تستعد أنقرة ودمشق للإعلان عن اتفاقيات أمنية وعسكرية وشيكة خلال شهر آب/ أغسطس الجاري، في خطوة يُنظر إليها على أنها تحوّل جذري في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد سنوات من القطيعة والصراع.
وكشف مصدر عسكري تركي رفيع، أن اتفاقية دفاع مشترك بين
تركيا وسوريا باتت في مراحلها النهائية، ويُنتظر توقيعها رسميًا خلال الأسابيع القليلة المقبلة، في إطار تفاهمات متقدمة جرى التوصل إليها عبر قنوات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى.
وأوضح المصدر لموقع “الشرق نيوز” أن الاتفاق يهدف إلى "إرساء أسس تعاون استراتيجي شامل" بين الجانبين، يشمل التنسيق الأمني والعسكري وتبادل المعلومات، فضلاً عن إقامة
قواعد عسكرية تركية في مناطق متفرقة من الأراضي السورية، وتعزيز قدرات الجيش السوري على المستويين الميداني والاستشاري.
قواعد تركية في الداخل السوري
ووفق المعلومات فإن الاتفاق المزمع توقيعه يتضمّن إنشاء ثلاث قواعد عسكرية تركية دائمة في
سوريا، هي:
قاعدة في مدينة تدمر الأثرية، الواقعة في البادية الشرقية.
قاعدة في مطار تيفور العسكري، غرب مدينة حمص.
قاعدة في مطار منغ العسكري، بريف حلب الشمالي.
وأشار المصدر إلى أن هذه القواعد لن تُعلن عبر بيانات رسمية في المرحلة الراهنة، بل سيتم تأسيسها تدريجيا ضمن "إطار فني وعسكري متفق عليه مسبقا"، دون اللجوء إلى إعلان علني مباشر، في ظل اعتبارات محلية ودولية معقدة تحكم الملف السوري.
طلب رسمي من دمشق
وتأتي هذه التطورات بعد إعلان أنقرة تلقيها طلبًا رسميًا من الحكومة السورية للحصول على دعم دفاعي مشترك، وذلك في سياق متغيرات إقليمية متسارعة، دفعت دمشق إلى إعادة النظر في خارطة تحالفاتها، لا سيما مع تصاعد التهديدات الأمنية في شمال البلاد واستمرار التوتر مع الجماعات الانفصالية في الشرق.
اظهار أخبار متعلقة
وفي هذا السياق، أكّد مصدر سياسي سوري٬ أن التوجه لإقامة قواعد تركية داخل سوريا "ليس وليد اللحظة"، بل جاء نتيجة أشهر من المفاوضات غير المعلنة، مضيفًا أن "الطرفين باتا على قناعة بأن الأمن القومي التركي والسوري متداخل، ولا يمكن ضمان استقرار أي طرف دون تنسيق مباشر مع الآخر".
وأشار المصدر إلى أن المفاوضات تضمنت ملفات شائكة، أبرزها مكافحة الجماعات الكردية المسلحة المتمركزة شمال شرق سوريا، والحد من التمدد الإيراني في الجنوب، إلى جانب اتفاقات لوقف إطلاق النار في عدد من المناطق الساخنة.
مجلس الأمن القومي التركي
وجاءت هذه التطورات في أعقاب اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، الذي عقد الأربعاء الماضي في العاصمة أنقرة، برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، واستمر لنحو أربع ساعات. وأصدر المجلس بيانًا رسميًا أشار فيه إلى أن أنقرة تواصل دعم الحكومة السورية في جهودها لحماية وحدة أراضيها واستقرارها.
وأكد البيان أن "إحباط جميع الأنشطة الانفصالية والهدامة، ومنع الهجمات وعمليات الاحتلال التي تستهدف سيادة سوريا، تمثل أولوية قصوى لتركيا"، مشددا على أن تركيا لن تسمح بجرّ سوريا مجددا إلى دائرة العنف والفوضى.
ويأتي هذا التقارب التركي السوري في سياق إقليمي بالغ الحساسية، حيث تشهد المنطقة سلسلة من التحولات الكبرى، أبرزها حرب الإبادة
الإسرائيلية المتواصلة في غزة، والتصعيد الإيراني الإسرائيلي الأخير، وتبدل أولويات بعض الدول الخليجية.
ويرى مراقبون أن إعادة تفعيل العلاقات بين أنقرة ودمشق تعكس إدراكا مشتركا لدى الطرفين بأن الانخراط في تحالفات إقليمية جديدة أصبح ضرورة استراتيجية، خاصة في ظل تراجع النفوذ الأمريكي، وازدياد التهديدات الأمنية عبر الاحتلال الإسرائيلي.
دعم استشاري للجيش السوري
في السياق ذاته، كشف المصدر العسكري التركي أن الاتفاقية ستنص أيضا على تقديم دعم استشاري واسع النطاق للجيش السوري، يشمل التدريب والتأهيل والتزويد بالمعلومات الاستخباراتية، وربما بعض التجهيزات غير الهجومية.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أن أنقرة تسعى من خلال هذا الدعم إلى تحصين الجبهة الجنوبية لسوريا من التهديدات الإسرائيلية المستمرة، في ظل تصاعد الاعتداءات التي تستهدف مواقع عسكرية ومخازن أسلحة داخل الأراضي السورية، ما يجعل التعاون الدفاعي بين الجانبين مصلحة متبادلة.
وأشار إلى أن أنقرة لن تنخرط في أي صراع داخلي سوري، لكنها "تُولي أهمية قصوى لمكافحة التنظيمات الانفصالية والإرهابية التي تهدد الأمن التركي، وتستخدم الأراضي السورية كنقطة انطلاق لتنفيذ عمليات داخل العمق التركي".