قضايا وآراء

طوفان الأقصى.. والخطايا الثلاث

علي الطائي
إعلام القسام
إعلام القسام
لم يكن طوفان الأقصى عملية "مقاومة" بمفهومها التقليدي، بل كانت عملية غزو وإسقاط نظام بكل ما تحمل الكلمة من معنى فالطوفان لم يضرب معسرا أو مستوطنة بل استهدف القواعد البنيوية الثلاثة لإسرائيل "الردع الأمن التفوق الاستخباري"، لكن مع ذلك ترافق الطوفان بـ 3 خطايا لو لم تقع لتغيرت مجريات المعركة. 

لا نُبالغ عندما نقول أن الطوفان أولى معارك التحرير برأي كثيرين، لكن في ذات الوقت لا يستقيم منطقا أن تكون العملية وحدها قادرة على استئصال الاحتلال، أو بمعنى أن تقوم حماس في غزة وحدها بهذا المهمة. 

كانت حماس تدرك هذه النقطة جيدا، لذا فالحديث عن عدم إدارك المقاومة لقسوة الرد الإسرائيلي يبدو خاليا الدقة، خصوصا أن قائد العملية "يحيى السنوار" أكثر الفلسطينيين معرفة بالاحتلال وطريقة تفكيره.

بعد عامين من العملية بات المشهد واضحا أكثر خصوصا بالعودة قليلا إلى الوراء لمعرفة الفكرة المنتجة لهذه العملية التي غيرت وما تزال وجه المنطقة.

طوال سنين ما قبل الطوفان عملت فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس على تمتين العلاقة بحلفاء الخارج ضمن ما كان يسمى بمحور المقاومة أو محور القدس، خصوصا أن الأخير قد وصل إلى موضع قوة تمكنه من قلب المعادلة بسيطرته على 4 عواصم عربية بدءا من بغداد ودمشق وبيروت وانتهاء بصنعاء، وكما كان معلنا في خطابات قادة المحور فإن البوصلة كانت فلسطين.

عقب عملية سيف القدس وما رافقها من حراك شعبي سواء في فلسطين المحتلة أو في الأردن وتركيا مثلا بدا لقادة المقاومة - كما اعتقد - أن الأركان الأربعة التي تحتاجهم فلسطين لتتحرر قد اكتملت، قوة غزة العسكرية، ضغط الضفة والداخل المحتل، محور المقاومة المتجهز "كما يفترض" للمعركة، والمد الشعبي العربي والإسلامي.

وقد نقل لي غير واحد، أن الطوفان كان يفترض أن يبدأ في غلاف غزة ثم يُثنيه المحور وتثلثه الضفة والداخل وأخيرا مهمة الأمة المتمثلة بطوفان ضغط شعبي خصوصا في دول الطوق.

الخطيئة الأولى
وهذا مع الأسف لم يحدث… فمحور "المقاومة" كما هو معلوم دخل المعركة وفق قواعد اشتباك مرضية للطرفين وهذا تسبب باستفراد الاحتلال بغزة فترة طويلة وجمد المعركة ع بقية الجبهات وفق نسق معين، حتى اختار هو كسر قواعد الاشتباك كما جرى في لبنان مثلا.
باستثناء جبهة اليمن، لم يكن المحور على مستوى عملية طوفان الأقصى

باستثناء جبهة اليمن، لم يكن المحور على مستوى عملية طوفان الأقصى ولعل الحديث عن مجريات الأحداث قد يكون مكررا، لكن من المهم التذكير بأن الكثير من أنصار حزب الله وإيران يقرون اليوم بالخطأ الفادح الذي ارتكبه المحور بعدم دخول المعركة كما طلبت حماس، حيث ساهم الرد الخجول على تصعيد الاحتلال بتماديه أكثر وما جرى في لبنان العام الماضي وإيران هذا العام خير دليل وشاهد.

الخطيئة الثانية
لم يكن أحد يتخيل أن الشعوب التي كانت تتحرك على أي تصعيد إسرائيلي في غزة أو الضفة ستسكت على ابادة جماعية متواصلة منذ عامين في غزة، ويصح أن نقول أن التخاذل. العربي والإسلامي الشعبي قبل الرسمي لم يكن ليمر بأجمل أحلام نتنياهو.

صحيح أن هناك تظاهرات هنا وهناك في الأردن أو تركيا أو دول المغرب إلا أنها لا ترقى بمكان لحجم الإبادة بل لم تصل لمستوى التظاهرات في عواصم الدول الغربية الداعمة للاحتلال.

وربما هناك من يسأل ما فائدة التظاهر لأجل غزة والنظام متواطئ، ولعد الإجابة على هذا السؤال السطحي تكمن في حديث ترامب مؤخرا أن أهم دافع لخطته بإنهاء حرب غزة كان تشوه صورة إسرائيل عالميا خصوصا وأن أسطول الصمود كان في طريقه للقطاع المحاصر.

فهب أن الشعوب التي صمتت على المجزرة تظاهرت أسبوعيا أمام السفارة الأمريكية، وسارت للحدود في دول الطوق، هل كانت المجزرة ستستمر بهذه الصورة؟

إن صمت الشعوب على ما جرى في غزة ساهم بمنح نتنياهو وحلفاءه بالمنطقة جرعة اطمئنان كبيرة، "اقتلهم جميعا فلن يتحرك أحد".

الخطيئة الثالثة
صحيح أن الضفة تعرضت لعدوان واسع عقب عملية طوفان الأقصى، لكن هذا لا يمنع من التساؤل استنكاريا أو استفهاميا عن سبب الصمت المطبق هناك.

في عدة مناسبات كان هناك عتب من أبناء غزة على الجميع عربا ومسلمين، وحتى فلسطينيين، بسؤال مؤلم "كيف تصمتون على قتلنا بهذه الطريقة؟".

من المؤسف أن الضفة لم تشهد حراكا شعبيا يرقى لمستوى معركة طوفان الأقصى ولا حتى لمستوى المجزرة المرتكبة في القطاع، بل على العكس، شهد مخيم جنين مثلا عملية واسعة للسلطة الفلسطينية ضد كتائب المقاومة هناك.

ولا شك أن الضفة وحتى الداخل المحتل، كان باستطاعته تقديم الكثير تجاه غزة والتخفيف من محنتها.

في النهاية قاتلت غزة بأسنانها وأظافرها وسطرت بأحرف من نور في أبهى صحف التاريخ ملحمة انتصر فيها المُحاصر المُجوع على المحتل المدجج بالسلاح والمدعوم من العالم..

لكن في المقابل، سطر "إخوان غزة" عربا وعجما صحيفة خذلان مؤلمة ومؤسفة ومُشينة، قد لا تجد لها مثيلا في تاريخ العرب والمسلمين..
التعليقات (0)

خبر عاجل