موازين القوى في الإقليم والعالم تتغير وفقًا للمستجدات على الأرض، وكل حدث يتلوه ردود أفعال وإعادة دراسات وإعادة حسابات للمصالح، والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة.
كمثال –من خارج منطقتنا– فقد اختلفت سياسات دول الاتحاد الأوروبي تمامًا منذ الحرب «الروسية – الأوكرانية» التي دخلت عامها الرابع، ومنذ اندلاعها دفعت دول أوروبا فاتورة اقتصادية وعسكرية باهظة الثمن، جرّاء اعتمادها على الغاز الروسي تحديدًا، وجرّاء استنزاف اقتصاداتها بسبب دعمها العسكري لأوكرانيا.. أوروبا اليوم أعادت جميع حساباتها، واتخذت كل دولة منهجًا أكثر اعتمادًا على الذات –وإن بنسب مختلفة– وهذا أيضًا كلّفها الكثير من الأموال.. ولا زالت الكلف تتغير وفقًا لمستجدات الحرب وتطورات ما يجري في العالم.
هناك، في الشرق الآسيوي الأدنى أو الشرق البعيد، عمدت الصين إلى زيادة قوّتها الاقتصادية العالمية، واستعدت لحرب بعيدة المدى مع الولايات المتحدة الأمريكية بغضّ النظر عمّن يرأسها، ديمقراطيون كانوا أم جمهوريين، فكلا الحزبين يضع نصب عينيه القوة الصينية كقوة تهدد الهيمنة الأمريكية المطلقة على التجارة والاقتصاد العالمي.
– الصين تنبّهت للحرب القادمة، واستعدت لها عسكريًا واقتصاديًا، وغيّرت من استراتيجيتها، فباتت –على سبيل المثال– تخفّض من استثماراتها الأكبر في السندات الأمريكية، وتتّجه نحو شراء مزيد من احتياطات الذهب في بنكها المركزي، ولا زالت تتسبب بارتفاعات تاريخية للمعدن الأصفر، وتبعها في هذا النهج معظم البنوك المركزية العالمية.. التي اتخذت العبرة ممّا جرى مع روسيا من تجميد حساباتها في معظم دول العالم الغربي، كعقوبة اقتصادية بسبب حربها ضد أوكرانيا.. لذلك فالصين تتحوّط استعدادًا لأية تطورات قد تحدث تجاه قضيتها مع تايوان.
– أمّا في إقليمنا الشرق أوسطي، فالمعادلات تتغير سريعًا، عسكريًا واقتصاديًا، وحرب روسيا وأوكرانيا نبّهت أكثر إلى أهمية الطاقة والغاز تحديدًا، ومنطقتنا تزخر بأعلى نسبة احتياطيات الغاز في العالم، كما تعوم غزّة فوق بحر من الغاز وكذلك شواطئ لبنان.
في إقليمنا باتت المعادلات وموازين القوى تتغير بعد 7 أكتوبر 2023، وباتت إسرائيل تسيطر على الميدان يساعدها على ذلك، وبقوة، دعم أمريكي مطلق، فلم تكتفِ بحرب الإبادة على غزة والعدوان المتواصل واحتلال أراضٍ في لبنان وسوريا وحرب مع إيران، بل قامت منذ أيام بهجوم غاشم على الدوحة.. الأمر الذي لا بد وأن يقرع جرس إنذار حقيقي، بأنّ الوضع بات أكثر خطورة، وأنه يستوجب إعادة الحسابات من قبل دول المنطقة ووضع سيناريوهات قوة سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا للمرحلة المقبلة، وهي مرحلة مفتوحة على كل السيناريوهات، في ظل إدارة إسرائيلية متطرفة مدعومة أمريكيًا، لا تأبه إلاّ بـ»أمريكا أولًا»، وبحرب إسرائيل «الوجودية»، ولا تنظر لأية دول «حليفة» أخرى.
–
الدول العربية والإسلامية الـ(57) التي اجتمعت في
القمة العربية الإسلامية في الدوحة مؤخرًا، تضم سكانًا يتجاوز عددهم ملياري مسلم، مما يعني أنهم يمثلون ربع سكان العالم تقريبًا، وتشكل المساحة الإجمالية لهذه الدول حوالي (32) مليون كيلومتر مربع، أمّا حجمها الاقتصادي الإجمالي فيبلغ حوالي (27.949) تريليون دولار أمريكي حسب تعادل القوة الشرائية.
– هذه الدول عليها أن تتعاون أكثر، وأن تتشابك أكثر اقتصاديًا وعسكريًا، حتى تشكّل ثقلًا قادرًا على مواجهة الأخطار القادمة عالميًا وإقليميًا.. وجلالة الملك عبدالله الثاني خلال كلمته في القمة أشار إلى هذه النقطة حين قال: «علينا في العالم العربي والإسلامي أن نراجع كل أدوات عملنا المشترك لنواجه خطر هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.»
– من هنا، أشدّد على أهمية العمل العربي الإسلامي المشترك في هذه المرحلة.. وربما كان من أهم ما رصدناه بعد القمة العربية والإسلامية في الدوحة كثمرة من ثمرات التوجه نحو العمل المشترك:
زيارة سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الأردن، لتعزيز العمل العربي المشترك.
واتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الباكستانية التي تؤكد على أن (الاعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما)، وهذه اتفاقية مهمة جدًا في هذا التوقيت بين دولتين تشكلان ثقلًا اقتصاديًا وعسكريًا كبيرًا في الإقليم والعالم.
*باختصار:
لمواجهة الأخطار القادمة، وأطماع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية لا بد من «مراجعة كل أدوات عملنا المشترك» وتعزيز العمل العربي الإسلامي المشترك، كما يفعل العالم اليوم أو كما تفعل اليوم دول: (الاتحاد الأوروبي – مجموعة بريكس – رابطة أو «كومنولث الدول المستقلة» – وتحالف شنغهاي.. إلخ).
الدستور الأردنية