ملفات وتقارير

ما أسباب وتداعيات محاولات الانقلاب المتكررة في بوركينافاسو؟

شهدت القارة الأفريقية منذ العام 2012 نحو 46 انقلابا أو محاولة انقلابية على السلطة- جيتي
جاءت محاولة الانقلاب الجديدة في بوركينافاسو، لتثير التساؤلات من جديد حول أسباب تعدد هذه المحاولات في فترة وجيزة والتداعيات المتوقعة في البلاد، بعدما وصف المجلس العسكري الحاكم المحاولة الانقلابية بأنها "مؤامرة كبرى قيد الإعداد وتهدف إلى نشر فوضى شاملة".

وقال وزير الأمن في الحكومة الانتقالية محمدو سانا، في بيان عبر التلفزيون الرسمي: "العمل الدقيق الذي قامت به أجهزة الاستخبارات، كشف عن مؤامرة كبرى يجري الإعداد لها ضد البلاد والهدف منها هو زرع الفوضى الشاملة".

وأشار إلى أن "العقول المدبرة للمحاولة الانقلابية توجد خارج البلاد، خصوصا في ساحل العاج" مضيفا أن "هذه المحاولة الانقلابية كانت ستؤدي وفقا لخطة من سماهم ’الإرهابيين’ إلى هجوم على رئاسة بوركينا فاسو، من قبل مجموعة من الجنود جندهم أعداء الأمة".



وعلى ضوء ذلك، فقد شن المجلس العسكري الحاكم حملة اعتقالات طالت عددا من الضباط، فيما أقال آخرين، بتهمة أنهم على صلة بمخططي المحاولة الانقلابية الفاشلة.

ومن بين الضباط الكبار الذين تم اعتقالهم إثر محاولة الانقلاب، القائد السابق للقضاء العسكري العقيد فريديريك ويدراغو، الذي كان يحقق مع قيادات عسكرية متهمة بمحاولة الإطاحة بالنظام في عام 2023.

واعتقل أيضا النقيب إليزيه تاسيمبيدو قائد مجموعة المنطقة العسكرية الشمالية، وقد كان موجودا في العاصمة واغادوغو لحضور اجتماع أمني رفيع.

ووفق تقارير إعلامية فإنه ومنذ وصول إبراهيم تراوري إلى السلطة، زادت في بوركينافاسو عمليات الاعتقالات وبخاصة بحقّ مدنيّين يُعتبرون مناهضين للمجلس العسكري وجنود يتّهمهم النظام بالتآمر ضدّه.

محاولات انقلابية متعددة
ومنذ وصول النقيب إبراهيم تراوري إلى السلطة، إثر انقلاب عسكري في سبتمبر 2022، فقد أعلن نظامه في مناسبات عدة عن إحباط محاولات انقلابية تستهدف الإطاحة به.

وقد عرفت البلاد منذ العام 2022 خمس محاولات انقلابية من بينها ثلاث محاولات انقلابية في العام 2024، حيث تعتبر بوركينافاسو من الدول الأفريقية الأكثر عرضة للانقلابات العسكرية نظرا لتنافس كبار الضباط في الوصول إلى السلطة عبر الانقلابات.

وفي هذا الإطار يرى عدد من المتابعين وخبراء الشأن الأفريقي أن كثرة المحاولات الانقلابية في هذا البلد الغرب أفريقي باتت لافتة للانتباه، خصوصا أن مثل هذه المحاولات الانقلابية لم تحصل في مالي ولا في النيجر المجاورتين واللتان يحكمهما قادة عسكريون وصلوا إلى السلطة بشكل مشابه لما حصل في بوركينافاسو.

ويرى الخبير المختص في الشأن الأفريقي، محفوظ ولد السالك، أن تكرار المحاولات الانقلابية في بوركينافاسو "يثير أسئلة حقيقية بشأن استهداف نظام تراوري دون غيره، وبشأن فشل جميع المحاولات كذلك".

وأضح ولد السالك في تصريح لـ"عربي21" أن هذا الأمر سبق أن شكك فيه السياسي المالي عيسى كاو نجيم في نوفمبر 2024، وتم اعتقاله بشكوى من سلطات بوركينا فاسو.

انقسامات بالمؤسسة العسكرية
وقال ولد السالك إن تكرار المحاولات الانقلابية وتمكن المجلس العسكري في الوقت نفسه من إحباطها بات يشي بأن المؤسسة العسكرية في بوركينا فاسو ربما تشهد انقسامات وخلافات بشأن استمرار تراوري في السلطة.

ورأى أن هناك أسبابا عديدة قد تكون وراء المحاولات الانقلابية، أولها "تمسك تراوري بالبقاء في السلطة، بعد أن وعد بأنه سيمكث فقط أشهرا قليلة، وهذا قد يكون مثار إزعاج لأصحاب الرتب العليا في الجيش، فبعد أن أمضى أزيد من عامين رئيسا فإنه تم تمديد رئاسته لخمس سنوات كذلك".

وأوضح ولد السالك أن العامل الثاني ربما يكون هو "كثرة خلق العداوات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يكثر فرص عدم الاستقرار السياسي، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من عدم استقرار أمني منذ 10 سنوات، وهذا يجعل الرئيس الشاب الذي لا تجربة لديه في الحكم ولا في السياسة، يجد صعوبة في مسايرة وقع الأزمات خصوصا أن رؤى وتصورات البناء لديه محصورة فقط في القطيعة مع الغرب، والعزف على وتر المظلومية من طرف الاستعمار السابق".

هل من دور للقوى الإقليمية والدولية؟
بالرغم من التوتر الحاصل في علاقات بلدان كونفدرالية الساحل بما فيها بوركينافاسو، مع بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" والغرب خصوصا فرنسا، فإن متابعين يستبعدون أن يكون هناك دعم مباشر للمحاولات الانقلابية في بوركينافاسو، فيما يرى البعض أنه لا يمكن فصل ما حدث عن الصراع الإقليمي والدولي الحاصل.

وفي هذا السياق استبعد الخبير في الشؤون الأفريقية محفوظ ولد السالك، في حديث لـ"عربي21" أن تكون هناك قوى إقليمية وراء مسعى الإطاحة بتراوري.

ولفت إلى أن السياق الإقليمي العام يتسم بالانفراج والتصالح مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، "إذ إنه لأول مرة منذ انسحاب البلدان الثلاثة من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، تحتضن أكرا قمة تجمع بين بلدان سيدياو (إيكواس) وتحالف الساحل الذي يضم الدول الثلاث، من أجل خفض التوتر وبحث فرص التعاون".

وأضاف: "كل ما في الأمر بالنسبة لي أن حدود بوركينافاسو مع كوت ديفوار (ساحل العاج) ليست مستقرة أمنيا، وبالرغم من أن موقف البلاد لم يتصالح بعد مع الانقلابات العسكرية إلا أنه لم يعد بذلك التشدد والصرامة، وبالتالي فلا أعتقد أن ثمة دعما للمحاولات الانقلابية هذه".

في المقابل يرى المحلل السياسي المتابع للشأن الأفريقي، الولي سيدي سيدي هيبه، أنه لا يمكن فصل هذه المحاولة الانقلابية عن الصراع الإقليمي والدولي في منطقة الساحل الأفريقي.

وأضاف في تصريح لـ"عربي21": "منطقة الساحل بشكل عام تعيش حالة استثنائية وتعتبر منطقة صراع دولي وإقليمي، وبالتالي فإنه لا يمكن فهم تكرر المحاولات الانقلابية في بوركينافاسو خارج السياق الحالي في الساحل وهو سياق صراع الهيمنة الروسي الغربي".

واعتبر أن بوركينافاسو، ستكون على موعد مع محاولات انقلابية أخرى ما دامت الظروف الحالية قائمة، مضيفا أن روسيا بدأت تكسب نفوذا في المنطقة على حساب فرنسا والأوروبيين.

وفي الوقت الذي يعرف فيه نفوذ فرنسا في الساحل الأفريقي ما يشبه انتكاسة، فقد استغلت روسيا الوضع من خلال حضور عسكري واقتصادي لافت.

تداعيات متوقعة
ويرى متابعون للشأن الأفريقي أن هذه المحاولة الانقلابية ستكون لها تداعيات من بينها "استغلال الجماعات المسلحة لهذه الأوضاع وتكثيف هجماتها ضد الجيش والمدنيين.

وأشار ولد السالك إلى أن أجواء عدم الاستقرار السياسي ومحاولات الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، تؤثر على البلدان التي تشهدها وعلى المنطقة بشكل عام.

ولفت إلى أنه على الصعيد الداخلي "تستغل الجماعات المسلحة الفرصة لتعزيز حضورها والسعي للسيطرة على المزيد من المناطق، وتكثيف الهجمات ضد الجيش والمدنيين، بحيث تشكل عامل ضغط مساعدا على التجييش الداخلي ضد النظام، وإظهار أنه غير قادر على مواجهة التحديات المحدقة بالبلاد".

وأضاف أنه على الصعيد الإقليمي "قد يدفع الأمر بعسكريين آخرين لتنفيذ محاولات أخرى ضد أنظمة سياسية مدنية، كما سبق أن حصل في السنوات الماضية في بعض دول القارة، فضلا عن توتير العلاقات بين الدول جراء تبادل الاتهامات".

وشهدت القارة الأفريقية منذ العام 2012 نحو 46 انقلابا أو محاولة انقلابية على السلطة، وذلك بمعدل 4 انقلابات أو محاولة انقلابية في العام تقريبا، فيما تشير بعض الإحصاءات إلى أن الانقلابات في أفريقيا شكلت ما يقرب من 36% من جميع الانقلابات على مستوى العالم، وغالبية هذه الانقلابات في بلدان منطقة غرب أفريقيا، التي تضم بوركينافاسو ومالي والنيجر وبنين والرأس الأخضر وغامبيا وغانا وغينيا وغينيا بيساو وساحل العاج وليبيريا ونيجيريا وموريتانيا والسنغال وسيراليون وتوغو.