مقالات مختارة

عدوان الجمعة 13

جيتي
انتهت فيما يبدو المهلة التي وقع التفاهم بشأنها بين إدارة الكيان والإدارة الأمريكية، والتي كانت في حدود 60 يوما، إذ أنه في اليوم الـ60، من يوم الجمعة 13، شنّ الكيان عدوانا واسعا على إيران.

كان واضحا حجم التهديد والوعيد الذي ارتفع منسوبه خلال الـ48 ساعة التي سبقت تحرك الإدارتين من أجل تنفيذ العدوان باغتيال قادة عسكريين وعلماء ذرة وضرب أهداف على الأرض. عملية منسقة حتى ولو نفت الإدارة الأمريكية ضلوعها فيها، فالكيان طالما كان اليد الطويلة للدركي الأمريكي في المنطقة، وأداته في “تأديب” كل “مارق”.

الآن وقد “جاءت ضربة الفاس في الراس”، كما يقول المثل، فالمنطقة كلها باتت على شفا حفرة من الانفجار.

لقد كان واضحا تماما أن حكومة الكيان، وإدارتها سواء في المعارضة أو الحكومة، كانت تنتظر فرصة تقاطع مصالحها مع مصالح الإدارة الأمريكية في لحظة ما، وكانت على علم بأن إيران لن تقبل بالمساس ببرنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم على أرضها، لأن ذلك يُنقص من سيادتها، وأن ذلك يعني استسلاما وهزيمة لمحور المقاومة كله والذي تدعمه إيران.

إدارة ترامب كانت تريد أن تحصل على جلد الدب من دون اضطرار إلى قتله، وكانت تعلم أن ذلك صعب المنال، مع ذلك، عملت على كبح انجراف الكيان نحو هذه المغامرة المحفوفة بكل المخاطر، ريثما يتسنَّى لها التأكد من أن إيران قد تقبل بصفقة تسوية ديبلوماسية وقبولها رفع العقوبات عنها مقابل التخلي عن مشروعها النووي بالكامل، أي الوصول إلى درجة “التطبيع”.

كل المؤشرات تقول إنه كان هناك تطابقٌ في الرؤية بين الإدارتين، مع فارق بسيط في طريقة التعامل قبل اللجوء إلى الحرب والعدوان على إيران.

حكومة الكيان كانت ترى ومنذ مجيء ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، أن هذه هي أكبر فرصة لها لتقوم بما كانت تحلم به، لاسيما نتنياهو، ومنذ أكثر من عشرين سنة، ومعه اليمين الديني واليسار العلماني، لا فرق، بل إنّ المعارضة كانت أكثر ما زايد على نتنياهو، في مطالب ضرب إيران.

الكيان كان يرى أن هذه الفرصة يجب أن لا تفلت منه وأنه يجب القبض عليها اليوم قبل الغد، حتى أن الكنيست قد نجا من مشروع حلّ نفسه بنفسه، بعد أن كانت كل من المعارضة والحاخامات والحريديم يطالبون بقوة بحل الكنيست فورا والتعجيل بانتخابات مبكِّرة.

هذا الأمر أجهضه نتنياهو بمناوراته ودسائسه التي لا تنتهي، قبل بساعات قليلة من انعقاد الجلسة، ووفّر لنفسه بقاء الكنيست غطاء له على رأس الحكومة، بعد أن أقنع التيار الديني الذي كان يتعجل حل الكنيست بسبب قانون تجنيد الحريديم. فلقد أصروا على معرفة السبب الذي يدعو رئيس وزراء الكيان إلى التأجيل، أنهم مقبلون على حدث كبير.

هذا الحدث يبدو أنه أسرّه إلى معارضيه في اللحظات الأخيرة، وهو ضرب إيران الوشيك، فكانت الصفقة، وكان بقاء الكنيست وكانت الضربة فجر الجمعة 13. إنها سياسة الهروب إلى الأمام أيضا لرئيس وزراء ما يلبث أن يهرب كل مرة من حرب نحو أخرى ومن جبهة نحو جبهة أخرى، بغرض إطالة عمر الحروب، لأن في ذلك سرُّ طول عمر حكومته وعمره السياسي الخاص.

هكذا، وفي انتظار تبعات ذلك، ونحن في اليوم الأوّل من العدوان على إيران، نتوقع ردودا قوية من طهران ومزيدا من الضربات الصهيونية وتدخُّلا أمريكيا وحتى أطلسيا للدفاع عن الكيان باعتراض صواريخ إيران ومسيّراتها، قبل الوصول وأيضا فوق الأراضي المحتلة.

الشروق الجزائرية