قضايا وآراء

في ذكرى نكبة 30 يونيو- 3 يوليو 2013

حمزة زوبع
"الجيش هو الطرف الفاعل الوحيد في السياسة في مصر منذ الانقلاب وإلى يومنا هذا"
"الجيش هو الطرف الفاعل الوحيد في السياسة في مصر منذ الانقلاب وإلى يومنا هذا"
"في ضوء ما يتردد على لسان بعض الشخصيات على وسائل الإعلام المختلفة، والتي تحاول توصيف بيان القيادة العسكرية على أنه انقلاب عسكري، تؤكد المؤسسة العسكرية على ما يلي: أن عقيدة وثقافة القوات المسلحة المصرية لا تسمح بانتهاج سياسة الانقلابات العسكرية. وقد سبق أن نزلت القوات المسلحة للشارع المصري في أعوام 1977-1986-2011 ولم تنقلب، بل كانت دائما تقف مع إرادة الشعب المصري العظيم وطموحاته نحو التغيير والإصلاح.

- جاء بيان القوات المسلحة بغرض دفع جميع الأطراف السياسية بالدولة لسرعة إيجاد حلول للأزمة الراهنة والتوصل إلى صيغة من التوافق الوطني الذي يلبي متطلبات الشعب المصري.

- كما أننا نؤكد أن بيان القيادة العامة للقوات المسلحة يعد تفاعلا مع نبض الشارع المصري، وقد أكد على أن القوات المسلحة لن تكون طرفا في دائرة السياسة أو الحكم ولا ترضى أن تخرج عن دورها المرسوم لها في الفكر الديمقراطي الأصيل النابع من إرادة الشعب" (الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة- الساعة 7:57 مساء يوم 1 تموز/ يوليو 2013)

دخل الجيش إلى عالم السياسة فترك العسكرية فلم يدافع عن مصالح مصر في أي من القضايا التي كانت تستأهل تدخله، مثل سد النهضة الإثيوبي، أو التمرد الذي تدعمه الإمارات في السودان (الحديقة الخلفية لمصر)، أو التمرد العسكري في ليبيا (البوابة الغربية للبلاد)

كان هذا البيان قبل 48 ساعة من المشهد التاريخي الذي توسطه وزير الدفاع المنقلب عبد الفتاح السيسي، مع بعض الجنرالات وبعض الشخصيات التي شاركت في حملة تمرد وجبهة الإنقاذ وشيخ الأزهر وراعي الكنيسة المصرية. والملاحظ أن البيان المشار إليه قد أكد وبوضوح أن الجيش لن يكون طرفا في دائرة السياسية، ليكتشف العالم كله بعد ذلك أن الجيش هو الطرف الفاعل الوحيد في السياسة في مصر منذ الانقلاب وإلى يومنا هذا، فلماذا أصف ما جرى بأنه نكبة سياسية خطيرة، إليكم بعض الأسباب:

1- دخل الجيش إلى عالم السياسة فترك العسكرية فلم يدافع عن مصالح مصر في أي من القضايا التي كانت تستأهل تدخله، مثل سد النهضة الإثيوبي، أو التمرد الذي تدعمه الإمارات في السودان (الحديقة الخلفية لمصر)، أو التمرد العسكري في ليبيا (البوابة الغربية للبلاد).

2- أفسد الجيش الحياة السياسية فلم يعد لها دور ولا حتى أثر، فلا يوجد برلمان يعول عليه، ولا توجد محاسبة ولا شفافية ولا رقابة، ولا يقيم الحكم العسكري القائم أي اعتبار لوجهة نظر الشعب فيما يجري من أمور عظيمة وخطيرة؛ ليس أقلها الوضع الاقتصادي المتدهور والديون المتراكمة والمتراكبة، وسنأتي عليها بإيجاز.

3- تضاعف حجم الدين المحلي والخارجي 7 أضعاف بنسبة 618 في المئة خلال فترة حكم السيسي، فقفز من 1.74 تريليون جنيه إلى 13.3 تريليون جنيه في نهاية أيلول/ سبتمبر 2024، منها 7.750 تريليون جنيه ديون خارجية، أي حوالي 155 مليار دولار أمريكي وذلك حتى عام 2024. وبالمناسبة، فنسبة الدين العام إلى الموازنة تصل إلى 92 في المئة أو يزيد ليتبقى 8 في المئة من الموازنة لتغطية بقية مشاريع الحياة في مصر من تعليم وصحة ونقل ومواصلات.. الخ.

4- يتعين على مصر سداد 43.2 مليار دولار التزامات خارجية للديون، منها 5.9 مليار دولار فوائد للديون و37 مليار أصل القروض حسب بيانات البنك الدولي.

5- ارتفع نصيب الفرد من الدين العام من 20 ألف جنيه في عام حكم الرئيس مرسي عليه رحمة الله ليصل إلى 116.8 الف جنيه في السنة العاشرة لحكم السيسي.

6- انهيار قيمة الجنيه المصري من 7,5 جنيه للدولار الواحد ليصبح سعر الدولار 51 جنيه مصري في الوقت الراهن، مع زيادة الأعباء اليومية وكثرة الواردات (95 مليار دولار سنويا) وضآلة دخل الفرد في مصر يوميا، مع حوالي دولار ونصف تقريبا، وهو لا يكفي للأكل والشرب والمواصلات والتعليم والصحة، بل إن متوسط الدخل لا يكفي ثمنا لكوب من الشاي على مقهى في حي وسط البلد.

7- أما على مستوى التعايش والتوافق الوطني وهو الضمانة الرئيسية لبقاء الدول، فقد حدث انشقاق وصدع كبير ورهيب، ورفع الانقلاب شعار "إحنا شعب وانتو شعب" في إعلان حرب صريح على كل من يخالفه. ولا تزال مصر تنزلق يوما بعد يوما في هاوية سحيقة، ولا أحد ينسى أن مصر تحولت إلى سجن كبير أو مجموعة سجون (88 سجنا) منها 44 سجنا بنيت بعد الانقلاب المشئوم، تضم مئات الألوف من المعتقلين الأبرياء ممن يتجاوز عمر بعضهم التسعين عاما، ومثلهم أو أضعافهم في المنافي، وعشرات الألوف مختفون قصريا لا يعلم إلا الله أين هم، وهل لا يزالون على قيد الحياة أم قتلتهم السلطة الباغية.

8- في السياسة الخارجية تقزم الدور المصري وأصبح محاصرا من جانب ثلاث دول هي الإمارات والسعودية ودولة الكيان، فمصر التي وقف رئيسها الشهيد محمد مرسي معلنا "لن نترك غزة وحدها" فور استلامه للسلطة، ليست مصر اليوم التي تحاصر غزة وتترك القضية برمتها للقادمين عبر الحدود من بعيد لكي يتولوا مسئولية توزيع المساعدات، مع القتل والقصف اليومي لأهلنا في غزة، دون أن تحرك أو تملك القدرة أو القرار على تحريك شيء عبر الحدود التي أغلقتها بالضبة والمفتاح في وجه القادمين لنجدة أهل غزة، وحتى على مستوى التفاوض أصبح الدور المصري ضعيفا وفي بعض الأحيان معينا للدور الصهيوني وغير قادر على تقديم أي دعم أو رؤية سياسية للحل سوى رفع شعار لا للتهجير، بينما القتل والإبادة يسيران على قدم وساق أمام أعين الجميع.

في بلد هكذا وضعه الاقتصادي والسياسي قام النظام ببناء عاصمة إدارية كلفت ميزانية الدولة حوالي 42 مليار دولار حتى اليوم، لكي يسكنها السيسي وثلة من جنرالات الجيش، ونقل الوزارات بالأمر المباشر إلى الصحراء، وقرر أن تقوم الدولة بدفع إيجارات سنوية مليارية للشركة المشرفة على العاصمة الجديدة

9- أصبحت صورة مصر في عيون العالمين العربي والإسلامي وكأنها دولة حصار وليست دولة جوار، وكلما تداعت مجموعات أو دول أو منظمات لفك الحصار خرجت الأبواق الإعلامية الزاعقة والناعقة لتسب الداعين وتعتبرهم خونة وقطّاع طرق ودعاة حرب يرغبون في توريط مصر في حرب مع الكيان الصهيوني، والجميع يعلم أن مصر ليست قادرة على شن حرب وبالكاد يمكنها صد العدوان إن حدث بصورة فجة.

10- بينما أكتب هذه المقالة، فإن العلاقة بين مصر والسعودية ليست في أحسن أحوالها، والجنرال السيسي محاصَر ويشعر بأن ثمة مؤامرة يتم التخطيط لها لدرجة أنه قال في خطابه الأخير بمناسبة ما يسمى بثورة 30 يونيو (أن لن يركع لغير الله) ولا أدري من الذي طلب منه الركوع. كما أن العلاقة بين مصر والنظام الجديد في سوريا شبه مجمدة، ويعلم الجميع أن الدور المصري في سوريا حاليا معطل بأوامر من خارج سوريا، وأن شروط مصر التي رفعتها في وجه النظام الجديد لن يتحقق منها شيء، وأن النظام يشعر بأن ما جرى في سوريا جرى بعيدا عن عينيه رغم أهمية سوريا لمصر تاريخيا.

11- على المستوى الأفريقي، غابت مصر بالكلية ونشأت قوى سياسية صاعدة وواعدة تتزعمها إثيوبيا ورواندا وبروندي وبالطبع جنوب أفريقيا، وكلها دول تخلصت من الحروب الأهلية والصراعات السياسية وتوجهت نجو بناء دولة الإنسان، وليس كما يجري في مصر.

12- انقلاب الثالث من تموز/ يوليو أسس لمجموعة من الانقلابات على الحكومات الشرعية المنتخبة في تونس وليبيا، وحتى الكويت جرى فيها انقلاب دستوري ناعم قبل عام وتم تعطيل الحياة السياسية بالكامل، في تكرار للتجربة المصرية في 2013.

وختاما، ففي بلد هكذا وضعه الاقتصادي والسياسي قام النظام ببناء عاصمة إدارية كلفت ميزانية الدولة حوالي 42 مليار دولار حتى اليوم، لكي يسكنها السيسي وثلة من جنرالات الجيش، ونقل الوزارات بالأمر المباشر إلى الصحراء، وقرر أن تقوم الدولة بدفع إيجارات سنوية مليارية للشركة المشرفة على العاصمة الجديدة بالأمر المباشر، حتى يقنع الشعب بأن مشروعه ناجح ويدر مليارات على الشركة أيضا، ولكي يعيش وأولاده وأحفاده في قصور مشيدة ولا يسكن معه في هذا العاصمة الجديدة سوى 25 ألف مواطن تم اختيارهم بعناية ودقة وفحص وتمحيص.

لك الله يا مصر..
التعليقات (0)

خبر عاجل