تشهد
فرنسا أزمة
سياسية حادة تعصف بالمجتمع اقتصاديا واجتماعيا، حيث تواجه
الحكومة الجديدة تحديات كبيرة
منذ البداية، بعد سقوط حكومة الأقلية السابقة بقيادة فرانسوا بايرو، على خلفية رفض
البرلمان لمشروع ميزانية تقشفية كان يهدف إلى توفير 44 مليار يورو وخفض العجز العام
الذي بلغ 114 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويشكل الوضع
الحالي اختبارا حقيقيًا للنظام السياسي الفرنسي والاتحاد الأوروبي على حد سواء،
خاصة في ظل
احتجاجات شعبية واسعة تحت شعار "لنغلق كل شيء"،
احتجاجا على سياسات التقشف الحكومية، شملت الاحتجاجات إغلاق الطرق، إشعال النيران،
والاشتباكات مع الشرطة في مدن مثل باريس، نانت، مرسيليا، ليون، وبوردو.
الاحتجاجات في الشارع
اعتقلت الشرطة
الفرنسية مئات المتظاهرين بما في ذلك حوالي 200 في باريس، وتزامن هذا مع تعيين
سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء بعد الإطاحة بسلفه فرانسوا بايرو
مع مشاركة نحو 29 ألف
شخص في 430 تحركاً، بينها 273 تظاهرة، وتوقيف 295 شخصًا، وفقاً لتقارير وزارة الداخلية
الفرنسية شملت الاحتجاجات إغلاق مدارس وحواجز في المدن الكبرى مثل باريس وليون ونانت،
مع بعض الاضطرابات المحدودة في قطاع النقل.
وجرت التظاهرات دون
قيادة واضحة، مقارنة بحراك "السترات الصفراء" بين 2018 و2019، ما يجعل تقدير
تأثيرها على استقرار الدولة والخدمات الأساسية صعبًا، وأوضح متظاهرون مثل كاميي، أن
الاحتجاجات تستهدف سياسات الضرائب والإنفاق الحكومي، والمطالبة بالتقاعد عند سن الستين،
ورفض ميزانية الحكومة الجديدة.
الانقسام السياسي وفشل
الحكومة
لم يتمكن رئيس الوزراء
فرانسوا بايرو من تمرير خططه المالية في البرلمان، وهو ما أدى إلى تكليف الرئيس إيمانويل
ماكرون سيباستيان لوكورنو، البالغ من العمر 39 عامًا، بتشكيل حكومة جديدة، ويصبح لوكورنو
بذلك سابع رئيس للوزراء في عهد ماكرون، والخامس منذ بداية ولايته الثانية عام 2022،
ويعكس هذا التسلسل غير المسبوق حالة الانقسام السياسي العميق التي تعانيها الجمهورية
الخامسة.
وينقسم البرلمان الفرنسي
إلى ثلاث كتل كبيرة من دون غالبية واضحة، تشمل تحالف اليسار واليمين الوسط وأقصى اليمين،
ما يجعل تمرير أي إصلاحات مالية أو سياسية أمراً بالغ الصعوبة.
وقد أعلن حزب فرنسا
الأبية اليساري الراديكالي أنه سيقدم مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة الجديدة عند عرضها
على الجمعية الوطنية، فيما اعتبر الحزب الاشتراكي أن تعيين لوكورنو، وهو شخصية من اليمين،
يعرض الرئيس ماكرون لـ"غضب اجتماعي" و"عرقلة مؤسساتية"، وفقاً
لمصادر سكاي نيوز عربية.
اظهار أخبار متعلقة
التداعيات الأوروبية
أزمة فرنسا ليست محصورة
بالحدود الوطنية، بل تحمل انعكاسات مباشرة على
الاتحاد الأوروبي، فوفقا لتقارير إعلامية،
أي اهتزاز سياسي أو اقتصادي في فرنسا، قد يؤثر على استقرار العملة الأوروبية وثقة المستثمرين
الدوليين، خاصة مع استمرار الركود في ألمانيا وتحديات سياسية في إيطاليا.
وتمثل فرنسا قوة سياسية
ومالية رئيسية في أوروبا، وأي اضطرابات فيها قد تهدد بقاء "المشروع الأوروبي"
وتزيد من المخاطر على السياسات الاقتصادية المشتركة.
تأتي الأزمة الفرنسية
أيضاً في وقت صعب بالنسبة للمفاوضات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة،
مثل فرض الضرائب على شركات التكنولوجيا الأمريكية، حيث أكد الباحث الاقتصادي في مركز ZEWفي مانهايم، فريدريش هاينمان، في تصريحات إعلامية أن ضعف فرنسا قد
يشجع على سياسات حمائية وتعزيز الرسوم الجمركية، مما قد يؤدي إلى اندلاع حرب تجارية
حقيقية بين أوروبا والولايات المتحدة
، وفقاً لتقرير DW
وأضاف هاينمان أن فرنسا
تعتبر لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد الأوروبي، وأي اضطراب فيها يؤثر على الاتحاد ككل،
وفقًا لبنك بي إن بي باريبا، فإن الاضطرابات السياسية في فرنسا أدت إلى زيادة التقلبات
في الأسواق المالية، مما يهدد بتباطؤ النمو الاقتصادي في منطقة اليورو.
كما أشار مصرف
سوسيتيه
جنرال إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في فرنسا من المرجح أن يتراجع مع سعي المستثمرين
إلى الاستقرار في أماكن أخرى داخل أوروبا، مما يؤثر في نهاية المطاف على قدرة فرنسا
على جذب الاستثمارات اللازمة للابتكار وتطوير البنية التحتية
أزمة تهدد نفوذ
فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي
وذكرت الصحفية رومان
أرمونغو في
تقرير نشرته "يورونيوز"أن الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا تهدد
بتقويض نفوذها التقليدي داخل الاتحاد الأوروبي، في ظل شلل حكومي غير مسبوق وتداعيات
اقتصادية متزايدة.
وقالت أرمونغو إن سقوط
حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو بعد خسارته تصويت الثقة في البرلمان، يمثل خامس تغيير
لرئيس الوزراء خلال أقل من عامين، مشيرة إلى أن هذا التطور يكشف حجم عدم الاستقرار
السياسي الذي بات يميز فرنسا، وتعكس "انهيارًا في الثقة بين الشعب الفرنسي وطبقته
السياسية" مع تصاعد الغضب الشعبي قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027.
وأضافت الصحفية أن
هذه الأزمة الداخلية تتجاوز حدود فرنسا، لتؤثر على توازن القوى في أوروبا، فقد كانت
باريس لسنوات رمزًا للاستقرار في مواجهة الأزمات الإيطالية، لكن المعادلة انعكست اليوم،
إذ باتت إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني تقدم نفسها كطرف أكثر تماسكًا، بينما تواجه فرنسا
عجزًا ماليًا متفاقمًا وشللاً سياسياً.
وفي هذا السياق، نقلت
أرمونغو عن المحلل السياسي إيريك موريس من مركز السياسات الأوروبية (EPC) قوله إن:"وزن فرنسا داخل منطقة اليورو يجعل لهذه الأزمة
تداعيات خطيرة على العلاقات الاقتصادية بين الشركاء الأوروبيين، كما قد يضعف من نفوذ
باريس في الملفات الكبرى كالتجارة والسياسة الصناعية والتحول المناخي".
وأكدت أرمونغو أن الرئيس
الفرنسي إيمانويل ماكرون استبعد الدعوة إلى انتخابات مبكرة أو الاستقالة، لكنه يواجه
مهمة صعبة في اختيار رئيس وزراء جديد في ظل برلمان منقسم، ما يعني أن أي حكومة قادمة
قد تواجه المصير نفسه.
اظهار أخبار متعلقة
واختتمت الصحفية تقريرها
بالتأكيد على أن الأسواق المالية بدأت بالفعل في رفع كلفة الاقتراض على فرنسا إلى أعلى
مستوى منذ عام 2008، وسط ترقب لقرارات وكالات التصنيف الائتماني، وهو ما قد يزيد الضغط
على باريس ويطرح تساؤلات حول مستقبل الاتحاد الأوروبي إذا استمرت أزمة ثاني أكبر اقتصاد
في منطقة اليورو.
ماكرون بين العجز الداخلي
والتحركات الخارجية
أكدت مديرة مساعدة
بمركز أوروبا في Atlantic Council، ليزا هومل، أن ماكرون، رغم الضعف الداخلي، سيحاول
توجيه جهوده نحو السياسة الخارجية. وذكرت أن الرئيس الفرنسي يسعى لاستثمار موقعه في
ملفات مثل "التحالف الدولي لدعم أوكرانيا، والاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم
المتحدة، وتعزيز الشراكات مع جنوب شرق آسيا".
لكنها شددت على أن
هذه التحركات قد تصطدم بالقيود المالية الصارمة، قائلة إن "فرنسا ستضطر للتركيز
على بناء التوافقات الدولية أكثر من زيادة الإنفاق".
خيارات ماكرون ومستقبل
الحكم
بدورها، اعتبرت الباحثة
راما ياد، أن التحدي الأساسي أمام ماكرون ليس مجرد اختيار رئيس وزراء جديد، بل في قدرته
على الاستجابة لمطالب الفرنسيين بتغيير حقيقي في السياسات، وقالت إن "السيناريو
الأكثر واقعية لإنقاذ ماكرون هو تعيين رئيس وزراء من صفوف المعارضة، كما فعل الرئيس
الأسبق فرانسوا ميتران عام 1986".
وحذرت ياد من أن استمرار
نهج ماكرون الحالي سيبقي البلاد رهينة "سلسلة من الحكومات القصيرة العمر"،
وهو ما يهدد الاستقرار حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027.
الاتحاد الأوروبي على
المحك
يتفق خبراء
المجلس
الأطلسي على أن فرنسا، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، تقف عند مفترق
طرق. فإذا فشلت في معالجة أزمتها المالية والسياسية، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض الثقة
في الاتحاد الأوروبي وإعادة شبح تجزؤ الأسواق الأوروبية، بما يحمله من مخاطر اقتصادية
وسياسية.
الدين العام والخطر
الاقتصادي
تمثل فرنسا ثاني أكبر
اقتصاد في منطقة اليورو، وتواجه تحديات مالية كبيرة، حيث بلغ الدين العام المباشر نحو
3.6 تريليون دولار حتى حزيران / يونيو 2025، فيما وصل الدين الإجمالي إلى 8.6 تريليون
دولار.
ويستمر الدين العام
والخاص معاً في الارتفاع بمعدل 450 ألف دولار كل دقيقة، ما يعكس ضغوطاً مالية هائلة
على الحكومة، ويحد من قدرتها على تمويل المشاريع الاستثمارية والاجتماعية دون إثارة
احتجاجات شعبية.
اظهار أخبار متعلقة
ويبلغ العجز الحكومي
في فرنسا نحو 5.4 إلى 5.8 بالمئة من الناتج المحلي، وهو الأعلى في الاتحاد الأوروبي،
مع ارتفاع خدمة الدين إلى نحو 67 مليار يورو سنوياً، بحسب تقرير DW.
ويسجل
الاقتصاد تباطؤاً حاداً، مع نمو متوقع لا يتجاوز 0.6 بالمئة، وهو الأدنى منذ عشر سنوات،
ما يعكس ضعف القطاع الخاص واستمرار الركود.
تواجه فرنسا أيضاً
تحديات ديمغرافية كبيرة، حيث يضم المجتمع أكثر من 14 مليون مواطن فوق سن 65 عاماً،
أي نحو خمس السكان، ما يزيد من الضغوط على المالية العامة ويحد من قدرة الدولة على
التوسع في الاستثمار أو تقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية.