أظهر تحقيق لوكالة
رويترز أن سقوط نظام بشار
الأسد وتولي أحمد
الشرع رئاسة
سوريا في 29 كانون الثاني/يناير فجّر موجة عنف دامية في مناطق العلويين بالساحل السوري، قُتل فيها 1479 شخصًا في مجازر نفذتها خمس مجموعات مسلحة، على حد تعبيرها.
في 29 كانون الثاني/ يناير .. اجتمع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع وأكثر من 12 قياديا آخر من فصائل مسلحة وحدت صفوفها للإطاحة ببشار الأسد في القصر الرئاسي بالعاصمة السورية دمشق لإظهار الوحدة بين رجال تقاتلوا فيما بينهم بنفس قدر قتالهم للأسد تقريبا.
وتولى الشرع الرئاسة وأصدر قرارات بتعليق العمل بالدستور وحل الجيش والأجهزة الأمنية التي كانت قائمة في عهد الأسد.
وقال الشرع "أشرقت شمس سوريا من جديد".
وتولى كل قيادي فرقة عسكرية وحصل على رتبة، وتعهدوا بدمج جماعاتهم في الجيش السوري الجديد. ونظريا، حل الشرع هيئة تحرير الشام التي كانت في السابق فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا عندما كانت تحمل اسم جبهة النصرة.
وكانت أعمال تمرد نفذها موالون للأسد في أوائل آذار/ مارس في مناطق الساحل السوري أول اختبار لتلك الوحدة الهشة.
وبعد ساعات فقط من اندلاعها، دعت الحكومة الجديدة إلى نشر تعزيزات لدحر الانتفاضة وفلول حكومة الأسد. وتدفقت وقتها عشرات الآلاف من المركبات التي تنقل المقاتلين والأسلحة على المنطقة.
وقال ثلاثة مصادر أمنية بينهم محمد الجاسم قائد فرقة السلطان سليمان شاه المعروفة أيضا باسم "عمشات" إن وزارة الدفاع قسمت منطقة الساحل السوري إلى قطاعات ووضعت كل منها تحت إمرة مسؤول كبير لتنسيق التحركات.
وخلص تحقيق أجرته رويترز إلى أن 1479 علويا قُتلوا فضلا عن فقد العشرات في 40 موقعا شهدت عمليات قتل انتقامية وانفلاتا وأعمال نهب.
وكان الشرع قال في أيار/ مايو الماضي، تعليقا على أحداث الساحل بأن المتسببين في "المقتلة" هم "فلول النظام السابق" وأوعز بـ"بتشكيل لجنتين إحداهما للسلم الأهلي والثانية لتقصي الحقائق ومحاسبة مرتكبي الجرائم والمسؤولين عنها".
وقال في مقابلة مع وكالة رويترز في آذار/ مارس "لا نقبل أن يكون هناك قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب، مهما كان حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا، الاعتداء على حرمة الناس ودمائهم أو أموالهم خط أحمر في سوريا".
وتابع في المقابلة أن "موالين للأسد ودولة أجنبية متحالفة هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سوريا".
وقال وزير الخارجية، أسعد الشيباني إن "فلول النظام البائد حاولت إشعال حرب أهلية في سوريا بإشعالها أحداث الساحل".
وقال بيان رسمي للحكومة، إن "الأحداث المؤسفة في الساحل بدأت باعتداء غادر وبنية مسبقة للقتل شنته فلول النظام البائد، مستهدفةً قوات الأمن العام والجيش، وقد ارتكبت خلاله انتهاكات بحق أهالي وسكان المنطقة، بدوافع طائفية أحيانًا، وقد نجم عن ذلك غياب مؤقت لسلطة الدولة، بعد استشهاد المئات من العناصر، ما أدى إلى فوضى أمنية تلتها انتقامات وتجاوزات وانتهاكات، وقد أخذت اللجنة الوطنية على عاتقها التحقيق في هذه الانتهاكات وإصدار نتائجها خلال ثلاثين يومًا".
وتابع بيان الحكومة بأنها "مستعدة للتعاون مع المنظمات الحقوقية والسماح لها بالوصول إلى جميع أنحاء البلاد قد حظيت بإشادة لجنة التحقيق الدولية، حيث تتوافق هذه الجهود مع نهج مصالحة وطنية شاملة ترتكز على العدالة الانتقالية التي تخص المجرمين وحدهم، وتعد الدولة ومؤسساتها المرجعية الأساسية في هذا الإطار دون أي انتقام".
وبحسب تحقيق رويترز، شاركت خمس مجموعات كبيرة في عمليات القتل الجماعية التي تلت ذلك في بلدات وأحياء للعلويين تعرض العديد منها للاستهداف من عدة جماعات على مدى ثلاثة أيام، وتلك الجماعات هي:
وحدات هيئة تحرير الشام
تضمنت هذه المجموعات الفرقة 400 ولواء عثمان وجهاز إنفاذ القانون الأساسي المعروف باسم جهاز الأمن العام. وخلصت رويترز إلى مشاركتهم في عشرة مواقع على الأقل قُتل فيها نحو 900 شخص.
وقبل سقوط الأسد، شكل جهاز الأمن العام بالنسبة لهيئة تحرير الشام ذراع إنفاذ القانون في محافظة إدلب التي خضعت لسيطرة الجماعة. والجهاز الآن جزء من وزارة الداخلية السورية.
وفي 2020، وصفت الأمم المتحدة تقارير عن عمليات إعدام وانتهاكات على يد سلطات إنفاذ القانون التابعة لهيئة تحرير الشام بأنها "مقلقة للغاية".
ووثقت هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان كيف قتلت هيئة تحرير الشام، التي كانت لا تزال وقتها تحمل اسم جبهة النصرة، 149 علويا في عمليات إعدام خارج نطاق القانون في اللاذقية في 2013.
وجاء ذكر الفرقة 400 في عدد قليل من المنشورات على الإنترنت ليس من بينها أي منشور على حساب رسمي للحكومة السورية. وُنشر العديد منها في أوائل ديسمبر كانون الأول وباستخدام صياغة متطابقة قالت تلك المنشورات إن مقاتلي الفرقة 400 يجري نشرهم في غرب سوريا. ووصفت المنشورات الفرقة 400 بأنها "من أقوى الفرق" التابعة لهيئة تحرير الشام "ومدربة تدريبا عاليا ومجهزة بأحدث الأسلحة".
ووفقا للعديد من الشهود وأفراد من الفرقة، انتقلت بعد ذلك إلى مناطق ساحلية بعد سقوط الأسد. وقال مصدر مخابرات أجنبي إن الفرقة أقامت مقرها في الأكاديمية البحرية السورية السابقة وتتلقى الأوامر فقط من أعلى مستويات القيادة في وزارة الدفاع.
جماعات مسلحة مدعومة من تركيا
على مدى العقد الماضي شنت تركيا عمليات توغل عسكرية في سوريا ودعمت فصائل مسلحة هناك لمواجهة قوات الأسد والقوات الكردية التي تعتبرها تهديدا.
وكانت تلك الفصائل جزءا من الجيش الوطني السوري، وهو جماعة مدعومة من تركيا وثاني أكبر تحالف معارض في سوريا. ووفقا لهيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى، فإن لفصائل الجيش الوطني السوري سجلا طويلا من عمليات الخطف والعنف الجنسي والنهب.
ومن بين الفصائل التي دعمتها تركيا خلال الحرب الأهلية فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة.
وفي عمليات قتل العلويين، توصلت رويترز إلى ضلوع هاتين الجماعتين في ثمانية مواقع مختلفة على الأقل، حيث قتل ما يقرب من 700 شخص.
وكتب عنصر تابع لفرقة السلطان سليمان شاه على صفحته على فيسبوك "أغلقوا الكاميرات واقتلوا كل ذكر منهم إنما دمهم دم خنزير نتن".
فصائل سنية
تشمل تلك الفصائل جماعات مناهضة للأسد من بينها جيش الإسلام وجيش الأحرار وجيش العزة. وخلصت رويترز إلى وجود تلك الفصائل في أربعة مواقع على الأقل قتل فيها ما يقرب من 350 شخصا.
وفي عام 2013 احتجزت جماعة جيش الإسلام عددا من النساء والرجال العلويين ووضعتهم في أقفاص معدنية كبيرة لاستخدامهم دروعا بشرية في وجه الغارات الجوية السورية والروسية في دمشق. وتحمّل منظمات معنية بحقوق الإنسان الجماعة المسؤولية عن اختفاء نشطاء بارزين خلال الانتفاضة.
مقاتلون أجانب
تواجد مقاتلون من الحزب الإسلامي التركستاني ومقاتلون من أوزبكستان والشيشان وبعض المقاتلين العرب في ستة مواقع خلصت رويترز إلى أن ما يقرب من 500 شخص قُتلوا فيها.
سكان سنة يحملون السلاح
دفع الاحتقان الطائفي الذي خلفته سنوات من الحرب الأهلية وانتهاكات الأسد الناس إلى مهاجمة قرى وأحياء مجاورة يسكنها العلويون، وهم أقلية تنتمي لها عائلة الأسد. وتوصلت رويترز إلى أن الموقعين الرئيسيين لهذه المجازر الانتقامية هما قرية أرزة ومدينة بانياس حيث قتل 300 شخص.
كيف أحصت رويترز أعداد القتلى؟
وأحصت رويترز القتلى من خلال جمع قوائم محلية بأسماء القتلى، كان كثير منها مكتوب بخط اليد، من زعماء محليين محلية وأسر القتلى.
وكان أيضا لدى عدد من سكان القرى صور وتفاصيل شخصية عن القتلى. وعكفت رويترز على التحقق من الأسماء في كل من القوائم التي كانت مكتوبة باللغة العربية مع ناشطين إما في كل من القرى التي شهدت أعمال القتل أو يديرون صفحات على فيسبوك أو في الخارج ولهم أقارب في الأماكن التي تعرضت للهجوم.
وفيما يخص كل مذبحة، جمعت رويترز أيضا صورا للقتلى وصورا لمقابر جماعية وحددت مواقعها.
وفي 11 آذار/ مارس، قالت الأمم المتحدة إنها أحصت 111 وفاة، لكنها أقرت بأن العدد أقل من العدد الحقيقي. ولم تعلن أي تحديث لحصيلة القتلى في إحصاءاتها منذ ذلك الحين.
ويشير أحدث إحصاء من الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة مستقلة، إلى مقتل 1334 شخصا، منهم 60 طفلا و84 امرأة. وقالت الشبكة إن من بين هذا الإجمالي، قتلت القوات الحكومية 889 شخصا، فيما قتل مقاتلون موالون للأسد 446 شخصا. وأضافت أن القتلى البالغ عددهم 446 نصفهم من المدنيين والنصف الآخر من القوات الحكومية. ولم توضح الشبكة سبل تأكدها من هويات الجناة. ولم يتسن لرويترز التحقق من العدد الذي أعلنته الشبكة للقتلى الذين قتلهم موالون للأسد أو القوات الحكومية.
وفي 17 آذار/ مارس، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو منظمة أخرى من منظمات المجتمع المدني، إن إحصاءاته خلصت إلى مقتل 1557 من المدنيين، لكنه لم يوضح كيف توصل إلى هذا الرقم. وخلصت إحصاءاته أيضا إلى مقتل 273 من القوات الحكومية و259 من المسلحين العلويين التابعين لقوات موالية للأسد.
وقال الرئيس الشرع إن 200 من أفراد القوات الحكومية لقوا حتفهم. ولم تنشر الحكومة إحصاء للقتلى في صفوف المدنيين العلويين.