مقالات مختارة

الإعلام غير الاجتماعي وخطاب الكراهية

أحمد أويصال
جيتي
جيتي
شارك الخبر
فيما يرى ابن خلدون أنّ الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، وأنّ الاجتماعية تقوم على التواصل والنظام والاستقرار والتضامن والعدالة، يُفترض بوسائل التواصل الاجتماعي، بحكم تسميتها ووظيفتها، أن تعزّز الحوار والتفاهم وترسّخ قيم العدالة والتكافل بين الناس، بما يدعم البعد الاجتماعي للمجتمع. غير أنّ الانتشار الواسع لهذه المنصّات، التي تجاوز عدد مستخدميها اليوم المليار، يثير إشكالًا جوهريًا حول دورها الفعلي: هل أصبحت أداة لنشر السلام والطمأنينة، أم تحوّلت إلى فضاء يُغذّي خطاب الكراهية ويُسهم في تصاعد مظاهر العنف؟

تُعدّ منصّات التواصل الاجتماعي في وقتنا الحاضر فضاءات لتبادل المعلومات والأفكار، كما تُستخدم أيضًا لأغراض ترفيهية. غير أنّ هذه المنصّات تحوّلت، من جهة أخرى، إلى مجالٍ لانتشار خطاب الكراهية والعنف. ويعود جزء من ذلك إلى طبيعة التفاعل البشري، إذ إن «الأخبار السيئة تنتشر بسرعة». فالمحتويات العاطفية والغاضبة وردود الفعل الانفعالية تنتشر على نحوٍ أسرع من غيرها. وعلى الرغم من صعوبة القول إن منصّات التواصل الاجتماعي تتعمّد نشر العنف، فإن آليات عملها وطريقة اشتغالها تتيح، بشكلٍ غير مباشر، انتشار خطابات الكراهية والعنف.

تعمل هذه المنصّات، في إطار سعيها إلى تعظيم الأرباح الإعلانية، على إتاحة المجال أمام القضايا السلبية والخلافية لتحقيق مستويات عالية من التفاعل. وفي هذا السياق، تبرز في العلوم الاجتماعية ظاهرة «غرفة الصدى»، التي تشير إلى حالة ينغلق فيها الأفراد ضمن فضاء تكرَّس فيه آراؤهم وقناعاتهم الذاتية، فلا يكادون يسمعون إلا ما ينسجم معها. وبناءً على ذلك، يميل أصحاب الانتماءات الفكرية أو الميول الأيديولوجية المتقاربة إلى التفاعل مع من يوافقونهم الرأي، على حساب الانفتاح على الأفكار المختلفة أو الدخول في حوار نقدي معها.

في هذا السياق، تُعاد الأفكار المتشابهة باستمرار فتترسّخ وتتعزّز، بينما تصبح وجهات النظر المختلفة غير مرئية، ويبدأ الفرد في إدراك آرائه بوصفها الحقيقة المطلقة، وكأنّه محاصر داخل منظومته الفكرية الخاصة. ونتيجة لذلك، تسهم «غرف الصدى» في تعميق الاستقطاب المجتمعي، وإضعاف التفكير النقدي، وتهيئة بيئة لانتشار المعلومات المضلِّلة دون تمحيص أو مساءلة. ولهذا، يُعرَف أن جماعات سياسية مختلفة توظّف خبراء مختصّين في وسائل التواصل الاجتماعي وتبذل جهودًا كبيرة للتأثير في هذا الفضاء.

على غرار ما يجري في الواقع الاجتماعي، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى فضاء للصراع السياسي والثقافي، حيث انتقلت الاشتباكات التي كانت تدور في الشوارع، كما في نزاعات العصابات، إلى مواجهات إعلامية على المنصّات الرقمية. وفي الوقت ذاته، يسهم التعرّض المتكرر لمشاهد العنف عبر الإنترنت في تطبيع العنف أو في إضعاف الحساسية المجتمعية تجاهه. إضافة إلى ذلك، توظّف الجماعات المتطرفة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثّف ونشط، سعيًا إلى ترسيخ أجنداتها الخاصة أو استقطاب مؤيدين جدد.
لا تُظهر القدر نفسه من الحرص عند التعامل مع الاستخدامات خارج السياق الغربي

في الواقع، لا تُعدّ شركات وسائل التواصل الاجتماعي بريئة تمامًا. فهي تدّعي أنها تقوم بتصفية محتويات العنف والكراهية، وتطبّق هذا المبدأ إلى حدٍّ كبير في اللغات الغربية، لكنها لا تُظهر القدر نفسه من الحرص عند التعامل مع الاستخدامات خارج السياق الغربي. وفي هذه الحالات، تُقدّم الربح على العدالة، وتتغاضى عن خطاب الكراهية من أجل زيادة التفاعل. وقد لوحظ أنها عندما تريد، تقوم بسرعة بتصفية وحذف المنشورات المناهضة لإسرائيل بجميع اللغات تقريبًا.

معظم هذه الشركات المتمركزة في الغرب تخضع لرقابة أشدّ في الدول الغربية، ويمكن مقاضاتها عند الضرورة. غير أنها في دول أخرى تستطيع الإفلات من المسؤولية. ومن جهة أخرى، تخصّص بعض الدول موارد كبيرة لاستخدام حسابات افتراضية، تُعرف بـ«الذباب الإلكتروني» أو «الجيوش الإلكترونية»، من أجل صناعة الرأي العام وفرض أجندات معيّنة. في الوقت الذي تنشر فيه الحسابات الوهمية خطابات الكراهية، تتغاضى شركات وسائل التواصل الاجتماعي عن الحسابات المزيفة والمنشورات التحريضية ظالمة ضد المسلمين في بعض الدول.

ما الحلول الممكنة؟ تُعدّ التربية على الثقافة الإعلامية وتعليم أساليب الاستخدام النقدي أمرًا ضروريًا. ويمكن تمكين الناس، ولا سيما الشباب، من التمييز بين المحتوى العادي والمحتوى التحريضي والمضلِّل. كما يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي، عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، تصفية خطابات التحريض والكراهية والعنف بجميع اللغات، إلا أن سجلّها في ما يتعلق بقضيتي إسرائيل وفلسطين ليس إيجابيًا إلى حدٍّ كبير. والأهم من ذلك كله، يمكن إحراز تقدم من خلال تعزيز الوعي المجتمعي على المستويين المحلي والوطني، وتطوير التعاون بين المجتمعات، غير أن الوصول إلى حل شامل يظل أمرًا غير سهل.

الشرق القطرية
التعليقات (0)