صوّت نواب الجمعية الوطنية الفرنسية لصالح لائحة مقدمة من "حزب التجمع الوطني" اليميني المتطرف تدعو إلى إلغاء الاتفاق الفرنسي الجزائري للهجرة الموقع سنة 1968، وتم اعتماد النص بـ 185 صوتا مقابل 184 في حين عارضته أحزاب اليسار والأغلبية الرئاسية والحكومة.
ومن بين 92 نائبا في "الكتلة الماكرونية" لم يحضر سوى 30 للتصويت ضد اللائحة، فيما امتنع ثلاثة عن التصويت، كما سجّل غياب في صفوف باقي الكتل من أصل 72 نائبا من حزب "فرنسا الأبية" حيث شارك 52 فقط، ومن بين 69 اشتراكيًا صوت 53، فيما حضر 32 من أصل 38 نائبًا بيئيا، وستة فقط من أصل 17 في الكتلة الشيوعية والمناطق ما وراء البحار، وشارك 12 نائبا من حزب "الحركة الديمقراطية" (MoDem) لرئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو في الاقتراع، عشرة منهم صوتوا ضد اللائحة واثنان امتنعوا، بينما  صوت اثنان لصالح النص وواحد ضده من بين 22 نائبا في كتلة "ليوت"
اظهار أخبار متعلقة
ورغم أن اللائحة لا تحمل طابعًا تشريعيًا ولا تلغي الاتفاق بحد ذاته، فقد طالبت مارين لوبان زعيمة كتلة حزب اليمين المتطرف الحكومة بأخذ تصويت البرلمان بعين الاعتبار، معتبرة أنه لم يعد هناك ما يبرر استمرار هذه الاتفاقية التي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة في مجالات الإقامة والعمل في فرنسا، معربة عن ارتياحها، قائلة: "إنه يوم يمكن وصفه بالتاريخي بالنسبة لحزب التجمع الوطني"، وأضافت أن هذا التصويت يمثل أول نص يقره 
البرلمان الفرنسي لصالح حزبها، رغم معارضة الحكومة والتيارات اليسارية والمقربة من الرئيس إيمانويل ماكرون.
وفي ردود الفعل على هذا التصويت، كتب زعيم حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلونشون على منصة "إكس": "عار على التجمع الوطني الذي لا يزال يشن حروب الماضي دون نهاية"، من جهته هاجم أوليفييه فور زعيم "الحزب الاشتراكي" الكتلة الماكرونية متسائلا: "أين كان الماكرونيون؟ وأين كان غابريال أتال؟" في إشارة إلى غياب رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب  ماكرون "النهضة" عن التصويت، وأفادت رئيسة الكتلة البيئية سييرييل شاتلين بأن "الصوت الذي كان ينقص لهزيمة اليمين المتطرف هو صوت غابريال أتال نفسه".
وتعليقا على إمكانية استجابة الرئيس ماكرون لطلب إلغاء 
اتفاقية 1968 التي تقنن هجرة الجزائريين إلى فرنسا، كونه الوحيد المخول لإلغاء الاتفاقيات، قال رئيس الحكومة سيباستيان لوكورنو، إن الأمور لا تسير نحو هذا الاتجاه بل ربما نحو إعادة مناقشة هذه الاتفاقية مع الطرف الجزائري والتي تحولت إلى عقدة مستعصية بين البلدين، بحسب تقرير بقناة 
فرانس24.
ما مضمون الاتفاقية والسياق التاريخي لها؟
في 8 كانون الأول/ يناير 1961، صوت الجزائريون بغالبية ساحقة لاستقلال بلادهم عن فرنسا، وذلك في إطار استفتاء شعبي نظمه الجنرال شارل ديغول الذي كان يحكم فرنسا آنذاك، وفور إعلان النتائج، خرج الجزائريون إلى الشوارع في المدن والأرياف للتعبير عن فرحتهم بالتصويت الذي عبد الطريق نحو الاستقلال ونهاية الاستعمار الفرنسي في آذار/ مارس 1962 وذلك بالتوقيع على اتفاقيات "إيفيان".
ومن بين المزايا التي حصل عليها الجزائريون، تلك المتعلقة بحرية التنقل بين بلدهم وفرنسا، لكن، أمام ارتفاع عدد الجزائريين الذين كانوا يريدون السفر إلى فرنسا بحثا عن العمل، اضطر البلدان إلى التوقيع على أول اتفاقية لتنظيم هجرة العمال الجزائريين في 1964، وبعد سنتين من دخولها حيز التطبيق، ألغيت الاتفاقية، ليتم التوقيع على اتفاقية جديدة تنظم حركة الهجرة والتبادلات التجارية بين البلدين في 27 كانون الأول/ ديسمبر 1968.
اظهار أخبار متعلقة
ماذا نقصد باتفاقيات 1968 بين الجزائر وفرنسا؟
يُنظر إلى اتفاقية 1968 على أنها تكملة لاتفاقيات "إيفيان" التي وقعت بين الطرف الجزائري والفرنسي في 19 آذار/ مارس 1962 لإنهاء حرب التحرير الجزائرية التي استمرت سبع سنوات (1954- 1962)، كما أنهت "إيفيان" الحقبة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر والتي دامت 132 عاما.
وكان الهدف من اتفاقية 1968 هو تنظيم حركة الهجرة بين البلدين مع تحديد دخول 35 ألف عامل جزائري سنويا إلى فرنسا لمدة 3 سنوات، وكانت الأخيرة بحاجة ماسة إلى يد عاملة جزائرية لتشغيل المصانع والمناجم والعمل في قطاع الزراعة وقطاعات عديدة أخرى عرفت ازدهارًا اقتصاديًا خلال حقبة "الثلاثينيات المجيدة" كما كان يطلق عليها.
وبهدف الاستفادة من هذه اليد العاملة وبحكم التاريخ المشترك، منحت فرنسا بعض مزايا للجزائريين، مثل تسهيل تقديم تصاريح الإقامة واستقدام العمال لعائلاتهم للعيش في المهجر بدون عقبات إدارية، كما منحت أيضا اتفاقية 1968 امتيازات أخرى للجزائريين، من بينها تسهيل الدخول إلى فرنسا والحصول على بطاقة إقامة، إضافة إلى تسهيل ممارسة أي وظيفة مستقلة مثل فتح محلات تجارية ومطاعم ومقاه وشراء الشقق والعمارات.
وأعطت اتفاقية 1968 أيضا الأولوية للجزائريين في الحصول على بطاقة إقامة مدتها 10 سنوات بسرعة مقارنة بالجنسيات الأخرى، فضلا عن سهولة لم الشمل واستفادة كل أفراد العائلة الذين يأتون من الجزائر إلى فرنسا من بطاقة إقامة مدتها 10 سنوات، كما سهلت الاتفاقية منح بطاقة إقامة خلال مدة زمنية قياسية لكل جزائري يتزوج في فرنسا، كما يحق أيضا للجزائريين طلب بطاقة إقامة مدتها 10 سنوات بمجرد المكوث ثلاث سنوات في فرنسا مقابل خمس سنوات لباقي الأجانب.
بالمقابل، لا يحق للجزائريين الحصول على ما يسمى جواز سفر المواهب (وهي بطاقة تمنح للطلاب الأجانب الذين يملكون مواهب في مجالات محددة) أو بطاقة ما تسمى "بطاقة إقامة الطالب المتنقل" لأن هذه البطاقات تدخل في إطار القانون الفرنسي العام الذي يقنن الهجرة وليس في إطار القانون الخاص الذي يشمل اتفاقية 1968 التي وقعت بين الجزائر وفرنسا.
ما هي أهداف اتفاقية 1968؟
الهدف الرئيسي من الاتفاقية هو تنظيم وتقنين حركة الهجرة بشكل عام بين البلدين، والقصد من ذلك، تسهيل الإقامة والتنقل وظروف معيشة العمال الجزائريين وعائلاتهم والسماح لهم بالاستثمار في فرنسا بإطار التبادل المحترم بين البلدين وبموجب اتفاقيات أخرى موقعة بينهما وفي مقدمتها اتفاقيات "إيفيان".
اظهار أخبار متعلقة
ما هي التعديلات التي طرأت على اتفاقية 1968؟
طرأت ثلاثة تعديلات على اتفاقية 1968، أعوام 1985 و1994 و2001، وكل هذه التعديلات لم تصب في مصلحة الجزائر، بل قلصت من عدد المزايا التي كان يتمتع بها الجزائريون، ففي 1985، قامت باريس بفرض التأشيرات على الجزائريين بينما كانوا في السابق يدخلون فرنسا بدونها.
وفي التعديل الثاني الذي وقع في 1994، تم فرض قانون جديد يمنع على الجزائريين المقيمين مغادرة فرنسا لمدة تتجاوز ثلاثة سنوات، وإلا سيفقدون بطاقة إقامتهم، وتسبب هذا التعديل بأضرار كثيرة لا سيما في صفوف المتقاعدين الجزائريين الذين كانوا يقضون وقتا أطول في الجزائر برفقة عائلاتهم.
أما التعديل الثالث في 2001، فقد تم التقريب بين القانون العام المفروض على جميع الأجانب فيما يتعلق بالحقوق والواجبات والقانون الخاص الذي كان يقنن الهجرة الجزائرية، بعبارة أخرى بحسب فرانس24، فأن تعديل 2001 قام بتقويض غالبية المزايا التي كان يستفيد منها الجزائريون، كما شدد إجراءات الحصول على تأشيرة سفر إلى فرنسا، ولم يتبق للجزائريين سوى بعض الامتيازات مثل الحرية في ممارسة الأعمال التجارية والاستثمار، وظل ممكنا للجزائريين المقيمين في فرنسا بطريقة غير قانونية الحصول على بطاقة إقامة إذا استطاعوا أن يثبتوا بأنهم يعيشون في البلاد منذ عشر سنوات بدون انقطاع.
من يطلب مراجعة اتفاقيات 1968 ولماذا؟
كان رئيس الحكومة الفرنسية السابق إدوار فيليب من بين السياسيين الأوائل الذين طالبوا بإعادة صياغة اتفاقية 1968 بحجة أنها تخدم أكثر الجانب الجزائري، وصرح فيليب في 2023 أن هذه الاتفاقية لم "تعد صالحة" لفرنسا، وازداد هذا المطلب على خلفية الانتخابات الأوروبية التي جرت في 2024 وفوز اليمين المتطرف بعدد كبير من المقاعد، ما جعل مارين لوبان تطالب أيضا بإعادة النظر في الاتفاقية.
بدوره، طالب إيريك زمور زعيم حزب "الاسترداد" اليميني المتطرف بفسخ الاتفاقية وإدخال ملف هجرة الجزائريين ضمن القانون العام، وتتهم جهات سياسية فرنسية أخرى الجزائر بأنها ترفض استقبال المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين المحكوم عليهم بمغادرة فرنسا، وجدير بالذكر أن الجمعية الوطنية الفرنسية رفضت في ديسمبر/كانون الأول، بأغلبية 151 صوتا مقابل 114، مقترحا من حزب "الجمهوريون" اليميني، يطالب السلطات الفرنسية بإلغاء اتفاقية 1968 .
هل يمكن لفرنسا أن تفسخ اتفاقية 1968 بشكل أحادي؟
وفق ليندة تاغبيت، وهي محامية متخصصة في قانون الأجانب، يمكن لفرنسا أن تفسخ الاتفاقية بشكل أحادي، لكن ذلك سيعقد العلاقة بينها وبين الجزائر، ولهذا السبب تحاول باريس، حسب تاغبيت، أن تفتح مفاوضات مع الجزائر لإيجاد حل بدلا من قطيعة مفاجأة وقاسية.
وتضيف لفرانس24، أن: "فرنسا تريد إلغاء اتفاقية 1968 لأنها تعتبر بأنه مر عليها الزمن وأصبحت تخلق نوعا من عدم المساواة بين الجزائريين وباقي الأجانب في فرنسا"، وفي ردها عن السؤال "هل اتفاقية 1968 تعود بالمنفعة على الجزائريين؟"، أجابت بـ "نعم"، إذ يخضع الجزائريون لنظام خاص فيما يتعلق بالهجرة ويمنح لهم تسهيلات عديدة، مشيرة إلى أنه في الواقع المحافظات الفرنسية صعبت كثيرا شروط الإقامة بالنسبة للجزائريين في السنوات الأخيرة، كما أصبح من  الصعب جدا الحصول على تأشيرة سفر أو على أوراق الإقامة.
ما هو موقف الجزائر؟
صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرارا بأن اتفاقية 1968 "أصبحت قوقعة فارغة"، وقال إن الجزائر مستعدة للنظر مجددًا في هذه الاتفاقية بشرط أن تضمن حقوق الجزائريين، مظهرًا في كل مرة البعد الإنساني الذي تكتسيه العلاقة الجزائرية الفرنسية والروابط العائلية التي تحكمها، أما بخصوص التصويت على مشروع قرار لإلغاء اتفاقية 1968، فيرى بعض الملاحظين السياسيين في الجزائر أن هذا التصويت لن يغير أي شيء من الاتفاقية وأنه تصويت رمزي فقط.