نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية
تقريرا يتناول جذور وأبعاد الشراكة النووية والعسكرية بين
السعودية وباكستان، مسلطا الضوء على دور الدعم المالي السعودي في مسار إسلام آباد نحو امتلاك السلاح النووي منذ سبعينيات القرن الماضي.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن بداية التحالف النووي بين السعودية وباكستان تعود إلى عام 1998، حينما أجرى رئيس الوزراء
الباكستاني نواز شريف اتصالًا بولي العهد السعودي آنذاك، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، طالبًا الدعم في حال ردّت إسلام آباد على التجربة النووية التي أجرتها الهند على مقربة من الحدود الباكستانية.
وبعد أيام، دعمت الرياض باكستان بنحو 50 ألف برميل نفط يوميًا مجانًا لتساعدها على تجاوز العقوبات الغربية.
وجاءت زيارة رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف إلى الرياض برفقة قائد الجيش الباكستاني لإبرام اتفاق دفاعي جديد في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات متزايدة بفعل التصعيد الإسرائيلي بضرب قطر، وتراجع الثقة في الولايات المتحدة، والتوترات مع إيران.
ورغم غموض تفاصيله، يعكس الاتفاق رغبة السعودية في تعزيز تحالف قديم مع باكستان، القوة النووية الإسلامية الوحيدة، في ظل تغيّرات جيواستراتيجية واسعة: إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة تعيدان ترتيب النظام في الشرق الأوسط، فإن السعودية حريصة على تعزيز تحالف قديم مع صديق مرن.
واعتبر محللون أن الاتفاق لا يستجيب لحظة معينة، بل لتحولات إقليمية أوسع، خصوصًا مع تراجع الضمانات الأمنية الأمريكية.
اظهار أخبار متعلقة
وذكرت الصحيفة أن التعاون العسكري بين البلدين يعود إلى عقود، حيث طلب رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو دعمًا من الملك فيصل لتطوير برنامج نووي عام 1974، أي قرب موعد إجراء الهند أول تجربة نووية لها.
وكان عبد القدير خان، مهندس القنبلة النووية الباكستانية، قد قام بتهريب تقنيات الطرد المركزي من الغرب إلى باكستان، ومنها إلى إيران وليبيا، ما أثار قلقًا دوليًا واسعًا.
ويرى مؤرخون عسكريون أن "دولارات النفط السعودية" كانت هي ما مهّد طريق باكستان نحو النادي النووي.
وتقدر مؤسسة بروكينغز أن باكستان تلقت منذ ستينيات القرن الماضي مساعدات من السعودية تفوق ما تلقته من أي دولة أخرى خارج العالم العربي. ولم تكن هذه المساعدات مخصصة أبداً لدعم برنامج إسلام أباد النووي السري، بل شملت مساعدات مباشرة للحكومة وتمويل المدارس والمساجد وبرامج خيرية إسلامية أخرى.
وقد تعمّقت العلاقات العسكرية بعد تجربة باكستان النووية عام 1998، حيث رحب معظم العالم الإسلامي بوصول "القنبلة الإسلامية".
وردّت باكستان بتسمية إحدى المدن الباكستانية باسم الملك فيصل، وأُرسلت قوات باكستانية لحماية الحدود السعودية خلال حرب إيران-العراق، وأصبحت وكالة الاستخبارات الباكستانية قناة لتحويل الأموال السعودية والأمريكية التي ساعدت المجاهدين الأفغان على طرد الروس، كما يتولى ضباط باكستانيون تدريب الجيش السعودي، وقاد أحدهم قوة مكافحة الإرهاب في الرياض.
وذكرت الصحيفة أن السعودية طلبت من باكستان مشاركة المعرفة النووية منذ عام 1999، لكن إسلام آباد امتنعت عن ذلك رسميًا.
ورغم عدم وجود اتفاق مكتوب يربط الدعم الاقتصادي السعودي بالحماية النووية، فإن وجود إيران نووية وإسرائيل غير مقيدة يجعل باكستان ورقة استراتيجية للسعودية.
وبحسب أوزي أراد، المدير السابق للبحوث في وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد، فإن إسرائيل تابعت عن كثب تطور
البرنامج النووي الباكستاني، لكنها لم تستهدفه كما فعلت مع العراق وإيران نظرًا لأن باكستان لم تكن دولة عربية بل إسلامية، ناهيك عن تعقيدات العلاقة الأمريكية الباكستانية في أفغانستان خلال الثمانينيات.
وأشارت الصحيفة إلى أن العلاقات بين باكستان والخليج لم تكن جيدة على الدوام فقد شهدت توترًا عام 2015 حين رفضت إسلام آباد المشاركة في ضربات جوية ضد اليمن، ما أثار انتقادات إماراتية علنية، ومع ذلك، لا تزال باكستان تعتمد على دعم مالي ونفطي منتظم من السعودية والإمارات والصين.
وقد صيغ الاتفاق الجديد بعبارات غامضة عمدًا لإرسال رسائل ردع غير مباشرة. وقد اعتبر محللون أن الغموض جزء من استراتيجية الردع، فيما وصفه مقربون من البلاط الملكي بأنه "مظلة نووية باكستانية" محتملة.
وأفادت الصحيفة بأن الاتفاق يمنح السعودية ضمانات أمنية تقليدية، وتدريبًا وخبرة عسكرية باكستانية، ويعزز رمزية وقوف قوة نووية إسلامية إلى جانب المملكة لكنه يحمل مخاطر لباكستان التي تركز اهتمامها على الهند أكثر من الشرق الأوسط، خاصة في علاقتها مع إدارة ترامب، ويزيد من مخاوف إسرائيل والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الباكستاني.
حيال ذلك، قال أحد المسؤولين السابقين المطلعين على الحوارات التي تمت بوساطة بين المسؤولين الباكستانيين والإسرائيليين حول العقيدة النووية الباكستانية: "لطالما كان الأمريكيون والإسرائيليون يشعرون بالقلق من أن برامج باكستان النووية والصاروخية قد تشكل تهديدًا لإسرائيل، وهذه الاتفاقية قد تغذي تلك المخاوف".
وتجدر الإشارة إلى أن حرب إسرائيل في غزة أدت إلى تعطيل اتفاق الدفاع الذي طال انتظاره بين الرياض والولايات المتحدة، وبالتالي تأخير أي تطبيع محتمل بين إسرائيل والسعودية - وهو عنصر حاسم في الاتفاق الأمريكي السعودي.
اظهار أخبار متعلقة
وقد يكون هذا الاتفاق عنصرًا آخر يزيد من صعوبة التطبيع بين الرياض وتل أبيب، كما حذّر محللون من أن ذلك قد يدفع الهند وإسرائيل إلى تقارب أكبر، ويعرض باكستان لعقوبات إضافية، ويهدد موقعها الجيوسياسي الحساس مع الصين وإيران والسعودية والولايات المتحدة.
ومن جانبها، أعلنت الهند أنها ستدرس تداعيات الاتفاق على أمنها القومي، لكن من غير المتوقع أن تتسرع في تعزيز علاقاتها الدفاعية مع إسرائيل، بل ستواصل نهجها المتعدد في العلاقات الدولية.
وفي الوقت نفسه، تراهن السعودية على أن علاقاتها الوثيقة مع الهند ستستمر حيث يؤكد المسؤولون السعوديون أن الهند تدرك احتياجات المملكة الأمنية وتعي تاريخ العلاقات بين السعودية وباكستان.
وفي الختام، ذكرت الصحيفة أن الطبيعة العلنية والغامضة لهذا الاتفاق الدفاعي أرسلت أيضًا إشارة إلى إسرائيل والولايات المتحدة بأنها لا تنطوي على نفس مخاطر الانتشار النووي التي كان ينطوي عليها "السوق السوداء" النووية الباكستانية في الماضي، مما يترك للبلدين مجالًا للتصرف - أو عدم التصرف - في المستقبل.