وسط سعير حرب
مستمرة على قطاع غزة بلغت مستويات غير مسبوقة من التدمير الإنساني والعمراني، يتسابق
الفاعلون الدوليون والإقليميون لطرح خطط ومبادرات تحمل عنوان "اليوم التالي".
أحدث هذه
المبادرات ما كشفته صحيفة "
تايمز أوف إسرائيل" عن تفاصيل خطة جديدة
وضعها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والتي قال إنها ستُحقق السلام في
غزة ، بالتنسيق مع أطراف أميركية وإسرائيلية، والتي سرعان ما أثارت جدلاً واسع
النطاق على الساحة الفلسطينية والعربية عقب ما قيل إنها
تسربت ، خصوصاً مع ما تحمله من شروط
وإشارات غامضة، حيث وصفها القادة الفلسطينيون بأنها "مخطط مُلتوي" يخدم
المصالح الإسرائيلية فقط، فيما أكد السياسي الأمريكي والضابط السابق بالبيت الأبيض
باري دوناديو، أن الخطة ستُقابل برفض واسع في الأوساط العربية.
اظهار أخبار متعلقة
فالخطة لا تقف
عند حد وقف الحرب فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى رسم تصور لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد
حماس، عبر ترتيبات أمنية وسياسية واقتصادية معقدة، وما يُثير الشكوك والشبهات
حولها، هو تأييد الرئيس الأمريكي لخطة بلير خلال اجتماع في البيت الأبيض في 27 آب/أغسطس
الماضي، وكان جاريد كوشنر، صهر ترامب، رائدًا في وضع خطة ما بعد الحرب، بعد أن كلف
معهد الدراسات التجارية بالعمل على المقترح، فيما سبق ورفض ترامب مقترح الخطة
العربية-الإسلامية التي نوقشت في القاهرة، والتي تحظى بقبول فلسطيني واسع، والتي
تضمنت، انسحاباً إسرائيلياً تدريجياً من القطاع، نشر قوات عربية بدلاً من قوات
دولية، تسليم سريع للسلطة الفلسطينية مسؤولية الحكم.
إدارة
انتقالية برعاية دولية
بحسب
"تايمز أوف إسرائيل"، تقوم
خطة بلير على تشكيل هيئة مؤقتة لإدارة غزة،
مدعومة بقوات دولية ومحلية متعددة الجنسيات بتفويض من مجلس الأمن الدولي، هذه
الهيئة ستكون مسؤولة عن الملفات الإنسانية، وإعادة الإعمار، والأمن، على أن تعمل
بتنسيق مباشر مع السلطة الفلسطينية التي ستُنقل لها مسؤولية إدارة القطاع إلى
السلطة تدريجيًا خلال بضع سنوات، بعد إخضاعها لما سمي بـالـ"إصلاحات"،
وهو دفع مراقبين للتساؤل عن معيار "إصلاح السلطة الفلسطينية" الذي تنص
عليه الخطة، والذي قد يستغرق عقوداً ما دام بيد الولايات المتحدة أو بلير، وهو ما
اعتبروه شرطا تعجيزياً يهدف عملياً إلى تأجيل أي دور فعلي للسلطة الفلسطينية،
وبالتالي إبقاء الوضع معلقاً إلى أجل غير مسمى.
أربعة مصادر
مطلعة قالت لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن ترمب فوّض بلير بمهمة حشد
الأطراف الإقليمية، والدولية خلف مقترحه، على أن يُسلَّم لاحقاً إلى السلطة
الفلسطينية، وبدأ بلير صياغة هذا المقترح في الأشهر الأولى من الحرب الإسرائيلية
على غزة، باعتباره خطة لمرحلة ما بعد الحرب، لكنه تطور في الأشهر الأخيرة ليصبح
تصوراً لإنهاء الحرب ذاتها، بعدما خلصت إدارة ترامب إلى أن التوافق بين الأطراف
الرئيسية المعنية، بشأن الهيئة التي ستحل محل "حماس" في غزة شرطا
ضرورياً لإبرام اتفاق دائم لوقف إطلاق النار وتحرير المحتجزين.
تغييب موعد الانسحاب
الـ"إسرائيلي"
من أبرز الملاحظات
على خطة بلير أنها لم تشر بوضوح إلى انسحاب إسرائيلي من داخل قطاع غزة، خصوصاً في
ظل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتكررة بعدم
الانسحاب من غزة وعدم تسليم الحكم لا للسلطة الفلسطينية ولا لحركة حماس، كما وصرح
بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتشدد، يوم الأربعاء أن غزة
لديها القدرة على أن تكون "منجمًا عقاريًا" واعدًا، وادعى أنه يجري
محادثات مع مسؤولين أمريكيين حول كيفية تقسيم المنطقة، وهو تصريح عُد محاولة
لاستدراج إدارة ترامب إلى شراكة اقتصادية في غزة، انسجاماً مع اهتمامات الرئيس
الأمريكي وصهره جاريد كوشنر بالصفقات التجارية والعقارية.
اختبار أكثر
من كونها خطة جادة
يرى خبراء، خطة
بلير مجرد "بالونات اختبار" تعمدت إسرائيل تسريبها عبر الإعلام، لقياس
ردود الفعل الفلسطينية والعربية، من دون أن تعكس إرادة حقيقية لحل جذري، خاصة
وأنها لم تطرح بشكل جدي أمام القادة الفلسطينيين، ولم يجرِ نقاش حولها، وفي ظل
واقع ميداني ينذر بالمزيد من الدم والدمار، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن لأي خطة
أن تُطبق من دون اعتراف صريح بمسؤولية الاحتلال عن ارتكابه للمجازر وانسحابه من
غزة؟!.
بلير محب للحروب
وعاشق للمال
لطالما تحيز
بلير لإسرائيل حين شغل منصب مبعوث الشرق الأوسط لما يُسمى بالرباعية الدولية، وهي
مجموعة من القوى العالمية شُكلت سعيا للتوصل إلى ما قيل إنه اتفاق سلام بين
إسرائيل والفلسطينيين، وطوال 8 سنوات وحتى استقالته في 2015، كان شخصية غير
محبوبة، وكاد يُعلن شخصًا غير مرغوب فيه في مدينة رام الله بالضفة الغربية، لفشله
في مهامه.
وعقب حضوره قمة
في البيت الأبيض حول مستقبل غزة، أصيب كثيرون بالدهشة، بحسب شبكة "سي أن
أن"، التي قالت إن أنشطة بلير الرسمية في المنطقة خلال العقد الماضي اقتصرت
في الغالب على مشاريع تجارية خاصة، وظهور إعلامي متقطع، ولا يمتلك الرجل ثقة كبيرة
لدى الفلسطينيين لما يحمله من إرث جراء دعمه حرب العراق وعلاقاته المالية والسياسية
مع حكام الشرق الأوسط التي قوضت سمعته في العالم.
اظهار أخبار متعلقة
كما أكدت صحيفة
لوموند الفرنسية في تقرير لها، أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير حلَم
بأن يكون "صانع سلام"، لكنه على امتداد مسيرته السياسية غالبا ما فضل
الحرب، وهو الآن رجل أعمال شغفه الأخير هو المال.
خدمات ليست
مجانية
في تموز/يوليو
الماضي، كشفت صحيفة فايننشال تايمز أن موظفين في معهد توني بلير للتغيير العالمي
شاركوا في اتصالات تتعلق بمشروع مقترح لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، تضمن إنشاء
منتجع سياحي يحمل اسم "ترامب ريفييرا"، ومنطقة تصنيع ذكية سُميت باسم
إيلون ماسك، في خطة أعدها رجال أعمال إسرائيليون بدعم من شركة "مجموعة بوسطن
للاستشارات"، ورغم نفي المعهد أي دور رسمي في صياغة الخطة، أكد متحدث باسمه
أن موظفين منه شاركوا في مكالمتين ورسائل جماعية مرتبطة بالمشروع.
"ريفييرا
غزة" تنسف مزاعم خلو الخطة من التهجير
مع محاولة
أمريكا ودولة الاحتلال التلميح بأن الخطة دخلت حيز التنفيذ، لا يزال نحو مليون
فلسطيني تحت النيران في شمال غزة بهدف إبادة أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين قبل أن
يبدأ "اليوم التالي"، وفي وقت تزعم فيه الخطة أنها لا تسعى إلى
"تهجير" الفلسطينيين، بل إلى تشجيع ما تسميه "الهجرة الطوعية"،
فأن الوثيقة الداخلية لمعهد توني بلير للتغيير العالمي، تظهر استبعاد الخطة بشكل
صريح أي دور للسيادة الفلسطينية، كما تستثني وجود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كمصدر للمساعدات الإنسانية، وجاء في
الوثيقة عبارة: "لا تقلّ خطورة الفكرة المتهورة المتمثلة في إقامة دولة
فلسطينية في غزة".
خطة بلير..عودة
الاستعمار من بوابة الاستثمار بالموت والدمار
يرى كُتّاب
ومحللون، أن خطة بلير تشترك مع سابقاتها بأنها ليست وثيقة رسمية، بل أفكار مستندة
من مشاورات مع أطراف إقليمية ودولية، وتحاول أن تكون جسراً بين "ريفييرا
ترمب" التي تستمد منها فكرة أن الوضع القائم غير قابل للاستمرار، وأن هناك
حاجة لإعادة بناء المنظومة بالكامل، ومن "وثيقة نيويورك" التي تُبقي
الإطار السياسي العام المتمثل في حل الدولتين ودور للفلسطينيين لكن بشروط إصلاحية
طويلة ومعقدة، لكنهم حذروا من أن الخطة رغم زعمها بأن "غزة لأهلها"، فإن
السيادة مؤجلة ومشروطة.
اظهار أخبار متعلقة
وبالتالي فأن جميع الطروحات غير الفلسطينية حول ما
يسمى "اليوم التالي"، تتعامل مع مستقبل الشعب الفلسطيني كأنها تتعاطى مع
لعبة "ليغو " لتنحصر بين رؤيتين الأولى دولية "تركيبية" تم
طرحها إبان الأدارة الأمريكية السابقة في عهد الرئيس بايدن، والثانية
"تفكيكية" تطرحها الإدارة الأمريكية الحالية".