مع اقتراب موعد
الانتخابات العراقية، عادت إلى الواجهة مجددا قضية مشاركة الفصائل المسلحة، وذلك بعد رفع جهات سياسية دعاوى قانونية، تطالب فيها السلطة القضائية والمفوضية العليا للانتخابات باستبعاد هذه التشكيلات من العملية الانتخابية بدعوى مخالفتها لأحكام الدستور.
ومنذ نحو أسبوع، تحظى القضية بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المحلية، وسط تصاعد الضغط على المفوضية والسلطة القضائية للبت في هذه الشكاوى قبل موعد الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، إذ يُستبعد بشكل شبه يومي عددا من المرشحين لأسباب مختلفة.
سابقة فريدة
رفع شكوى بهذا الحجم، تُعد سابقة تحدث لأول مرة منذ عام 2003، كونها شملت فصائل بارزة من بينها: منظمة بدر، عصائب أهل الحق، كتائب الإمام علي، كتائب سيد الشهداء، والتي تشكل كل واحدة منها تحالفات انتخابية، فضلا عن أنها تمتلك مناصب في الحكومة الحالية.
وفي مقابلة تلفزيونية، الجمعة، صرّح عباس الفتلاوي رئيس "تجمع الاستقلال العراقي" صحاب الشكوى المقامة ضد الفصائل، بأن "هذه الحملة القانونية هدفها الأساس حل الأحزاب المسلحة لحماية العملية الديمقراطية، وذلك لأن وجودها مخالفتها للدستور".
وأكد الفتلاوي أنهم قدموا إلى المفوضية ودائرة الأحزاب فيها والمحكمة الاتحادية شكوى من 62 صفحة مدعمة بنحو 30 جيجا بايت من فيديوهات تتضمن اعترافات صريحة لأعضاء في الفصائل المسلحة بأنهم مرتبطون بجهات وحركات سياسية وكيانات برلمانية.
وأشار إلى أن الشكوى تستند لمواد في الدستور العراقي تنص على أن "القوات المسلحة العراقية وأفرادها، وبضمنها العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أي دوائر أو منظمات تابعة لها، لا يحق لهم الترشيح في الانتخابات لشغل مراكز سياسية"، والتي تحظر تكوين ميليشيات خارج إطار القوات المسلحة.
لم تصدر المفوضية العليا للانتخابات موقفا رسميا من هذه الدعاوى، مكتفية بالقول إن كل الطعون ستُحال إلى الجهات القضائية المختصة وفق المدد القانونية.
أما المحكمة الاتحادية العليا، فهي الجهة التي يمكن أن تبت في شرعية مشاركة تلك القوى، لكن مراقبين يشيرون إلى أن البتّ في القضية خلال فترة قصيرة قبل الانتخابات سيكون معقدا، وقد يفتح الباب أمام أزمة سياسية إذا تقرر استبعاد قوى مؤثرة.
في المقابل، ترى أطراف قريبة من الإطار التنسيقي الحاكم والفصائل المسلحة أن تطبيق القانون يجب أن يشمل الجميع حتى قوات البيشمركة الكردية، بزعم أنها "تشكيلات حزبية تنتمي إلى الحزبين الرئيسيين في الإقليم الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني".
اظهار أخبار متعلقة
"ازدواجية التعامل"
وبخصوص مدى قبول الشكوى، قال المحلل السياسي العراقي، معتز النجم، لـ"عربي21" إن "إشكالية العملية السياسية في العراق هو أنها بنيت على أساس التوافق، وهذا أنتج تخادما بين السلطة والسلاح، وأن تمثيل هذه الجهات في السلطة وفق ترتيب سياسي، أدى إلى شرعنة سلاحها".
وأكد النجم أن مفوضية تتعامل بازدواجية مع الشكاوى، لأنه اليوم أمامها الكثير من الدعوات لإبعاد شخصيات تستخدم الخطاب الطائفي في دعايتها الانتخابية، لكنها صامته تجاههم، رغم تأملنا خيرا بها عندما بدأت في تفعيل قانون حسن السيرة والسلوك والنزاهة، واستبعدت بعض المرشحين.
من الناحية الواقعية، يرى النجم أنه "إذا اتخذ قرار ضد هذه الفصائل فإنها ستسبب في الوقت الحالي خلالا كبيرا في العملية السياسية والانتخابية، لكن من جانب قانوني فإن الدستور يرفض الأحزاب التي تمتلك أجنحة عسكرية من الانخراط في الانتخابات".
وتابع: رغم أن تقديم الشكاوى مضى عليها أكثر من شهر، ولكن لا أعتقد أن يصدر قرارا لإبعاد الفصائل من الانتخابات، وربما يؤجل النظر في القضية، خصوصا أن البعض يزعم أن "استبعادهم لا يصب بالعملية السياسية، لأن سلاحهم يخدم العملية الديمقراطية ويحمي الدستور".
وتوقع النجم أن الشكوى إذا قبلت من المفوضية وأبعد الفصائل المسلحة عن الانتخابات، فإن السيناريو المحتمل هو تأجيج الوضع في العراق، لذلك أعتقد أن تبقى الأمور على حالها، رغم أن الدعوى خطوة جريئة وتحسب للجهات التي قدمتها إلى المحكمة الاتحادية مدعمة بأدلة وبراهين.
ورأى المحلل السياسي أن "ربط البعض القضية بحل قوات البيشمركة، أمر بعيد ومختلف تماما، لأن الأخيرة قوات رسمية مثبتة بالدستور تحت عنوان حرس الإقليم، وليس عليها مآخذ بتنفيذ باعتقالات ومغيبين، والاعتداء على المدن بشن الهجمات وغيرها".
وبيّن النجم أن "البيشمركة قوات مرتبطة بقيادة في وزارة الدفاع بإقليم كردستان، أما الفصائل المسلحة فإنها ليس لديها قائد، وإنما كل جناح تتزعمه شخصية، لذلك فإن محاولة البعض توظيف الموضوع ليس له أي سند قانوني".
"اختبار حقيقي"
وعلى الصعيد ذاته، أكد أحمد العلواني المحلل السياسي العراقي المقيم في برلين، لـ"عربي21" أن "الدعوى تستهدف: كتلة منتصرون، حركة العراق الإسلامية، تحالف خدمات، حزب المحافظون، حركة الجهاد والبناء، تحالفات الصفوة، الحدباء، العقد الوطني، حركة بابليون، منظمة بدر، عصائب أهل الحق، وحركة الصادقون".
وقال العلواني إن الهدف من تقديم الدعوى القضائية بتطبيق القانون بحيادية وفصل العمل الحزبي عن النشاطات المسلحة، وأنها تهدف أيضا حماية الديمقراطية والسلم الأهلي، وليس الاستهداف السياسي.
وشدد على أن المفوضية اليوم تواجه ضغطا كبيرا واختبارا حقيقيا لحيادها وفاعليتها، خاصة أن الأحزاب المستهدفة تعتمد على القوة المسلحة وليس على قاعدة شعبية، ما يجعل مراقبة قراراتها أمرا بالغ الأهمية.
ووصف العلواني الدعوى القانونية بأنه "قوية ومدعومة بأدلة واضحة، ورفضها قد يسبب إحراجا داخليا ودوليا، رغم أن الوقت القصير قد يحد من إمكانية التنفيذ الفوري، ومع وجود ضغط سياسي وقانوني متزايد".
وبرأي الخبير العراقي، فإن "قبول الدعوى، قد يؤدي إلى وقع سياسي كبير وربما صراع داخلي، إذ أن الأحزاب المسلحة عادة لا تلتزم بالقانون إذا تعارض مع مصالحها، ما يستدعي متابعة تنفيذية دقيقة لتجنب أي تصعيد مسلح".
في المقابل، يؤكد العلواني، أن "نجاح الدعوى سيعيد العراق إلى مسار ديمقراطي مستقر، ويمثل خطوة جدية نحو فصل العمل الحزبي عن النشاطات المسلحة، مؤسسا لسابقة تاريخية في المشهد السياسي العراقي".
وختم العلواني حديثه بالقول إن "رفض هذه الدعوى من الجهات الرسمية في البلاد سيشكل فشلا كبيرا للنظام السياسي العراقي، إضافة إلى أنه يعزز هيمنة السلاح وغياب الديمقراطية".