سياسة دولية

تقرير: زيارة بوتين للصين تعيد إحياء تحالفات كبرى وسط تصاعد التوتر مع واشنطن

بوتين يحضر العرض العسكري في بكين بمشاركة قادة روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية -جيتي
بوتين يحضر العرض العسكري في بكين بمشاركة قادة روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية -جيتي
نشرت شبكة "بي بي سي" تقريراً أشارت فيه إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يزور الصين للمرة الثانية، بيد أن هذه المرة مختلفة عن سابقتها، فلأول مرة منذ غزو أوكرانيا، يزور بوتين حليفه الرئيسي في المنطقة ليس بصفته تابعاً للرئيس الصيني، شي جين بينغ، ومحاصراً بعقوبات غربية، بل بصفته زعيماً عالمياً على قدم المساواة مع الرئيس الأمريكي، القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم والمنافس الرئيس للصين.

واعتبر التقرير أن الزيارة الصينية تشكل انتصاراً لبوتين عقب عودته من ألاسكا، بعد أن استقبله دونالد ترامب استقبالاً رسمياً على الأراضي الأمريكية، واستطاع بوتين خلال اللقاء إقناع ترامب بالتخلي عن مطالبه بعدم شنّ ضربات على أوكرانيا، فضلاً عن وقف تهديداته بفرض عقوبات جديدة على روسيا.

وذكر التقرير أن بوتين سيُستقبل في الصين استقبالاً حافلاً، بالتزامن مع مشاركة أكثر من 12 زعيماً إقليمياً في مدينة تيانجين، حيث تُعقد قمة منظمة شنغهاي للتعاون على مدى يومين.

وأشار التقرير إلى أن الاجتماع سيضم زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، المعروف بخطابه الصاخب والمعادي للغرب، إلى جانب رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، الذي تتسم علاقته مع كل من بكين وواشنطن بالتعقيد.

وأفاد التقرير بأن عدداً كبيراً من الزعماء سيشارك، يوم الأربعاء في بكين، في موكب رسمي لإحياء الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، والاحتفال بـ"انتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني، والانتصار في الحرب العالمية المناهضة للفاشية".

ولفت إلى أن المناسبة تثير تساؤلات حول ما إذا كانت الفعاليات الجارية في الصين هذا الأسبوع تعكس توجهاً نحو تعزيز تحالف عالمي ضد الولايات المتحدة، وما إذا كان تكتل روسيا - الهند - الصين، الذي ظل خامداً خلال السنوات الخمس الماضية رغم سعيه لموازنة الهيمنة الغربية، سيشهد نشاطاً جديداً في ظل تصاعد الحروب التجارية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

من جانبه، اعتبر بيير أندريو، خبير العلاقات الصينية - الروسية في معهد سياسات مجتمع آسيا، والذي سبق أن عمل دبلوماسياً في روسيا وطاجيكستان ومولدوفا، أن "تصاعد الضغط التجاري من إدارة ترامب على الصين أسهم في تقوية المحور الروسي - الصيني، فيما فشلت المحاولات الرامية لإضعاف الروابط بين الجانبين عبر ما يُعرف بـ(كيسنجر العكسي) في تحقيق أي نتائج ملموسة".


وبدوره، أوضح خبير في العلاقات الروسية - الصينية، لم يُفصح عن اسمه، في مقال نشره مركز تحليل السياسات الأوروبية، أن "الاستراتيجية الأمريكية القائمة على محاولة إثارة الخلاف بين موسكو وبكين عبر إنهاء الحرب في أوكرانيا ورفع بعض العقوبات عن روسيا، تُظهر تقديراً غير دقيق لعمق وتعقيد هذه الشراكة".

وتحولت الصين إلى المشتري الأول للطاقة الروسية، وإلى المورد الرئيسي للسيارات والسلع الأخرى إلى روسيا، عقب انسحاب الشركات الغربية من السوق هناك، فيما ساهم الهجوم على أوكرانيا في تعزيز الروابط الأيديولوجية التي تقوم عليها الصداقة بين موسكو وبكين.

فسر أندريو ذلك بالقول إن "كلا البلدين يقفان ضد الليبرالية الغربية ويتحديان الهيمنة الأمريكية، كما أنهما يمتلكان السلاح النووي ويشغلان مقعدين دائمين في مجلس الأمن، وتتقاطع مصالحهما الاستراتيجية". وأضاف: "على الصعيد الاقتصادي، يكمل كل طرف الآخر، فروسيا غنية بالمواد الخام، فيما تعد الصين قوة صناعية وتكنولوجية"، لافتاً إلى أن الروابط الشخصية الوثيقة بين قيادتي البلدين تمثل عاملاً محورياً في هذه العلاقة.

اظهار أخبار متعلقة



يشترك بوتين وشي جين بينغ في سمات عديدة، إذ يبلغان العمر نفسه (72 عاماً)، ونشآ في ظل النظام الشيوعي السوفيتي، ويحكمان منذ سنوات طويلة، وقد رسخ كل منهما هياكل سلطة استبدادية، مع إظهار عدم تسامح واضح تجاه أي معارضة.

سبق أن وقع بوتين مع شي جين بينغ، قبيل غزو أوكرانيا عام 2022، بياناً أكد فيه الطرفان على "صداقة بلا حدود وتعاون بلا قيود". ويصف شي نظيره الروسي بأنه "صديق عزيز"، وقد اجتمع به أكثر من أي زعيم عالمي آخر، بما يفوق أربعين مرة.

قالت باتريشيا كيم، الخبيرة في شؤون السياسة الخارجية الصينية والعلاقات الأمريكية - الصينية بمؤسسة بروكينغز في واشنطن، إن "بكين تستفيد من إبقاء بوتين تحت السيطرة ومنعه من العودة للتقارب مع الغرب، لكنها في الوقت نفسه لا تسعى إلى تقوية روسيا بشكل مبالغ فيه". وأضافت: "الوضع المثالي بالنسبة للصين هو أن تبقى روسيا قوية بما يكفي لمواجهة الغرب، وضعيفة بالقدر الذي يجعلها تحت نفوذها".

اعتبر أندريو أن "روسيا تعد شريكاً مفيداً للصين، فهي تساعد شي جين بينغ على الحفاظ على الاستقرار داخلياً وفي آسيا الوسطى، كما تتيح لبكين فرصة حشد الدعم من دول الجنوب العالمي وتعزيز نموذج مغاير للنظام العالمي الغربي".

وتُعد الهند، العضو الثالث في تكتل روسيا - الهند - الصين، عاملاً معقداً في علاقاتها مع كل من بكين وواشنطن، وهو ما قد يشكل عقبة أمام أي مساعٍ لإحياء هذا التكتل.

اظهار أخبار متعلقة



يكتسب لقاء شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، أهمية خاصة، إذ تمثل هذه الزيارة الأولى لمودي إلى الصين منذ سبع سنوات، في وقت توقفت فيه الاتصالات المباشرة بين البلدين تقريباً منذ المناوشات الحدودية في وادي غالوان عام 2020.

غيرت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الهند مسار الأحداث، بعدما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية مرتفعة على السلع الهندية بسبب استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي، الأمر الذي بدا وكأنه يدفع الخصوم السابقين باتجاه التقارب.

قال شي جين بينغ لمودي إن على الصين والهند أن تكونا شريكتين لا خصمين، فيما أكد مودي أن "أجواء من السلام والاستقرار" تسود بين البلدين حالياً. ولا يقتصر الأمر على أنهما الدولتان الأكثر سكاناً في العالم، بل إنهما تمتلكان أيضاً اثنتين من أكبر الاقتصادات العالمية.

أكد مودي أن الرحلات الجوية بين الهند والصين، المتوقفة منذ النزاع الحدودي قبل خمس سنوات، ستستأنف من جديد، لكنه لم يحدد إطاراً زمنياً لذلك.

قال شي جين بينغ إن "على الجانبين التعامل مع علاقتهما من منظور استراتيجي طويل الأمد"، مشدداً على أن "الصداقة بين الطرفين تمثل الخيار الصحيح لهما".

وبحسب تقرير شبكة "بي بي سي"، فإن خبراء يرون أن إعادة إحياء تحالف ثلاثي فعّال تسعى إليه روسيا والصين، مع انضمام بعض من أكبر اقتصادات العالم، قد يشكل مواجهة مباشرة للنفوذ المتصاعد لواشنطن، إلى جانب تكتلات أخرى مثل مجموعة بريكس التي تأسست عام 2006 وتضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

اظهار أخبار متعلقة



وتجد الهند نفسها مضطرة للحفاظ على توازن سياسي دقيق، رغم التداعيات الاقتصادية للرسوم التي فرضها ترامب، فضلاً عن حاجتها للتوصل إلى حلول لمشكلات الثقة العميقة مع الصين.

ولفت التقرير إلى أن خبراء يرون أن الهند تسعى للحفاظ على سياسة خارجية مستقلة، في وقت لا تزال فيه تداعيات الاشتباكات الحدودية مع الصين عالقة بالذاكرة، إضافة إلى قلقها من الشراكة الوثيقة التي تجمع بكين بباكستان، خصمها التقليدي.

أوضح التقرير أن عقوداً من الدبلوماسية التي أسهمت في تقارب الهند مع الولايات المتحدة قد تكون بحاجة إلى إعادة تقييم، وربما التخلي عنها، وهو ما سيشكل ثمناً باهظاً إذا اختارت نيودلهي الانضمام الكامل إلى تحالف مناهض لواشنطن، رغم أن المشهد السياسي هذا الأسبوع يظل لافتاً ولا يمكن تجاهله.

وذكرت الشبكة أنه من المتوقع أن يحضر كل من فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، إلى جانب الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، العرض العسكري في بكين بمشاركة 26 رئيس دولة، حيث يتضمن الحدث عرضاً منظماً لعشرات الآلاف من الجنود في ساحة تيانانمن التاريخية، تشارك فيه 45 فرقة عسكرية صينية إضافة إلى قدامى المحاربين.

سيجتمع للمرة الأولى قادة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية في عرض عسكري يقام في بكين يوم الثالث من أيلول/سبتمبر.

ويتساءل نيل توماس، خبير الشؤون الصينية في معهد سياسات منطقة آسيا، قائلاً: "هل يشكل هذا الاجتماع القمة الأولى لمحور الأنظمة الاستبدادية؟"، مضيفاً أن هذا التحالف لن يستمر طويلاً بسبب تباين أهداف أعضائه وغياب الثقة المتبادلة بينهم. ورأى توماس أن "مشاركة بوتين وبيزشكيان وكيم جونغ أون تبرز موقع الصين كالقوة الاستبدادية الأبرز على مستوى العالم".

وختمت الشبكة تقريرها بإن أحداث الأسبوع الجاري في الصين قد تشكل استعراضاً قوياً، ليس بالضرورة لدور التحالفات مثل منظمة شنغهاي للتعاون أو تكتل روسيا - الهند - الصين أو مجموعة بريكس في مواجهة واشنطن، بل لتأكيد موقع الصين المركزي في أي من هذه التكتلات مستقبلاً.

التعليقات (0)

خبر عاجل