديمقراطية والعوائق الكبرى أمام حلم اتحاد المغرب العربي

ويرى الصحفي المغربي علي أنوزلا أن غياب الديمقراطية يمثل أحد أهم الأسباب التي تظل تعيق تحقيق حلم اتحاد المغرب العربي، مشيراً إلى أن جميع دول المنطقة تعاني من أنظمة غير ديمقراطية أو شبه دكتاتورية، الأمر الذي يجعل تأسيس اتحاد حقيقي متين أمراً صعباً، مهما توفرت عوامل التقارب الثقافي والتاريخي.

وينبه أنوزلا، في مقال نشره على صفحات موقع "المركز الدولي لمبادرات الحوار" إلى أن فشل جميع محاولات الاتحاد السابقة يعود جزئياً إلى غياب الديمقراطية، مؤكداً أن الاتحادات الإقليمية الناجحة عالمياً، مثل الاتحاد الأوروبي، تستند إلى أنظمة ديمقراطية مستقرة تحفظ حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهو ما ينقص دول المغرب العربي.

كما يشير إلى أن النزاعات الإقليمية، وعلى رأسها خلاف الصحراء الغربية، بالإضافة إلى تراجع الاستقرار في بعض الدول مثل ليبيا، تزيد من تعقيد المشهد الإقليمي وتعرقل أي تقدم نحو التكامل.

يرى أنوزلا أن إحياء الحلم المغاربي يتطلب إشراك المجتمع المدني، وفتح حوارات غير رسمية بين النخب المختلفة، مع إعطاء دور أكبر للشباب، ووضع خارطة طريق تأخذ بعين الاعتبار التحديات المعاصرة، مع العمل على بناء الثقة تدريجياً بين الدول.

ويختم بأن حلم اتحاد المغرب العربي لا يزال قائماً رغم الصعوبات، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية ورؤية واضحة، بالإضافة إلى دعم فاعل من المجتمع المدني من أجل تجاوز كل العقبات.