ملفات وتقارير

ما دلالات تعيين ترامب مبعوثا خاصا للعراق قبل الانتخابات؟

يأتي تعيين سافايا في ظل مؤشرات على اقتراب الانسحاب الأمريكي النهائي من البلاد- حساب سافايا
يأتي تعيين سافايا في ظل مؤشرات على اقتراب الانسحاب الأمريكي النهائي من البلاد- حساب سافايا
أثار توقيت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تعيين مارك سافايا مبعوثا خاصا له في العراق، العديد من التساؤلات، وذلك لأنها تأتي في لحظة سياسية بالغة الحساسية في البلاد، وقبل أقل من عشرين يوما فقط من الانتخابات البرلمانية المرتقبة.

كما يأتي تعيين سافايا في ظل مؤشرات على اقتراب الانسحاب الأمريكي النهائي من البلاد، والذي من المقرر أن يكتمل في 25 أيلول/ سبتمبر 2026، وتحول العلاقة بين البلدين إلى شراكة أمنية ثنائية، وسط خشية أمريكية من ملئ إيران الفراغ وتوسيع نفوذها.

"دبلوماسية اقتصادية"
وبخصوص الهدف من تعيين سافايا في الوقت الحالي، قال رئيس "المركز العراقي" للدراسات الإستراتيجية، فيصل غازي السكوتي، في حديث لـ"عربي21" إن "المبعوث الأمريكي الجديد قد يفتح الباب أمام استثمارات عالمية في العراق".

وأوضح غازي أن ذلك يتم باستخدام العلاقات التجارية، الاستثمار، الشراكات الاقتصادية، التنمية، القطاع الخاص والمجتمع المدني، كأداة لبسط النفوذ والتأثير، بدلاً من (أو إلى جانب) الاعتماد على القوة العسكرية، أو العقوبات، أو التدخّل المباشر.

وأكد السكوتي، أن هناك حقل واسع في العراق لخلق فرص اقتصادية: بنى تحتية متهالكة، خدمات عامة بحاجة إلى تحديث، عوائد نفطية ضخمة يمكن أن تُستثمر، مجتمع مدني نشط إلى حد ما، جالية عراقية بالخارج يمكن أن تُوظّف، وهذه الإمكانات تُشكّل مدخلاً يمكن أن تستغله واشنطن وشركاؤها.

وفي المقابل، أكد السكوتي أن العراق يحتوي على جماعات مسلّحة، نفوذ إيراني عميق، تداخل كبير بين الاقتصاد والفساد والطائفية، المؤسسات الحكومية ضعيفة أو مشتتة. أي دور اقتصادي أمريكي يواجه هذه البيئة المعقّدة.

اظهار أخبار متعلقة


وتابع: كما أن تحليل سابق لسياسات الولايات المتحدة في العراق يحذّر من أن مجرد الدعم الاقتصادي أو إعادة الإعمار لن يكون كافيا ما لم تترافق مع إصلاحات سياسية واقتصادية أعمق.

ولفت إلى أنه أي تدخل اقتصادي أمريكي واسع قد يُواجه بمقاومة من الأحزاب أو الفصائل التي تشعر بأنها مهدّدة أو مستبعدة من تلك الشراكات، وقد يستخدمونها كذريعة لاتهام واشنطن بالتدخل أو التبعية.

من جانب آخر، يرى السكوتي أن "التأثير العسكري والأمني يبدو لا يزال مهيمنا، إذا لم تُخفّ الضغوط الأمنية والفصائل المسلحة، فلن تنجح المبادرات الاقتصادية بشكل مستقل، بمعنى: لا يمكن أن تُفصل (الدبلوماسية الاقتصادية) عن السياق الأمني والسياسي".

وخلص إلى أن "الدبلوماسية الاقتصادية الخفيفة لديها إمكانات حقيقية في العراق، ويمكن أن تكون جزءا مفيدا من استراتيجية أوسع لواشنطن، لكن ليس بديلاً عن الأدوات التقليدية، بل مكمّلاً لها. النجاح يتطلب تنسيقا بين الاقتصادي-الدبلوماسي والأمني والسياسي، وتحكّماً في توقعات الواقع العراقي، وعلاقات محلية ذكية، وصبر طويل".

وعلى الصعيد الرسمي، رحب رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني بتعيين سافايا مبعثا للرئيس الأمريكي، واعتبرها "خطوة مهمة، خصوصا وأنه من أصول عراقية"، حسب بيان رسمي.

وعقب تسمية سافايا مبعوثا خاصا في العراق، انتشرت العديد من الصور التي تجمعه مع رئيس الوزراء العراقي، والتي تحدث البعض أنها كانت لزيارات سابقة غير معلنة ولاسيما في مساعيه للإفراج عن الروسية- الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف التي كانت مختطفة من مليشيا كتائب حزب الله العراقية.

من جهته، علق عضو "الإطار التنسيقي" الشيعي الحاكم، النائب مختار الموسوي، على تعيين سافايا بالقول إن "العراق ما زال يرتبط بشكل وثيق بالولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية، فإن إيرادات النفط العراقية تودع في البنك الفدرالي الأمريكي، ما يجعل من تطوير العلاقات الثنائية أمرا ضروريا للحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني".

وأضاف الموسوي، أن "الخارجية العراقية رحبت بهذا التعيين، كونه يعكس اهتمام الإدارة الأمريكية باستقرار العراق والمنطقة"، مشيرا إلى أن "وجود مبعوث خاص سيسهم في تقريب وجهات النظر وحل بعض الملفات العالقة بين دول الجوار، خصوصا بين إيران وأمريكا، ويمكن أن يكون العراق جسرا للحل لا جزءا من الخلاف".

اظهار أخبار متعلقة


"النفوذ الإيراني"
وعلى صعيد آخر، رأى المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي لـ"عربي21"، أن "المطلوب من مارك سافايا يتطابق تماما مع ما مطلوب من المبعوث الأمريكي إلى لبنان (باراك توماس) مع اختلاف التحديات والديموغرافي السكانية، وأن الصعوبة الشائكة في العراق".

وأضاف الدعمي أن "مهمة المبعوث الأمريكي الأولى هي الضغط على الحكومة العراقية في إبعاد السلاح غير المرخص، والذي لا ينتمي إلى الدولة والضغط حتى بخصوص قوات الحشد الشعبي وإضعافها كمؤسسة، وربما لا يذهبون للمطالبة بحلها".

الجانب الآخر، أكد الدعمي أن "المبعوث لديه مهمة اقتصادية واستثمارية أيضا، وأن بيان واشنطن بعد اتصال وزير خارجيتها الأمريكي ماركو روبيو مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الأربعاء، أكد أن الاستثمارات الأمريكية تتأثر إذا استمر النفوذ الإيراني في العراق".

وأردف، الدعمي قائلا: "بمعنى أن مهمة المبعوث الأمريكي الجديد متعددة الأغراض، وأنها تحمل في طياتها الكثير، لكن عنوانها الرئيس هو تقويض النفوذ الإيراني في العراق".

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، بهاء خليل لـ"عربي21" أن "الأوضاع في المنطقة تتجه إلى إخلائها بالكامل من أي مليشيا مسلحة خصوصا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، وانتهاء الحرب في غزة، بالتالي أصبح التوجه نحو العراق".

ورأى خليل أن "مبعوث للرئيس الأمريكي في العراق، وتحديدا شخص مارك سافايا، جر تعيينه لسببين اثنين، الأول: قربه من الحكومة العراقية كون كان أحد الأشخاص الذين لعبوا دور الوساطة لإطلاق سراح المختطفة الروسية- الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف".

الأمر الثاني، يضيف خليل، "أصله عراقي، ويعلم بطبيعة المشكلات الدائرة في العراق من ناحية ديمغرافية والتواجد السني والشيعي، والمدن التي احتلتها إيران وطردت منها السكان السُنة حتى تعبد طريقا يوصلها بسوريا سابقا، بالتالي هو على دراية بالأوضاع الجيوسياسية في العراق بشكل عام".

وأوضح الخبير العراقي أن "التوجه الأمريكي حاليا، يقضي بوجوب إنهاء ملف المليشيات ما قبل المواجهة الثانية المرتقبة ما بين إيران وإسرائيل، خصوصا أن الطرفين يتوعدان بعضهما بأن هناك جولة حرب أخرى قد تكون أعنف من حرب 12 يوما".

ولفت إلى أن "وجوب إنهاء ملف الفصائل المسلحة يهدف إلى عدم استخدامها من إيران في توسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، لأن ترامب يتعامل مع هذه المنطقة بحذر شديد جدا حتى لا تنفجر الأوضاع هناك، وهذا عندما كان يبحث عن جائزة نوبل للسلام، لكن الآن الوضع اختلف".

وبحسب خليل، فإن "ترامب يريد الحفاظ على العراق من الانفلات الأمني، لأنه لا يزال يعبر العراق منجم نفط يمكن استغلاله في مرحلة ما بعد إنهاء سطوة إيران على هذا البلد".

وأكد الكاتب أن "المبعوث الجديد جاء في ظل توجه أمريكي يسعى إلى عدم إشراكها الفصائل المسلحة في الحكومة العراقية المقبلة، وإذا شاركوا فيها فمن الممكن ألا تعترف الولايات المتحدة بنتائج الانتخابات التي بقي عليها أقل من 20 يوما".

وتوقع أن "يعمل المبعوث الأمريكي الجديد على عدم وصول القوى التي تمتلك أذرعا مسلحة، بالتالي عليه أن يفرض على الحكومة والرئاسات الثلاث في العراق تطبيق قانون الأحزاب، وخصوصا الفقرة 23 التي تمنع اشتراك الأحزاب التي تملك أجنحة مسلحة في الانتخابات".

وأكد خليل أن "المبعوث الأمريكي سيطبق ما يريده ترامب، وهو منع وصول أي جهة مسلحة تخضع لإيران إلى سدة الحكم في العراق، بالتالي هم أمام خيارين- كما صرح السوداني قبل أيام- إما تسليم السلاح أو الانخراط في العمل السياسي، وبالتالي التخلي عن إيران والسلاح".

وكان السوداني قد وضع الجهات المسلحة في العراق أمام خيارين: أما الانخراط بالمؤسسات الأمنية، أو الانتقال للعمل السياسي، وذلك خلال لقائه، الاثنين، بمجموعة من الإعلاميين العرب والأجانب للحديث عن مختلف القضايا والملفات والأحداث المحلية والإقليمية والدولية.
التعليقات (0)

خبر عاجل