مقالات مختارة

في غزة: الجريمة والعقاب

عمار يزلي
جيتي
جيتي
لم تفلح كل الضغوطات “الجهنمية”، التي مارسها الإجرام الصهيوني بإيعاز ودعم ومشورة الحالم بجائزة نوبل للسلام ودخول الجنة بلا عقاب، لم تفلح في تليين يد المقاومة التي لا تزال تصر تحت كل هذه الظروف الإجرامية والإبادة والتجويع الجماعي غير الإنسانية في حق المدنيين، على انسحاب العدو كاملا مقابل صفقة شاملة أو على مراحل، وبقاء السلاح في يد المقاومة وإن بقيت بعيدة عن السلطة لصالح قوى فصائلية وطنية محلية.

رئيس وزراء الكيان، يواصل رفقة شلة اليمين الصهيوني المتطرف في حكومة الفشل والإجرام، في شل أي بارقة أمل تنهي العدوان، لأن ذلك سيكلفه غاليا، بل نهاية مدوية بعد أن وعد فأخلف، وأهدر المال والسلاح والسمعة لصالح فشل مدوٍّ إلى حد الآن، وإن قتل ودمر وسفك ونكل وأباد، إذ لا انتصار بالكامل أمام خسائر رهيبة ستتجلى لاحقا بعد رفع الغطاء عن سرية الأرقام في كل الميادين. انتصار شامل غير مستحق وغير مبرر لا أخلاقيا ولا سياسيا، أمام عجز عن استعادة ما تبقى من الأسرى وما تبقى من الجثامين.
المقاومة تستبسل وتتفنن في الدفاع عن كرامة أمة بأكمله

أكثر من خطة مشتركة وضعت، ثم غيرت أكثر من مرة، وكم من أطنان من القنابل والأسلحة المحظورة، وكم من جريمة حرب وكم من اغتيالات للصحفيين من أجل تغييب الصورة والخبر والحقيقية، وكم من أسرة أبيدت وكم من عائلة شردت وقصفت تحت الخيام لمرات متتالية، وكم من أبراج سكنية دمرت على رؤوس ساكنيها أو بعد الإخلاء، بغرض التهجير القسري وإبادة البشر والشجر والحجر حتى لا تبقى عين بعد أثر.

مع ذلك، المقاومة تستبسل وتتفنن في الدفاع عن كرامة أمة بأكملها وليس فقط غزة أو الضفة أو الأراضي المحتلة منذ النكبة، إنها تحمل راية الأمة بأكملها في ظل تكالب صهيوني عالمي عقله في واشنطن وذيله في الشرق الأوسط، والهدف: إخضاع المنطقة وابتزازها والهيمنة في ظل عولمة باتت مهددة بالتقلص والانكماش.

الرئيس الأمريكي، الذي وجد نفسه متورطا حد النخاع في بؤرتين متوترتين حد الوصول إلى بوابة جهنم وحرب عالمية ثالثة، في كل من أوكرانيا وغزة والضفة، لم يكن يصدق أن الأمر بهذا الاستعصاء، إذ سارع إلى التدخل بكل الأساليب، بالترغيب والترهيب، لكن لا واحدة منها أفلحت في وقف وحشية الدمار والموت في العالم.

هذه الازدواجية وهذا التناقض لدى الإدارة الأمريكية، قد ينتهي بتقلص حجم التدخل الأمريكي في العالم، وعودة هذا البلد إلى سياسية ما قبل الحرب العالمية الثانية، والتقوقع تحت راية “أمريكا أولا”، حتى مع تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة حرب، إذ يلاحظ كيف أن الولايات المتحدة، وبانخراطها المباشر في حرب أوكرانيا وغزة ولبنان وإيران واليمن، والعراق، كلفها غاليا اقتصاديا.

هذا ما نشاهده اليوم أمام صعود التكتل الأسيوي المتمثل في الصين والهند وروسيا ومجموعة البريكس بشكل عام وتجمع شنغهاي ومشروع الحزام والطريق الصيني الذي بات يهدد الهيمنة الأمريكية ويبشر ببروز قطب منافس من شأنه أن يعيد للعالم والعولمة توازنها بعد الهجمة الشرسة للقوى اللبرالية الجديدة في الغرب، بدءا من “أمريكا الديمقراطيين”.

مع ترمب والحزب الجمهوري، هناك توجه نحو تقلص حجم نفوذ اللبرالية الحديثة المعتمدة على حرية الفعل وحصر تدخل الدولة وترك السلطة للمال مهما كان أصله وفصله، تقلص لصالح لوبي أمريكي داخلي يعتمد على استقطاب رؤوس الأموال لا على تشتيت القوة الاقتصادية المالية وتهريبها نحو الصين ودول أخرى. مشروع قد لا يفلح وقد ينهي مرحلة هيمنة القطب الواحد.. التي بدأت.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)